fbpx

قراءة في الاقتصاد السوري (1-2)

0 331

مقدمة:

تعيش سوريا أزمة حقيقية، تضاعف آثارها السيئة حياة الناس سوءاً، ناجمة عن الفقر، والأمية، والمرض، وانتشار الفساد، وعدم المحاسبة، وغياب العدالة الاجتماعية، فأهدرت كرامة الانسان في ظل السياسات الاقتصادية التي اتبعتها السلطة السورية، وضاعت حقوقه التي “تشكل مزيجاً من القانون الدستوري والدولي ومهمتها الدفاع بصورة مباشرة ومنظمة قانوناً عن حقوق الشخص الإنساني ضد انحرافات السلطة الواقعة في الأجهزة الدولية، وأن تنمو بصورة متوازنة الشروط الإنسانية للحياة والتنمية المتعددة الأبعاد للشخصية الإنسانية” كما عرفها الهولندي ” أيمرزابو”.

وعرفتها الأمم المتحدة بأنها ضمانات قانونية عالمية لحماية الأفراد والجماعات من إجراءات الحكومات التي تمسّ الحريات الأساسية والكرامة الإنسانية، ويُلزم قانون حقوق الإنسان الحكومات ببعض التدابير الأخرى، أي ركزت على الجانب القانوني (الدستور) التي تحكم من خلاله السلطات شعوبها.

واعتماداً على القانون ستلقي الباحثة الضوء على البنود الاقتصادية في الدساتير السورية، وهي محور الدراسة منذ الاستقلال وتأسيس الدولة السورية.

دستور عام 1950

الفصل الثامن:

المادة الحادية والخمسون بعد المائة:

تشرف الدولة على الاقتصاد الوطني وتنظيمه لتحقق للشعب مستوى لائقاً من المعيشة، باستثمار الأرض وتقدم الصناعة والتجارة وتوفر العمل لجميع المواطنين.

المادة الثانية والخمسون بعد المائة:

يحدث في الدولة مجلس اقتصادي دائم، مهمته اقتراح الخطط والمناهج الاقتصادية لتنمية الوطن في مختلف النواحي الاقتصادية. يقدم المجلس تقاريره ونتائج أعماله إلى الحكومة ومجلس النواب. يحدد بقانون عدد أعضاء المجلس الاقتصادي. وطريقة انتقائهم على وجه يكفل تحقيق الغاية المتوخاة منه.

المادة الثالثة والخمسون بعد المائة:

يجوز احداث مؤسسات تتمتع باستقلال مالي وإداري، لتنفيذ مشروعات معينة وإدارتها، ويكون ذلك بقانون يحدد عدد أعضائها وطريقة انتقائهم والإشراف عليها.

المادة الرابعة والخمسون بعد المائة:

الأموال التي تنفقها الدولة على مشروعات الري وتحسين الراضي تستوفيها من الذين يستفيدون منها في مدة تتفق مع قدرتهم. يحددها القانون.

يلاحظ هنا أن مواد الدستور لم تحدد هوية الاقتصاد لكن الحكومة سعت ليكون دورها إيجابياً ويحقق نوعاً من التنمية الاقتصادية وتركت للشعب حرية إدارة الاقتصاد في البلاد.

دستور عام 1973

المادة الثالثة عشرة:
‎1- الاقتصاد في الدولة اقتصاد اشتراكي مخطط يهدف إلى القضاء على جميع أشكال الاستغلال.

‎2- يراعي التخطيط الاقتصادي في القطر تحقيق التكامل الاقتصادي في الوطن العربي.

المادة الرابعة عشرة:

‎ينظم القانون الملكية وهي ثلاثة أنواع:

‎1- ملكية الشعب: وتشمل الثروات الطبيعية والمرافق العامة والمنشآت والمؤسسات المؤممة أو التي تقيمها الدولة وتتولى الدولة استثمارها والإشراف على إدارتها لصالح مجموع الشعب، وواجب المواطنين حمايتها.

‎2- ملكية جماعية: وتشمل الممتلكات العائدة للمنظمات الشعبية والمهنية والوحدات الإنتاجية والجمعيات التعاونية والمؤسسات الاجتماعية الأخرى ويكفل القانون رعايتها ودعمها.

3- ملكية فردية: وتشمل الممتلكات الخاصة بالأفراد ويحدد القانون وظيفتها الاجتماعية في خدمة الاقتصاد القومي وفي إطار خطة التنمية ولا يجوز أن تتعارض في طرق استخدامها مع مصالح الشعب.

المادة الخامسة عشرة:

‎1- لا تنزع الملكية الفردية إلا للمنفعة العامة ومقابل تعويض عادل وفقاً للقانون.

‎2- المصادرة العامة في الأموال ممنوعة.

‎3- لا تفرض المصادرة الخاصة إلا بحكم قضائي.

‎4- تجوز المصادرة الخاصة بقانون لقاء تعويض عادل.

المادة السادسة عشرة:

‎يعين القانون الحد الأقصى للملكية الزراعية بما يضمن حماية الفلاح والعامل الزراعي من الاستغلال ويضمن زيادة الإنتاج.

المادة السابعة عشرة:

حق الإرث مضمون وفقاً للقانون.

المادة الثامنة عشرة:

الادخار واجب وطني تحميه الدولة وتشجعه وتنظمه.

المادة التاسعة عشرة:

‎تفرض الضرائب على أسس عادلة وتصاعدية تحقق مبادئ المساواة والعدالة الاجتماعية.

المادة العشرون:

‎يهدف استثمار المنشآت الاقتصادية الخاصة والمشتركة إلى تلبية الحاجات الاجتماعية وزيادة الدخل القومي وتحقيق رفاه الشعب.

ويمكن ملاحظة تحديد هوية الاقتصاد بالاقتصاد الاشتراكي. وسعى الدستور لتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية هذا في حال نفذت بنود الدستور، لكن على أرض الواقع لم تنفذ إنما نمت طبقة من الرأسمالين المتحكمين بالسلطة وانتشر الفساد والفساد الإداري بسبب عدم اختيار الموظفين والإداريين على أساس الكفاءة بل على أساس ولائهم للسلطة، مما سبب انخفاض في مؤشرات التنمية والناتج المحلي وارتفاع التضخم وفي الفصول القادمة توضيح ذلك من خلال محاولة دراسة هذه المؤشرات رغم الصعوبات التي نواجهها بسبب عدم الشفافية في عرض البيانات الحقيقة وعدم ترحيل كامل الدخل المتأتي من الثروات الباطنية.

تعديل الدستور عام 2012

المادة الثالثة عشرة:

1- يقوم الاقتصاد الوطني على أساس تنمية النشاط الاقتصادي العام والخاص من خلال الخطط الاقتصادية والاجتماعية الهادفة إلى زيادة الدخل الوطني وتطوير الإنتاج ورفع مستوى معيشـة الفرد وتوفير فرص العمل.

2- تهدف السياسة الاقتصادية للدولة إلى تلبية الحاجات الأساسية للمجتمع والأفراد عبر تحقيق النمو الاقتصادي والعدالة الاجتماعية للوصول إلى التنمية الشاملة والمتوازنة والمستدامة.

3- تكفل الدولة حماية المنتجين والمستهلكين وترعى التجارة والاستثمار وتمنـع الاحتكار فـي مختلف المجـالات الاقتصادية وتعمل على تطوير الطاقات البشرية وتحمي قوة العمل، بما يخدم الاقتصاد الوطني.

المادة الرابعة عشرة:

الثروات الطبيعية والمنشآت والمؤسسات والمرافق العامة هي ملكية عامة، تتولى الدولة استثمارها والإشراف على إدارتها لصالح مجموع الشعب، وواجب المواطنين حمايتها.

المادة الخامسة عشرة:

1- الملكية الخاصة من جماعية وفردية، مصانة وفق الأسس الآتية:

‌أ- المصادرة العامة في الأموال ممنوعة.

‌ب- لا تنزع الملكية الخاصة إلا للمنفعة العامة بمرسوم ومقابل تعويض عادل وفقاً للقانون.

‌ج- لا تفرض المصادرة الخاصة إلا بحكم قضائي مبرم.

‌د- تجوز المصادرة الخاصة لضرورات الحرب والكوارث العامة بقانون لقاء تعويض عادل.

2- يجب أن يكون التعويض معادلاً للقيمة الحقيقية للملكية.

المادة السادسة عشرة:

يعين القانون الحد الأقصى للملكية الزراعية والاستثمار الزراعي بما يضمن حماية الفلاح والعامل الزراعي من الاستغلال ويضمن زيادة الإنتاج.

المادة السابعة عشرة:

حق الإرث مصون وفقاً للقانون.

المادة الثامنة عشرة:

1- لا تفرض الضرائب والرسوم والتكاليف العامة إلا بقانون.

2- يقوم النظام الضريبي على أسس عادلة، وتكون الضرائب تصاعدية بما يحقق مبادئ المساواة والعدالة الاجتماعية.

ويلاحظ في التعديل عدم تحديد الدستور للهوية الاقتصادية، أما في الواقع فقد انتهج نظام النيوليبرالي رفع الدعم عن أغلب المواطنين وخصخصة بعض المؤسسات مثل الاتصالات والكهرباء ولم يراعَ أي بند من بنود الدستور فقام بمصادرة أملاك بعض المعارضين، فقط لمجرد أنهم معارضين للفساد، ونمت طبقة رأسمالية جديدة من التابعين للسلطة، وتم عقد بيع ثروات باطنية مثل الفوسفات بما يخالف الدستور ودون موافقة الشعب ولم يدخل ريع بيع هذه الثروات في الميزانية العامة للدولة، وكذلك عقود استثمار مرافق للدولة مثل مرفأ طرطوس وغيره سنذكره لاحقاً بالتفصيل ولم يدخل ريع هذا الاستثمار في الميزانية العامة للدولة وهي مخالفة لبنود الدستور.

دراسة لبعض المؤشرات الاقتصادية

التضخم الاقتصادي:

التضخم هو ارتفاع مستمر ومؤثر في المستوى العام للأسعار.

وهنا عرضٌ لمعدلات التضخم لعدة سنوات وأسبابها:

في عام 1974 تجاوز معدل التضخم 14%، أما عام 1975 تجاوز المعدل 16% والأسباب كانت حرب تشرين

في عام 1979 تناقصت معدلات التضخم لتصل إلى 4.9% بسبب المساعدات المالية التي تلقتها سوريا من دول الخليج العربي.

لتعود نسبة التضخم في التزايد من عام 1982 لأسباب كثيرة منها تراجع المساعدات العربية بسبب وقوف سوريا مع إيران بحربها ضد العراق ولأسباب أمنية داخلية منها أحداث حماه والخلاف الذي حصل بين الرئيس حافظ الأسد وأخيه رفعت الأسد وانتهى الخلاف بالاتفاق على خروج رفعت من سوريا مقابل مبالغ نقدية هائلة تم خلالها سحب الاحتياطي النقدي من البنك المركزي وتقديمه لرفعت الأسد بالإضافة إلى الحرب في لبنان جميع هذه العوامل أدت إلى ارتفاع نسبة التضخم كالتالي: 1987 وصلت نسبة التضخم الى 50% وفي 1989 وصلت نسبة التضخم 45%

 أما في التسعينات من القرن العشرين وحسب ما تشير البيانات أن الحكومة انتقلت بشكل سريع بعد أزمة الصرف عام 1986 من سياسة عجز سنوي يتراوح بين 30 و90% من الإيرادات أما في الثمانينات فقد أدت سياسة التقشف الصارمة التي لا يحلم صندوق النقد الدولي بفرضها بهذه القسوة على أية حكومة، خرجت بعدها الموازنة بفائض قدره 9% من الإيرادات.

أما في المرحلة التالية (1994-2000) فقد انتهجت الحكومة سياسة مالية انكماشية قوامها الضغط على الإنفاق تقليصاً وعلى الإيرادات تحصيلاً، وكان من نتائج هذه السياسة تقليص عجز الموازنة وتخفيض معدلات التضخم من 8% عام 1997 إلى سالبة عام 1999.

وفيما يلي من السنوات فإن معدل التضخم قد تحرك صعوداً لكن بمعدلات مقبولة لم تتجاوز 4% لغاية 2004 وقد ترافق معدل التضخم هذا مع النمو الاقتصادي الحقيقي بعد مرحلة طويلة من الركود الاقتصادي.

التضخم خلال أزمة 2011:

يمكن تعريف الأزمة على أنها خلل يؤثر تأثيرًا ماديًا على البلد كله، وكذلك يهدد كل مقوماته الرئيسية.

وهذا ما فعلته الأزمة في سورية حيث بدأت حركة مطلبية في عام 2011 ضد الفساد بكل أنواعه ونتيجة سوء معالجة السلطة لهذه الحركة وتدخل دول خارجية كلٌ حسب مصالحه، تحولت إلى أزمة دمرت البلد بأكمله اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً وجغرافياً وهجرت أكثر من نصف سكانه بين نزوح داخلي وهجرة خارجية، وظهرت طبقة من تجار الحروب من المقربين للسلطة استولت على الاقتصاد السوري والشركات السورية، وانتقل الاقتصاد خلالها من اقتصاد سوق اجتماعي إلى اقتصاد نيو ليبرالي أو غير محدد الهوية.

عانى الشعب السوري خلال هذه الفترة من ارتفاع متتالٍ للأسعار، وتدهور للعملة السورية مقابل الدولار (سنخصص له فصلاً كاملاً)، وتراجع لمعدل النمو ليصبح سالباً، أما بالنسبة للتضخم وحسب دراسة البروفيسور ستيف هانكين في عام 2022 بلغ 246,04% ومازالت الدولة عاجزة عن كبح جماح نسبة التضخم وهذا ما لُمس في موازنة عام 2023.

الناتج المحلي:

الناتج المحلي الإجمالي هو مؤشر اقتصادي يقيس القيمة النقدية لإجمالي السلع والخدمات التي أُنتجت داخل حدود منطقة جغرافية ما (بلد مثلا) خلال مدة زمنية محددة (سنة أو نصف سنة مثلا). 

وتأتي أهمية دراسة هذا المؤشر من دلالته لمعرفة حجم الاقتصاد الكلي وقدرة البلد على استخدام مواردها المختلفة من مواد خام وبشر وعلم ومعرفة على الإنتاج.

ويدخل الناتج المحلي في جهة الإرادات في الموازنة العامة للدولة وكلما ارتفع هذا المؤشر ارتفعت إيرادات الدولة مما يزيد من قدرتها على الإنفاق العام، كما يقيس مدى رفاهية المواطن بقسمة الناتج المحلي على عدد السكان.

سنلقي نظرة بسيطة على قيمة الناتج المحلي السوري حسب بيانات البنك الدولي التي تشير إلى:

في عام 1960 كان الناتج المحلي السوري 2.42 مليار دولار

استمر في النمو ليصل في عام 1973 الى 5.05 مليار دولار

وتابع نمو بسيط ليصل في عام 1989 إلى 11.30 مليار دولار

ليتضاعف بعام 1998 بسبب سياسة التقشف التي اتبعتها الحكومة وتركيزها على المشارع التنموية واصدار قانون الاستثمار رقم 10 ليصل إلى 21.39 مليار دولار.

وواصل ارتفاعه بعد استلام الرئيس بشار الاسد السلطة وممارسته الانفتاح الاقتصادي ليصل عام 2011 إلى 35.30 مليار دولار.

لكن بنظرة إلى الواقع السوري في هذه المرحلة نلاحظ أنه لم يحقق العدالة الاجتماعية في توزيع الدخل المحلي ونمت طبقة من رجال الأعمال والرأسماليين المقربة من السلطة تركزت بأيديهم هذه الأموال وبدأت الطبقة الوسطى من المجتمع السوري في الانهيار المادي والتلاشي وزاد الفقر في سورية، مما أدى إلى حركة شعبية قوبلت بدمار البنية التحتية للاقتصاد وهروب رؤوس الأموال والمصانع للدول المجاورة ودمار الزراعة وتقاسم الدول للثروات الطبيعة إما بالاستيلاء العسكري أو بالاتفاقيات المجحفة بحق الشعب السوري كما سيتم ذكره بالتفصيل لاحقاً، مما أدت إلى تراجع الناتج المحلي ففي عام 2016 قدرت الخسائر التراكمية في إجمالي الناتج المحلي بنحو 226 مليار دولار أي حوالي أربعة أمثال إجمالي الناتج المحلي السوري في عام 2010.

العملة السورية وأسباب انهيارها أمام الدولار:

الليرة السورية هي عملة رسمية بدأ العمل بها عام 1948 بعد انفصال مصرف سوريا ولبنان الذي كان يصدر الليرة السورية – اللبنانية، وتنقسم الليرة السورية إلى 100 قرش.

في العام 1948 تم إنشاء مكتب سوري بحت لمراقبة القطع، منفصل عن المكتب السوري- اللبناني الموروث من الانتداب، ودخلت في ذاك الوقت أسعار الصرافة المتعددة، لأول مرة رسمياً إلى سوريا، وأوجد سعر رسمي للمعاملات الحكومية (1 دولار = 2,2 ليرة سورية).

وصدر قانون النقد السوري في آذار عام 1950 وعبر هذا القانون أخذت الحكومة السورية رسمياً امتياز الإصدار، وتأسيس مؤسسة إصدار النقد السوري التي طبعت الليرة السورية باسمها مع التركيز خاصة على التغطية بالذهب.

ولا يجوز إصدار أي قطعة نقدية ما لم يقابلها زيادة مساوية في موجودات مصرف سورية المركزي، أي أن تكون مغطاة بالذهب، ويجب ألا تقل نسبة الذهب والعملات الأجنبية القابلة للتحويل الموضوعين في التغطية عن (40%) من مجموع عناصر التغطية.

في العام 1956 حملت الليرة السورية عنوان مصرف سورية المركزي، وحددت قوانين المركزي أشكال الإصدار النقدي والتغطية النقدية.

استمرت الليرة السورية في ثباتها مع ارتفاع طفيف في السبعينيات حيث وصل سعر الصرف إلى 3.95 ل.س للدولار، واستمر هذه الثبات إلى الثمانينيات حيث عانت الليرة من تدهور شديد بسبب الأحداث الأمنية التي ذكرناها سابقا وسحب الاحتياطي القانوني من المركزي السوري حيث وصل سعر الصرف إلى 18 ل.س للدولار، واستمر في التدهور إلى أن ثبت في عام 1996 على سعر 46.5 ل.س للدولار إلى أن حصلت الأحداث في عام 2011 عانت خلالها الليرة من تدهور شديد إلى أن وصلت الأن في عام 2023 إلى ما يزيد عن 7000 ل.س للدولار.

أسباب انهيار الليرة السورية:

تحدد قيمة أي عملة حسب ميزان المدفوعات والاحتياطي النقدي الموجود في المصرف المركزي للدولة، مع ملاحظة أن صك العملة في سورية محدد بتغطية 40% من قيمتها ذهباً أو عملات صعبة.

أما بالنسبة لميزان المدفوعات فهو عبارة عن إيرادات ومدفوعات، والإيرادات هي الناتج المحلي، والمساعدات، والضرائب، وكل ما يدخل إلى الميزانية من ثمن تصدير للثروات الباطنية، ومدخول المرافق العامة كالمرافئ والمطارات وغيرها، أما النفقات فهي كل ما تدفعه الدولة من خدمات وأجور ونفقات استثمارية وغيرها.

وبالعودة إلى الاقتصاد السوري في فترة الأحداث، حيث حصل تدمير للصناعة وهروب للمصانع بنسبة 80%، أما الزراعة فقسم أهمل بسبب ظروف الحرب، وقسم أخر تحت سيطرة قسد أو تركيا، فبعد أن كانت سورية مصدرة للقمح والقطن وغيرها الكثير أصبحت مستوردة، أما النفط والغاز والفوسفات وغيرها كذلك فقد أصبحت تحت سيطرة قسد وأمريكا أو دول أخرى، ومنها ما تم بيعه عن طريق اتفاقيات مع الحكومة كسداد ديون عن الحرب العبثية، وسنذكر بالتفصيل بعض هذه الاتفاقيات ونتحدث عن الثروات الاستراتيجية بالتفصيل، أما الاحتياطي النقدي في المصرف المركزي فقد سحب لتمويل الحرب العبثية وتمت طباعة فئة الألفي ليرة والخمسة آلاف دون تغطية، أي أنها لا تحمل من القيمة إلا تكلفة الورقة والطباعة، فكيف مع كل هذه المعطيات والدولار قارب من ال 8000 ألاف ليرة فقط؟!

أهم الموارد الاستراتيجية في سوريا

القمح:

يعتبر القمح من المحاصيل الاستراتيجية الرئيسة في سوريا، لأهميته في تحقيق الأمن الغذائي، وتوفير فرص عمل لسكان الريف، ومساهمته الأساسية في الناتج المحلي الإجمالي للقطاع الزراعي، إضافة إلى دوره المتزايد في الصادرات الزراعية خلال سنوات الألفية الثانية لغاية عام 2011 حين بلغ الإنتاج السنوي للقمح حوالي 3.85 مليون طن، مع وسطي استهلاك محلي 2.5 مليون طن مما أتاح فائضاً للتصدير يقدر بـ 1.35 مليون طن. شكل القمح الطري حوالي 47% من إجمالي إنتاج عام 2011 ولم تتجاوز نسبة البعل 16%. إلا أن الأزمة السورية أثرت سلباً على عملية إنتاج القمح، إذ تشير الاحصاءات إلى أن الإنتاج انخفض بشكل حاد ليصل عام 2018 إلى 1.2 مليون طن، أي ما يغطي أقل من نصف الطلب المحلي، ويعود هذا الانخفاض إلى العديد من العوامل منها غياب الدعم لزراعة القمح، وشح الأمطار، ودمار البنية التحتية من شبكات ري ومضخات مياه، وصعوبة توفر السماد والبذار والأدوات الزراعية، إضافة إلى انخفاض العمالة الزراعية نتيجة الأوضاع الأمنية، والهجرة، واللجوء، والنزوح.

القطن:

يطلق على القطن اسم “الذهب الأبيض” ويحتل صدارة المحاصيل الزراعية في سورية، ويعتبر من الزراعات الغارقة في القدم التي عايشت السوريين منذ آلاف السنين.

ويعد محصول القطن من المحاصيل الاستراتيجية التي يعتمد عليها الاقتصاد السوري، نظراً لحجم المساحات المزروعة التي بلغت 250 ألف هكتار في محافظات حلب والرقة ودير الزور والحسكة وحماه، ويشكل ما بين 20 إلى 30% من الصادرات الزراعية، وهو المحصول الزراعي الأول، والصناعي الثاني من حيث المساهمة في تأمين القطع الأجنبي بعد النفط، وترتكز عليه الصناعات النسيجية التي تعتبر ركيزة أساسية للاقتصاد إذ تساهم في الميزان التجاري بـ 30% من إجمالي الصناعات التحويلية، ويعمل فيها مليون عامل أي نحو 20% من مجموع اليد العاملة في البلاد.

وقد احتلت سوريا المرتبة الثانية عالمياً بعد الهند في انتاج ألياف القطن العضوي لموسم 2009/ 2000 اذ بلغ إنتاجها حسب بورصة الأقمشة العالمية 20 ألف طن، كما احتلت المرتبة الثانية بعد أستراليا بمردود وحدة المساحة بمعدل 4 أطنان للهكتار منذ عام 2001 ودخلت مصاف الدول المتقدمة في جودة أقطانها وإنتاج القطن الملون خصوصاً البني والأخضر، وتفوقت في مجال المكافحة الحيوية الآمنة بيئياً والإنتاج النظيف.

انحدرت زراعة القطن خلال سنوات الحرب بعد عام 2011 بعدما كانت في صدارة المحاصيل الاستراتيجية التي يعتمد عليها الاقتصاد السوري لتمركزه في منطقة شرق الفرات وحلب التي خرجت عن سيطرة السلطة حيث تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، وكذلك بسبب رفع الدولة الدعم عن القطاع الزراعي، وقطع الكهرباء، وتوقف اعطاء القروض الزراعية، ونزوح اليد العاملة، فبعد أن كانت الدولة داعمة للمواد الاستراتيجية الزراعية والصناعية فيما قبل نلاحظ أنها بدأت تحاول رفع يدها عن رعاية هذه القطاعات وتحاول تدميرها وتدعم بدلاً عنها قطاع التجارة (الاستيراد)، أي أنها بدأت تتحول إلى نظام نيو ليبرالي، لكن دون إعلان عن هذا التوجه، وهذا ما يؤكده قرار الحكومة في تموز من عام 2021 السماح باستيراد مادة القطن المحلوج للقطاع العام والصناعيين فقط، وفق طاقتهم الإنتاجية الفعلية لمدة ستة أشهر، مع السماح للصناعيين باستيراد مادة الخيوط القطنية بكمية /5000/ طن.

اتهم صناعيون سوريون الحكومة، بعد هذا القرار، بأنها تتعمد قتل الزراعة والصناعة السورية، وأعلن أحد الصناعيين السوريين (رياض طيفور، وهو من كبار تجار القطن والخيوط في سوريا) الحداد لمدة ثلاثة أيام، مصرحاً هذا أسوأ خبر أسمعه منذ بداية اﻷزمة، كما تحدّى الحكومة قائلاً: “سلّموني ملفَّ القطن وإن لم تعد سوريا للتصدير لن أقبل بعقاب أقل من الإعدام”.

السكر:

تأتي أهمية الشوندر السكري من أنه المحصول الوحيد في سوريا للحصول على مادة السكر لعدم زراعة قصب السكر، إضافة لكونه ثالث المحاصيل الاستراتيجية المهمة بعد القمح والقطن.

وقد وصل إنتاج سوريا من الشو ندر السكري لعام 2011 إلى 1.791.566 طناً مقابل 1.429.831 طناً عام 2010، وتوزعت زراعته على مساحة 25.973 هكتاراً.

يزرع الشمندر السكري في الغاب، وحلب، والرقة، وحماه، وإدلب، ودير الزور، معامل السكر كانت موزعة على مناطق الإنتاج جميعها، لكنها توقفت كلها تباعاً وكان أخرها معمل سلحب عام 2014.

السكر خلال الأزمة:

خلال سنوات الحرب العشر، تغيّرت بشكل كبير ظروف زراعة هذا المنتج الذي صنفته الحكومة السورية محصولاً استراتيجياً على مدار أكثر من أربعة عقود. ويعود ذلك إلى وقوع جزء كبير من مناطق زراعة هذا المنتج في المناطق “الساخنة”، ومنها مناطق سهل الغاب (بين حماة وحمص وإدلب) وهي المناطق اﻷكثر زراعة لهذا المحصول مع مناطق ريف حلب الشمالي والغربي.

ذكرت أرقام وزارة الزراعة العام 2017 أن إنتاج أراضي زراعة الشو ندر السكري في سهل الغاب (حماة وحمص) تراجع من 1.4 مليون طن في العام 2011 إلى 12 ألف طن في العام 2017، في الوقت الذي صادقت فيه وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك في العام نفسه على إنشاء شركة “مينا للسكر الكريستال” لرجل اﻷعمال السوري سامر الفوز. ويحق لهذه الشركة استيراد وتصدير السكر الخام والمواد واﻵلات اللازمة لصناعته وتعبئته، بما في ذلك إنشاء معامل للسكر، في وقت توقفت عن اﻹنتاج غالبية معامل السكر الحكومية التي تستخدم الشمندر السكري، وعددها ستة، تتوزع على الرقة وحمص ومدينة الثورة وحلب.

أدّت العمليات العسكرية وتعرّض الحقول والمساحات الزراعية إلى القصف وسقوط القذائف فيها، إلى ترك هذه المساحات الشاسعة، وتبع ذلك عدم قدرة المزارعين على الوصول إلى حقولهم بسبب احتمال وجود ألغام مضادة للأفراد. وهذه سقط بسببها عشرات اﻷشخاص ما بين قتيل وجريح.

تزامنت العمليات العسكرية مع انتشار واسع لعمليات سرقة مضخات المياه وشبكات الري، وخروج كثير منها من الخدمة الفعلية بعد انقطاع المياه عنها، وخاصة في مناطق سرير نهر الفرات، ونهر العاصي، وكذلك في المناطق الشمالية الشرقية في الجزيرة السورية.

مع نزوح السكان عن المناطق الزراعية، نزحت بالضرورة اليد العاملة إلى مناطق آمنة، وهذا تسبب في توقف كبير لشركات إنتاج السكر، في حمص وحلب وريف دمشق، واستمر معمل سكر مدينة سلحب (محافظة حماة) بسبب وقوعه ضمن منطقة آمنة نسبياً، ولم يمنع هذا من تعرض المعمل للعديد من القذائف تسببت في تعطيله لفترات جزئية. ومؤخراً قالت الحكومة السورية إن المعمل سيعود إلى اﻹنتاج عند انتهاء حصاد محصول الشو ندر في سهل الغاب بعد استعادة المنطقة جزئياً.

حصل ذلك بالتزامن مع عدم توفر مستلزمات الإنتاج في الوقت المناسب (بذار ـ يد عاملة ـ أسمدة ـ مازوت) ﻷسباب متعددة، منها توقف الدولة عن دعم هذه العناصر الاستراتيجية، مع توافرها في السوق السوداء بأسعار مضاعفة عشرات المرات. على سبيل المثال فإن سعر كيس السماد العضوي المستورد من الصين وصل إلى أكثر من 40 ألف ل.س (15 دولار) وأما كيس السماد الكيماوي اللازم لتسميد الشمندر وغيره فقد وصل إلى 120 ألف. ل.س (45 دولار) مما لا يجعلها في مقدور كثير من المزارعين، ويتم بيعها عبر الجمعيات التعاونية للفلاحين بشكل مباشر، ولكن قلة هم القادرون على شرائها.

أُضيف إلى ما سبق، ارتفاع أسعار الكهرباء، ثم استبعاد دعم محصول الشو ندر من التمويل بقروض من الدولة، ثمّ انخفاض تسعيرته في شركات السكر.

وفي الخلاصة، فإنّ الحكومة والظروف المرافقة حولت هذا المحصول إلى عبء حقيقي على العاملين في قطاع إنتاجه. وفي ظل سعي السلطات للتخفف من أعباء الخدمة الزراعية، فقد طلبت الحكومة السابقة برئاسة المهندس عماد خميس في تموز/ يوليو 2019 من الوزارات التابعة لها والمؤسسات المرتبطة بها، اتخاذ قرار نهائي بشأن المحصول، فإما استبداله بمحصول آخر، وإما اﻹبقاء عليه والقيام بمراجعة كاملة لدعمه والاستمرار في تصنيعه.

وهذا العام، على ما يظهر، فإنّ الحل ارتكز فقط على دعم زراعة المحصول في منطقة سهل الغاب وتوسيع المساحات المزروعة حتى حدود 45 هكتاراً، وهو ما لا يغطي سوى جزء بسيط من احتياجات البلاد من مادة السكر، حتى بافتراض صلاحية الشو ندر المنتج بالكامل للإنتاج الصناعي.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني