fbpx

على الطريق  

0 36

رنَّ الهاتف.. كشف عن رقم لا أعرفه.. امتدت يدي متكاسلة، رفعت السماعة.. تردّد صوته ضعيفاً في أذني «صباح الخير يا بطل». بحة الصوت ليست غريبة.. خمّنت.. أجبت والحيرة تلفني: وصباحك نور يا عسل. أحسّ بارتباكي.. هل عرفتني؟ أنت بالبيت؟

– نعم، أهلاً وسهلاً…

– أكيد تغيّر شكله حتى الحارة والشارع 

– لكنّه مازال في المكان نفسه…

– انتظرني…

ثلث الساعة… وأنا أتساءل، وأحاول التذكّر مَن هو؟ أيقظني طرق على الباب.. فتحته.. بادرني بقامة ممشوقة، وشعر ثلجي، وعينان تبرقان فرحاً، وضحكة مجلجلة.. صرخت الله.. الله.. أبا الفوز.. انفتحت الأذرع وضمّمنا بعضنا بعضاً…

جلسنا متقابلين، الدنيا لا تسعني بعد تلك السنوات، رؤيته أعادتني خمسة عقود أحسست أن الزمن توقف عندها.. الجامعة، والمحاضرات، والسهرات، والرحلات، ومناكفات الأصدقاء والأصحاب، شريط فيديو لم يستغرق بضع ثوانٍ.. وغرقنا في سؤال وجواب عن الأهل، وشؤون الحياة، وكيف يتقضى الوقت، وتنصرم الأيام، والناس تطحنهم المستجدات المتسارعة فتلوب الأفئدة مما يعانون… ساعة كدقائق مرت شعاعاً، ودعته وقلبي يعصره ألم مبهم لم أدرك ماهيته.

مرّ أسبوع على لقائنا، نويت زيارته غداً.. مساء سمعت الخبر الذي هزّ كياني.. أبا الفوز ارتحل عن دنيانا، لم ينتظر ردّ الزيارة، ودون وداع غادرنا، وترك في النفس حسرة ممضة. في بيته رأيت أناساً كثيرين، وبضعة أصدقاء مازالوا يلملمون ضعف أجسادهم. وفي صمتي استرجعت الباقين. أكثرهم سبقوا أبا الفوز، وآخرون شتّتهم ضنك الأيام في ديار الاغتراب، أواللجوء بحثاً عن أمل بسعادة موهومة لم يجدوها، وبقي الحنين يشدهم إلى الأرض، وتؤنس الذكريات وحشة وحدتهم…

شيعته فيمن شيعه، وندبته أخاً وصديقاً ورفيق فكر ودرب. وعدت إلى البيت طيراً مكسور الجناح، يعاني حزناً في أصيل أيامه المتبقية إلّا شعاعاً من أمل يتولّد في النفس، وتفاؤلاً بشباب ما زالت أصواتهم تصدح…

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني