fbpx

خريف الغضب الفلسطيني الذي أسقط كل الأوهام

66 3٬566

بالتأكيد لا يُريد الغرب قيام أيّ إمبراطورية أو دولة كبرى في شرقه تُهدّد مصالحه وتُنافسه في السيطرة على طرق التجارة ومصادر الثروات أو أيّ شكل من أشكال المنافسة الاستراتيجية.

لذلك كان العداء الإستراتيجي للمنظومة الغربية مع الدولة العثمانية هو الأساس وإنٌ سَعى بعض المتنافسون أو المتصارعون الغربيون للتعاون معها تكتيكياً أو مرحلياً.

لذلك استغل الغرب دخول الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى إلى جانب ألمانيا حتى كانت الفرصة التي يسعون لها منذ قرن قد حانت للانتهاء من المسألة الشرقية والإجهاز على الرجل المريض، ولم يتوانوا عن هزيمتها هزيمة منكرة بل واحتلال مركز الإمبراطورية (تركيا) وتقسيمها فيما بينهم والسيطرة على عاصمتها إسطنبول حتى لا تقوم لها قائمة، وضمن ظروف تاريخية وبسبب انتصار الثورة البلشفية في روسيا القيصرية وحرب التحرير التي قادها مصطفى كمال في تركيا وأحداث أخرى تَمّت الموافقة على إنشاء دولة تركيا بحدودها الحالية مع انسلاخها عن عثمانيتها، وزوال التهديد منها، بل واعتبارها حليفاً موضوعياً للغرب وبرغبة تركيا الجديدة والتصالح والاقتداء بمن هزمها.

لذلك لم يكن في ذهن المُخطّط الاستراتيجي الغربي السماح بقيام أي قوة فاعلة وحقيقية في المنطقة بعد الإمبراطورية العثمانية خاصةً وأنّ النفط كان هو هدف كلّ التنافس الدولي، والمنطقة العربية تبدو واعدة وتعوم على بحر من النفط، إضافةً للموقع الجيو استراتيجي الهام للغاية، وتَوضّح ذلك بعدم الإيفاء بالوعود التي قُدّمت للشريف حسين للدخول بالحرب معهم ضِدّ الدولة العثمانية وإنشاء مملكة عربية كبرى على أنقاض الدولة العثمانية التي جرى تفكيكها، وتَمّ إعطاء وعد بلفور لليهود وفرض اتفاقية سايكس بيكو على العرب في بلاد الشام والعراق وإعطاء الفرس الأحواز العربية.

وكان إنشاء دولة إسرائيل قراراً استراتيجياً غربياً لتحقيق مصالحهم في المنطقة أكثر منه لحل مشكلة اليهود في العالم وإن كان يُحقّق ذلك أيضاً، خاصةً بعد الهولوكوست النازي بِحقّهم الذي أعطى مبررات أخلاقية لشرعنة قيام الكيان المصطنع الذي كان يَتمّ إنضاجه قبل ولادة هتلر نفسه.

وكان قيام دولة الاحتلال رسمياً بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية قد أُحيط بسرديات ومُسلّمات كانت تبدو للكثيرين أنها راسخة أو لا يمكن تغييرها.

سقطت كل تلك السرديات والمُسلُمات صبيحة يوم غضب خريفي فلسطيني لم يكن عادياً، إنه صبيحة السبت، السابع من أكتوبر..

  1. اعتقد بعضهم أنّ دولة الاحتلال قد بلغت مرحلة الفطام الاستراتيجي عن الثدي الغربي الذي يَمُدّها بِكلّ أسباب الحياة، فقد أصبحت دولة رائدة على مستوى العالم في التكنولوجيا والعلوم الأخرى كافة، وأصبحت مُصدّرة لها وباتت كثير من الدول (ومنها دول كبرى) تشتري أسلحة وتكنولوجيا إسرائيلية، وكانت تشتهر بأسطورة تَمّ ترسيخها عن تَقدّمها الهائل في عالم الأمن والاستخبارات والتجسّس، وكانت تبيع تلك المنتجات أيضاً، كما اهتزّت بِعُمق أيضاً السردية الإسرائيلية بأنّ أرض الميعاد هي المكان الآمن المطلق لليهود في العالم فلا يُمكن قَتلهم بأيّ هجوم عسكري من العدو، وإنّ كل الحروب القادمة لن تكون على أرضها بل في أراضي أعدائها.

وتأكيداً لتلك القناعة الراسخة تَمّ مساء السابع من أكتوبر إقامة حفل موسيقي في غلاف غزة وعلى مرمى حجر من القطاع في إشارة إلى درجة الاطمئنان الكبير من أيّ هجوم فلسطيني.

وسقطت أيضاً أسطورة سلاح الردع النووي والتفوق الهائل في الأسلحة التقليدية، وتَبيّن أنّ سلاح الردع يَنفع مع الدول والجيوش النظامية وليس مع حركات المقاومة دون الدولة.

وعلى المستوى السياسي لم ينفع سلوك الغطرسة وعدم الالتزام بالاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وحَلّ قضيته حلاً منصفاً.

ولم ولن يُبٌنى الأمن بِقوّة العضلات بل يُبنى بالسلام.

وبالتأكيد اكتشف الإسرائيليون أنّه لا جدوى من التخادم مع المشروع الإيراني في إضعاف نفس الفريسة العربية وعدم إمكانية التفاهم على اقتسامها، فقد ضربهم الإيرانيون في مَقتل.

ولم تُفد سياسة نتنياهو بالضغط على الولايات المتحدة لعدم الاعتراض على الدخول الروسي لسوريا ومراهنته على الروس في تحجيم النفوذ الإيراني على حدوده، فقد أثبت الروس إنهم في الصف الإيراني وليس الإسرائيلي قبل وبعد 7 أكتوبر، واستقبلوا وفداً قيادياً من حماس في موسكو بعد عملية طوفان الأقصى، وكانت المواقف الرسمية الروسية ليست في صَفّ الدولة العبرية.

  • سقطت آخر أوراق التين عن زِيف مشروع وخطاب ودعاية محور المراوغة الإيراني، وباتت أهدافه واضحة وغير قابلة للإخفاء.

فمشروع ولاية الفقيه يريد قضم المنطقة تدريجياً وتهديد دولة الاحتلال لإجبارها على الاعتراف بأحقيته في ذلك، ومنذ انتصار الثورة الإيرانية، خدمت سياساتها دولة الاحتلال من خلال تحطيمها للدول السُنيّة المحيطة بإسرائيل واستنزاف موارد دول الخليج وتخويفها بالبعبع الإيراني، ما شَجّع تلك الدول على اللجوء إلى دولة الاحتلال لحمايها من العدو الذي بات هلاله يُحيط بها من كل حَدبٍ وصوب ويتحرّش بها.

وبالفعل لا تملك إسرائيل مشروعاً خاصاً بها للمنطقة لكن بإمكانها تعطيل المشاريع الأخرى، وإذا ما ضَمِنت إيران عدم ممانعة إسرائيل لمشروعها فإنها قد تكون مُستعدّة لإبرام اتفاق مُعلن أو غير معلن بعدم التعرّض لها.

فمحاربة إسرائيل أو الولايات المتحدة غير واردة في الاستراتيجية الإيرانية، بل ضمان موافقتهما على مشروعها وبالتفاوض بالنار أحياناً.

وعندما أتى الغرب بأساطيله وانفلت الوحش الإسرائيلي من عِقاله، نأت إيران بنفسها وتَنصّلت من حركات المقاومة في غزة وتركتها لمصير محتوم، وقبلت بخسارة غزة دون التورط بأيّ صِدام حقيقي مع إسرائيل.

  • اكتشفت الولايات المتحدة والغرب عموماً، أنّ رأس الرمح الغربي الذي غرزوه في الخاصرة المشرقية لكي يَستزف ويُرعب ويَبتزّ الجوار هو رأس رمح خشبي، ولم يَعُد كما كان يَعتقد من غرزه في الجسد العربي، يُؤمّن مصالحه بل بات عِبئاً عليه وهو من يحتاج للحماية بدل أن يحمي مصالح من زرعه ورعاه.

وليست الهشاشة الإسرائيلية ظرفية ويُمكن احتواء الخرق بعد ساعات ومهاجمة الخصم، بل على المدى المتوسط والبعيد لا يُفيد دولة الاحتلال الانتصار في معركة، لأنه إن بقيت سياساتها ومن يَدعمها تسير وفق ما قبل 7 أكتوبر فإنّ إسرائيل ستخسر الحرب مع العرب، وسيخسر الغرب العرب أيضاً إذا لم يُبدّل من استراتيجيه في المنطقة، حيث لا يُمكن بناء السلام مع تلك الدولة المُحتلة كما هي منذ نشأتها للآن، وليس صعباً على أي مجموعة عسكرية دون الدولة من اختراق أمنها مُجدّداً، والسبيل الوحيد أمام الولايات المتحدة والغرب لضمان استقرار المنطقة، إيجاد حَلّ للقضية الفلسطينية، وتعاون مُمكن أن يرقى مُستقبلاً لما هو أعمق بين الدول العربية والدولة العبرية للتصدي للمخططات الشريرة لمشروع ولاية الفقيه ونزع أساس شرعية تَمدّده بادعائه الانتصار للحقوق والمقدسات الفلسطينية والعربية بل والإسلامية أيضاً وسحب هذه الورقة منه.

فشلت الولايات المتحدة في مغادرة المنطقة والاعتماد على حلفائها الخصوم (العرب واليهود) والتفرغ للتصدي للأخطار الاستراتيجية الأخرى (الصين وروسيا)، حيث عادت الأساطيل الأطلسية بقوة للمنطقة وبسرعة هائلة، ولن تترك المنطقة إلا بعد بناء نظام أمن إقليمي جديد أساسه مصر والأردن والخليج العربي وإسرائيل للتصدي لمحور المراوغة والكبتاغون الإيراني

  • سقطت أيضاً بعد 7 أكتوبر كلّ المنظومة القيمية الأخلاقية الغربية التي أيّدت رواية العدو الإسرائيلي وتَبنّت حرب الإبادة التي تُشَنّ على المدنيين في غزة، وبرزت المعايير الانتقائية المزدوجة بِشدّة في النظر للإنسان كونه إنساناً أولاً، وحظيت الأفعال الإسرائيلية بِكلّ التبرير أو الرضى أو التجاهل، وأقصد هنا المجتمع المدني وصنّاع الرأي والمحتوى وأساتذة الجامعات والمثقفين… إلخ. حيث لا عُذر لهم إن (وجدنا عذراً للحكومات) بل لم نجد استنكاراً للمجازر المروعة والأخلاقية كوصف وزراء إسرائيليين للفلسطينيين بالحيوانات البشرية ويجوز قتلهم، أو اعتبار مليوني فلسطيني في غزة كحاضنة لحركة حماس والسكوت عن الحصار وحرمان المدنيين من أبسط حقوق الإنسان، بل لم يستنكر أحد مطالبة وزير في حكومة العدو باستعمال القنبلة الذرية لإبادة السكان.

حتى بعد كشف زيف الدعاية الإسرائيلية (وجود قيادات وأنفاق ومراكز تَحكّم ومستودعات أسلحة) التي بَرّر بها قصف المشافي، ولم تُقدّم دليلاً واحداً معقولاً على ادّعاءاتها.

  • بعد انحسار تأثير ما يُعرف بتيارات الإسلام السياسي وخسارة كُلّ مواقعه التي اكتسبتها من خلال ثورات الربيع العربي، لم يبق إلا حركة حماس كوجه سياسي وعسكري تُعبّر عن ذلك المشروع، التي على مدى السبعة عشر عاماً الماضية في تقديم مشروع حكم رشيد للقطاع وإيغالها بِشقّ وحدة الشعب والقرار الفلسطيني ورفضها إجراء أيّ انتخابات ديمقراطية بِحجّة أولوية مشروع المقاومة، ولم تتبع سياسات رشيدة لرفع الحصار، والقيام بتنمية مجتمعية واقتصادية وتحقيق مستوى معيشي مقبول للسكان، أو الاستفادة من حالة التعاطف الهائل من كل دول العالم مع الشعب الفلسطيني بجذب استثمارات كبرى. وخاضت أربعة حروب مع دولة الإحلال في تلك المدة، لم تُحقّق منها أيّ نتائج سياسية، واختتمتها بالحرب الحالية، ولم تَجد بسياساتها تلك أيّ حليف فلسطيني أو عربي، غير الحضن الإيراني للارتماء فيه.

سَتغيّر عملية طوفان الأقصى بنتائجها وجه الشرق الأوسط كله وما بعد 7 أكتوبر ليس كما قبله بالتأكيدـ وعَلّمنا التاريخ أنّ الحروب هي من تصنع المستقبل الذي يُهيمن عليه المنتصرون ويكتبون تاريخه أيضاً، وبالتأكيد سيولد من المخاض الدولي والإقليمي الجاري الآن دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

66 التعليقات
  1. Md khalifa says

    – ممتع هذا التوصيف الموضوعي والتحليلي والمترابط على عدة محاور .
    – لايمكن للاستقرار المرتبط بالأمن والسلام الإقليميين أن يكون مع ديمومته،مالم تكن هناك دولة فلسطينية تضمن حقوق الشعب الفلسطيني وحقه في الحياة ، دون الارتماء في أحضان إيران ومشروعها التخريبي ، وبما يضمن حق الفلسطينيين الحياة الكريمة ضمن محيطهم العربي والإقليمي .
    – الحروب لاتبني بل وتدمّر مستقبل الأجيال القادمة .

  2. VefjExtit says
  3. KnrhdSnope says
  4. KpbdfSnope says
  5. KymcSnope says
  6. Syhkenlaw says
  7. Sheenlaw says
  8. XjjeClums says
  9. Snduenlaw says
  10. XmtfClums says
  11. KmehSnope says
  12. XtnvClums says
  13. CrhcExtit says
  14. Srthvenlaw says
  15. Stehenlaw says
  16. XssmnClums says
  17. Srmvenlaw says
  18. XncClums says
  19. Sxxeenlaw says
  20. CjuuExtit says
  21. Srcbenlaw says
  22. Awsxenlaw says
  23. Ayybenlaw says
  24. CndyExtit says
  25. ZoljSnope says
  26. BcedClums says
  27. Axerenlaw says
  28. Amdbenlaw says

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني