fbpx

التكتيكي والاستراتيجي في مُسْتَجدات العلاقات بين قوى الصراع على سورية، وخيارات السوريين القاسية!.

0 68

لقاء أمني/عسكري رفيع المستوى في موسكو الأربعاء 28 كانون الأول 2022، يُثير فضول السوريين ومشاعرهم لمعرفة حقيقة ما يُحاك خلف الأبواب الموصدة، كما يطرح تساؤلات حول طبيعة تطور العلاقات بين نظامي البلدين الجارين، وتأثيراتها المحتملة على مآلات المرحلة الراهنة من التسوية السياسية، وما تضعه من خيارات..

أولاً: في تقييم أولي لنتائج الاجتماع، تكشف مصادر متطابقة النقاب عن اتفاق وزراء دفاع تركيا وسوريا وروسيا على تشكيل لجان استخباراتية- عسكرية مشتركة، تبدأ اجتماعاتها نهاية الشهر في موسكو أولاً، وبعدها في أنقرة ودمشق.

أهم القضايا التي تم تناولها، ترتبط كما أكدت تصريحات المسؤولين في الدول الثلاث بوضع آلية مشتركة لتسهيل عودة اللاجئين، بعد توفير الأرضية المناسبة، كما ناقشوا تصوراً ما، يضع حداً لما تُعرف بقوات سوريا الديمقراطية، في سياق تمكين النظام السوري من بسط سيطرته على مناطق المعارضة المتحالفة مع تركيا!.

في تصريح لوزير الدفاع التركي، خلوصي أكار تحدث عن ضرورة حل الأزمة السورية بما يشمل جميع الأطراف، وفق القرار الأممي رقم 2254، وأوضح أن عودة اللاجئين يجب أن تتم بشكل طوعي وآمن ومشرف، وأن تركيا أبدت استعدادها للعمل المشترك بهذا الخصوص، كما أكد على
استمرار التواصل مع النظام بشكل صحي، وأن بلاده تبذل جهودها في هذا الاتجاه. وفي حال كانت الظروف والشروط مناسبة، فمن الممكن عقد لقاءات على مستوى القادة، وفق تعبيره. علاوة على ذلك، أشار إلى أن هدف بلاده الوحيد هو محاربة الإرهاب، وتحييد حزب العمال الكردستاني PKK، ووحدات حماية الشعب YPG، وإرهابيي داعش، الذين يشكلون تهديداً لسوريا أيضاً.

مصدر دبلوماسي روسي قال إن الجهود الروسية سوف تبني على الخطوة الحالية في إطار تهيئة الظروف لعقد اجتماع على مستوى وزراء الخارجية مطلع العام المقبل، على أن تمهد هذه الخطوة لعقد قمة ثلاثية على المستوى الرئاسي قبل منتصف العام، أي قبل حلول موعد انتخابات الرئاسة في تركيا، بحسب صحيفة الشرق الأوسط.

من جانبها، قالت وزارة دفاع النظام السوري في بيان الأربعاء، إنه جرى لقاء جمع وزير الدفاع ومدير إدارة المخابرات العامة السوريين مع نظيريهما وزير الدفاع ورئيس جهاز المخابرات التركيين في العاصمة الروسية موسكو، بمشاركة الطرف الروسي، مشيرة إلى أن الجانبين بحثاً ملفات عديدة وكان اللقاء إيجابياً.

ثانياً: المحطة الراهنة في العلاقات السورية التركية، بين التكتيكي والاستراتيجي في ضوء خلفيات المشهد السياسي والعسكري

  1. بالتكامل مع جهود دبلوماسية وسياسية خاضتها في إطار آستنة بعد أن اضطرتها ضغوط أمريكية قاسية، على دخول المسار خلال 2017، يخوض النظام التركي غمار حرب ضروس منذ 2016، (متعددة الأشكال والأدوات، تخللها ست معارك كبرى، ضد إجراءات وخطوات تحقيق مشروع التسوية السياسية الأمريكي الروسي، لتناقضه مع مصالح تركيا الراهنة والمستقبلية[1]؛ ورغم ما حققه من نجاحات في صناعة أوراق قوة تفاوضية وموازين قوى عسكرية بأثمان غالية، دفع قسما كبيرا منها السوريون وسيادة بلدهم، ما تزال واشنطن تتجاهل مصالح تركيا( وسوريا ) في الوصول إلى حل سياسي شامل، يُزيل أخطر آثار الخيار العسكري، سلطات الأمر الواقع الميليشياوية، وينصف ملايين المهجرين؛ وتصر على التمسك بحصتها التي تحكمها قسد وتُديرها واجهتها السياسية مسد، وتعمل على تأهيلها تحت ذريعة الضرورة لمكافحة داعش!. على الطرف الآخر، رغم أهمية المساعدات اللوجستية التي قدمتها أنظمة روسيا وسوريا لقسد قبل وبعد 2015 في إطار الخيار العسكري، فقد فشلت محاولاتهم اللاحقة لسحب البساط الأمريكي من تحت أقدام قادتها وتفكيك حلقات شبكة علاقتهما، وإعادتها إلى حضن الوطن، بعد انتهاء مهمتها، وباتت عقبة كبيرة أمام الوصول إلى تسوية سياسية شاملة، مستقوية بالحماية الأمريكية، وبدماء السوريين الذين قاتلوا داعش، وبمظلة حقوق الكرد القومية المشروعة، ويافطات الديمقراطية!.
  2. في مسألة التوقيت، والأهداف التي تسعى القوى المشاركة في المفاوضات السورية التركية لتحقيقها، وهل ستفتح أبواب تسويات شاملة ودائمة، أم تبقى في إطار التكتيك المرحلي!.

إلى أية درجة تمثل الهواجس الأمنية المرتبطة بمصير سلطات الامر الواقع أولوية على مسألة اللاجئين، وهل يمكن فصلهما في خطط وسياسات النظام التركي؟في العلاقة ما بين التكتيكي والاستراتيجي في سياسات النظام التركي، يمكن القول إذا يصعب عمليا الوصول إلى تفاهمات وصفقات سياسية ترتبط بقضايا اللاجئين وترتيبات لأمن الحدود، تؤدي إلى عودة الاستقرار والأمن إلى الحدود التركية والسورية وتبدد المخاوف التركية ولا تكون على حساب المعارضة السورية، كما تشترط تركيا، دون الخوض بالتفصيل، والوصول إلى تفاهمات صفقة سياسية شاملة، حول مصير سلطات الأمر الواقع، والبحث في قضايا ترتبط بسلوك النظام السياسي، وبمستقبل سوريا الجيوسياسي.

دون أن نتجاهل عوامل التوقيت والدوافع الراهنة، من الموضوعية الاعتراف أن تركيا، بفعل عوامل الجغرافيا والتاريخ، كانت الطرف المتضرر الثاني، بعد السوريين ومقومات الدولة السورية، من خيار الحرب، وقد تركت آثاراً خطيرة، تتجسد حاليا بوجود ملايين المهجرين، وما تشكله أكبر سلطات الأمر الواقع من أخطار على أمنها القومي، (وأسباب تفشيل الدولة السورية)، ومن مصلحتها وواجب نظامها، (في ظل استمرار استعصاء توفر شروط قيام حل سياسي، خارج عن إرادتها ) استثمار التوقيت المناسب لتصحيح ما فعله خيار الحرب؛ وهي في هذا السلوك تتقاطع مع مصالح ملايين المهجرين الذين ينتظرون بفارغ الصبر فرصة عودة آمنة، ومع مصالح جميع السوريين في تفكيك سلطات الأمر الواقع، والحفاظ على وحدة سوريا الجيوسياسية!.

ثمة قراءتان للمشهد:

يعتقد ستيفن هايدمان الأستاذ الأمريكي الشهير في دراسات الشرق الأوسط والخبير في قضايا الصراع على سوريا، أن السياسات التركية الراهنة تجاه سوريا تأتي في سياق تحقيق أهداف تكتيكية، ترتبط بتغيير الظروف الأمنية في شمال سوريا أكثر ما لها علاقة بالأزمة السياسية.

يركز هايدمان في قراءته للحدث، كما وردت أقواله في برنامج ما وراء الخبر، على قناة’ الجزيرة القطرية، على هواجس نظام الرئيس أردوغان الداخلية، ويعتقد ان السلوك التركي الجديد هو نتيجة للتحديات الداخلية التي يواجهها الرئيس أردوغان، خاصة على الصعيد الاقتصادي، إذ يمر
الاقتصاد التركي بصعوبات بالغة، وشعبية الرئيس في انخفاض.

يتابع موضحاً وجهة نظره (الأمريكية):

نعلم أن معارضو أردوغان أكدوا على موضوع اللاجئين، وضرورة عدم بقاء اللاجئين في تركيا.

بخصوص رؤيته لدوافع الرئيس الروسي، أشار الخبير الاستراتيجي الأمريكي لما يعتقده أن روسيا تستغل الأزمة للدفع بمسار تطبيع العلاقات، التي لم تحقق النتائج المرجوة، ويعتقد أنها مسألة أزمة محلية، خلقت فرصاً لروسيا، وعليه علينا أن ننتظر ما اذا كانت ستتحول إلى عملية دبلوماسية مفيدة!.

في نفس الإطار، يعتقد الأستاذ هايد مان بوجود مبالغة في هواجس الأتراك الأمنية، مؤكدا عدم حصول زيادة كبيرة في الحوادث على الحدود من جانب قوات سوريا الديمقراطية، لأن الولايات المتحدة تعاونت مع شركائها في قوات سوريا الديمقراطية في كل المناطق لتخفيف مخاوف تركيا.

من جهة ثانية، وفي رؤية مختلفة، يرى العميد السوري المعارض، أحمد رحال، الخبير في الشؤون السياسية والعسكرية السورية، أن ما تقوم به تركيا يأتي ضمن خارطة طريق رسمتها أنقرة، ولم تعلنها، لكن خطوطها واضحة؛ وقد أوضح العميد رحال أبرز محطات تطور العلاقات بين النظامين”، فلقاء القمة، يجب أن يعبر في ثلاث مراحل: أمني، يحصل طوال سنوات، عسكري بين وزارات الدفاع، ثم سياسي، بين وزراء خارجية البلدين لوضع جدول أعمال القمة، لتأتي لاحقاً!. ثم يُضيف، شارحاً أهداف الدبلوماسية التركية، كما طرحها الناطق بلسان الرئاسة،
إبراهيم غالن، الذي، وفقاً لرحال وضع خمسة شروط، تشكل عمليا حزمة مترابطة لأهداف تركيا، رغم ما قد يحدث تجاوز لبعضها أو انتظار، لكن قائمة الأهداف التركية واضحة، واللقاء بين الرئيسين ليس مجانياً:

  1. لن يكون على حساب المعارضة السورية.
  2. أية مصالحة يجب أن تبدد المخاوف التركية.
  3. تؤمن انطلاق المسار السياسي والوصول إلى نتائج إيجابية.
  4. تشترط أنقرة عودة الاستقرار والأمن إلى الحدود التركية والسورية.
  5. يضمن النظام أمن العائدين لمناطق سيطرة الحكومة.

ثالثاً: كيف نفهم سياسات الأطراف في ضوء عوامل السياق التاريخي؟

  • في جوهر سياسات واشنطن، من أجل أن تضمن الولايات المتحدة كامل سيطرتها على المنطقة التي اقتطعتها بتوافقات شراكة استراتيجية مع قسد، والتي تشكل قلب سوريا الاقتصادي وأكثر عوامل تهديد لوحدتها الجيوسياسية (وبالتالي اليد العليا في تحديد مآلات التسوية السياسية ومستقبل سوريا)، تسعى السياسات الأمريكية لفرض رؤيتها لخطة تسوية سياسية شاملة[2]، تقوم على مبدأ قيام تهدئة مستدامة بين جميع سلطات الأمر الواقع، وخارطة طريق تأهيل متزامن، يحافظ على الحصص ومناطق النفوذ التي صنعتها حروب تقاسم الحصص بين 2015-2020؛ وتأمل أن تصل مفاوضات اللجنة الدستورية الي توافقات تشكيل حكومة وحدة وطنية، تشكل أداة عبور للمرحلة الجديدة، وعلى حساب روح القرار 2254، على الأقل كما فهمته بعض قوى المعارضة، هيئة حكم انتقالية مستقلة ومفوضة!.
  • تتعارض خطط السيطرة الأمريكية ومشروع تسويتها السياسية مع مصالح أنظمة روسيا وسوريا، اللتين تسعيان لفرض سيطرتهما على كامل الجغرافيا السورية، مع إمكانية ضمان مصالح الولايات المتحدة وتركيا في إطار تسوية سياسية شاملة.
  • تتعارض خطط السيطرة الأمريكية ومشروع تسويتها السياسية مع سياسات تركيا أيضا، التي ترفض خاصة قيام كانتون سلطة أمر واقع بقيادة قسد، ومرشدها الأعلى في جبال قنديل؛ وقد عجزت عن إقناع واشنطن بضرورة التخلي عنه مقابل قيامها بضمان مصالحها، كما وعجزت عن فرض حدود منطقتها الآمنة، وتجد صعوبة علاوة على ذلك في التوفيق بين مواقف ومصالح الفصائل المرتبطة بها!.
  • لا تتعارض خطط التسوية السياسية الأمريكية مع مصالح النظام الايراني، الذي نال حصة الأسد من سوريا المفيدة ويقيم علاقات خاصة مع قسد، وهو ما ينطبق على موقف إسرائيل، التي تتحقق مصالحها في استثمار وتعزيز عوامل تفشيل سوريا، التي يوفرها منع قيام حل سياسي شامل، ولا يُضعف موضوعية هذا الاستنتاج التصارع المحتدم على مواقع السيطرة والتحكم!.

ثالثاً: في تقييم الحدث، والخيارات الممكنة، في حال فشل التكتيك التركي الروسي

في ضوء تطور العلاقات، وما يُفرزه من محاور يدخل الصراع على سوريا في مرحلة جديدة، يضع السوريين وقضيتهم أمام أخطار أكبر، وفرص ممكنة.

كيف نقيم الحدث؟

إذا صحت قراءتي للحدث، أعتقد، في ضوء إدراك حقائق الصراع ومصالح قواه الراهنة والاستراتيجية، ان الهدف المشترك الذي يوحد جهود أعداء الأمس القريب، أنظمة روسيا وتركيا وسوريا، هو تشكيل ورقة ضغط قوية، على أمل أن تُجبر الولايات المتحدة على الدخول في مفاوضات صفقة سياسية، تُتيح لتركيا مبادلة ورقة الجيش الوطني/الهيئة بورقة قسد الأمريكية، في سياق تسوية سياسية شاملة، تشمل دعما تركيا، وانخراطها في جهود إقليمية لإعادة تأهيل النظام السوري في إطار تفاهمات لتحقيق شروط تركيا، خاصة المرتبطة بتوفير ظروف مناسبة لعودة تدريجية وآمنة للاجئين ؛ قد يكون أفضل إخراج لها الوصول إلى تسوية جديدة حول اتفاق أضنة 1998؛ الذي تجدد الحديث عنه في مطلع عام 2019 خلال لقاء بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي، فلاديمير بوتين.

في ضوء هذه القراءة، يُعتقد أن نجاح جهود المحور الجديد – التركي والروسي والسوري – في فرض إعادة قسد إلى حضن النظام السوري، في سياق صفقة مع واشنطن، تضمن لها مصالحها في سوريا، والإقليم، التي كانت ستضمنها حصتها الراهنة ووكيلها القسدي، يفتح الباب لحصول تسوية سياسية شاملة، على حساب سلطات الأمر الواقع المرتبطة بالولايات المتحدة وتركيا (ميليشيات قسد والجيش الوطني، وهيئة الجولاني) قد تُعيد شبكة علاقات الشراكة الإقليمية والدولية إلى ما كانت عليه قبل 2011، بضمانة النظام السوري!.[3] وما هي المآلات؟

  • نجاح جهود موسكو وأنقرة في دفع الصراع السياسي على مسار تسوية سياسية شاملة، تضع تفاهمات نهائية حول مصير سلطات الأمر الواقع الجديدة، في سياق إعادة تأهيل سلطة النظام السوري، وعبر الوصول إلى صفقة سياسية تضمن مصالح الجميع، وفي مقدمتهم الأمريكي.
  • ب‌-  في حال فشل أهدافه التكتيكة، قد يحتاج الرئيس التركي لمرحلة كمون، تحضيراً وترقباً لنتائج الانتخابات الرئاسية والبرلمانية القادمة؛ يسخنها ببعض التصريحات والمواقف المتشنجة، تحفظ بعض ما تبقى من ماء وجه المعارضات السورية، وتعطي تطمينات داخلية بخصوص ملف المهجرين، ويركز جهود حزبه وحكومته على إضعاف أسباب رهان أحزاب المعارضة على تراجع مؤشرات الاقتصاد، ولا سيما نسب البطالة والتضخم والأسعار، والتشكيك بصدقية سرديتها بأن الحكومة غير قادرة على حل مشاكل المواطن الاقتصادية، وأنها هي المسؤولة عن التدهور الحادث حيث تحكم البلاد منذ 20 سنة، وما يُتيح لها ذلك من تقديم نفسها كبديل قادر على مواجهة المعضلة الاقتصادية.
    الفشل قد يدفع تركيا للعودة إلى الانخراط في مشروع التسوية السياسية الأمريكي – التأهيل المتزامن لسلطات الأمر الواقع – وذلك بغض النظر عن طبيعة نظامها السياسي، والبحث عن وسائل تعزيز أوراق قوتها السورية مما تقدمه الولايات المتحدة من تنازلات لصالح مشروع المنطقة الآمنة التركية ؛ في سياق متناقض مع مصالح السوريين المشتركة.
  • ت‌-  فشل الجهود الحالية يعتمد بالدرجة الأولى على طبيعة رد فعل واشنطن على تفاهمات محتملة حول مصير سلطة قسد؟ بمعنى، ماذا ستفعل الولايات المتحدة إذا حدث وتفاهمت دمشق وأنقرة وموسكو على أن تتولى دمشق قضايا السيطرة والأمن في شرق الفرات، وكيف ستكون ردود أفعال إيران التي تملك تواجداً ميدانياً مختلف الأشكال؟ هل تتابع الولايات المتحدة إجراءات تأهيل قسد على الصعيدين الكردي والسوري، التي جُمدت في ظروف التطورات الأخيرة؟ في نفس الإطار، في حال توصل المتحاورون الروس والأتراك والسوريون إلى اتفاقات شاملة، سياسية وأمنية، تضمن مصالح الجميع، فهل يستطيعون في ظل موازين القوى القائمة تحقيقها، خاصة إذا علمنا بتعارض نهجها وأهدافها مع مصالحهم الولايات المتحدة والنظام الإيراني.
  • ث‌-  ما هي خيارات النظام وروسيا البديلة؟. الانخراط في مسار التسوية السياسية الأمريكية، وتوفير أفضل شروط إعادة تأهيل النظام، والتعايش مع واقعية سلطات الأمر الواقع!.

استثمار روسيا والنظام السوري السياسي والإعلامي بمنعكسات الروح الإيجابية في العلاقات مع النظام التركي، في مسألة المعابر، وآليات دخول المساعدات الدولية وفتح أبواب تطبيع إقليمية ودولية.

رابعاً: السوريون، والخيارات الصعبة

في ضوء رؤيتنا لحقائق مصالح وسياسات القوى المتورطة في الصراع على سوريا، التي نتج عن جهودها، (سواء التي دفعت خلال 2011/2002 باتجاه حسم الصراع السياسي لصالحها بأدوات ومسار الخيار العسكري/الطائفي، او التي واجهتها بنفس الأدوات ونهج التنافس على السيطرة والنفوذ الإقليمي، وشكلت معا في السياق والصيرورة، قوى الثورة المضادة للتغيير الديمقراطي، بأذرعها الميليشياوية، وأنظمتها الإقليمية والدولية) هزيمة أهداف وقوى خيارات الحل والانتقال السياسي، وتقاسم سوريا إلى حصص ومناطق نفوذ، وفي ظل غياب عامل ذاتي سوري، قادر على قيادة رأي عام سوري، وطني وديمقراطي، فعال يواجه السوريون خيارات قاسية:

  1. الخيار المستحيل؛ خيار الحل السياسي، الذي دعت إليه بعض بنود مسار جنيف، والقرار 2254، بين 2012-2015 ( ولم تُضمن آليات فعالة لتنفيذه!)، ووضعت خارطة طريقه خطة السلام العربية/التركية الثانية (التي أسقطها تنسيق روسي أمريكي في مجلس الأمن بتاريخ 4 شباط 2012)، وتتمحور حول الوصول الى تفاهمات بين قوى السلطة والقوى التي تمثل مصالح الشعب لتشكيل هيئة حكم انتقالية مستقلة ومُفَوضة، تضع سوريا على خارطة طريق انتقال سياسي وتحول ديمقراطي.

الاستحالة تكمن في ثلاثة عوامل رئيسه، على الأقل:

  • ما صنعه الخيار العسكري الطائفي، وصراع قواه على تقسم الحصص من وقائع جديدة خلال المرحلة الأولى بين 2012-2014، والمرحلة الثانية، 2015-2020، من تفشيل في مقومات الدولة على جميع الصعد والمستويات، وتبلور سلطات أمر واقع ميليشياوية، تمثل مصالح، وترفع رايات قوى احتلال، وباتت مصالح قياداتها وطوابيرها تتعارض مع نتائج قيام حل سياسي وطني شامل، لأنه سيكون على حساب سلطتها ويفكك آليات نهبها.
  • عدم وجود مصلحة لأي من القوى الخارجية المتورطة، كما دلل سلوكها خلال سنوات الصراع الماضية. فليس للولايات المتحدة وروسيا، بشكل خاص، مصلحة راهنة أو تاريخية في قيام حل سياسي وطني، يضع السوريين على خارطة طريق تحول ديمقراطي، يُعيد لملمة أشلاء الدولة، جغرافيا وبشريا واقتصاديا، ويضع جميع الإمكانيات الوطنية في خدمة بناء مقوٍمات دولة حديثة؛ وهو العامل الرئيسي الذي يفسر ذهاب الصراع السياسي في العام 2011 على مسارات الحروب الطائفية، لقطع مسارات الحل السياسي والتحول الديمقراطي، التي كانت ممكنة بفعل ميل موازين قوى الصراع لصالح التمرد السوري الواسع.
  • العامل الثالث، يرتبط بالعامل الذاتي، الوطني الديمقراطي السوري، الذي يشكل وجوده دورا حاسما لانتصار قضية السوريين المركزية- الانتقال السياسي.

ما لحق بالمعارضات السورية من تهميش، في سياق جهد متكامل لقوى الثورة المضادة الخارجية وأذرعها السورية، أفقدها مصداقية تمثيل مصالح السوريين المشتركة، وحرمها من إمكانات قيادة السوريين، وتحويلهم إلى عامل وطني ديمقراطي، يصعب تجاوزه على لوحة الصراع، وتحديد مآلاته!. يؤكد موضوعية هذا الاستنتاج مواقف المعارضات المُعلنة، التي تتقاطع مع مواقف قيادات سلطات الأمر الواقع الجديدة في معارضة مسار تركيا الجديد!.

  • الخيار الممكن، وصول روسيا وتركيا والولايات المتحدة لصفقة تسوية سياسية على حساب سلطات الأمر الواقع الجديدة، وفي سياق إعادة تأهيل سلطة النظام، وبما يضمن مصالح الجميع!.
  • الخيار الأسوأ، رضوخ الجميع لإرادة واشنطن، والذهاب في مسار اعتراف متبادل، وتأهيل متزامن لسلطات الأمر الواقع، بما يعزز عوامل تفشيل سوريا، وذهاب أحوال السوريين، في جميع أماكن إقاماتهم الحالية، من سيء إلى أسوأ، على جميع الصعد والمستويات!.

من المؤسف الاستنتاج أن الخيار الأكثر احتمالا هو الأسوأ!. ليس فقط لامتلاك الولايات المتحدة اليد العليا في تحديد مآلات التسوية التي تحقق مصالحها الخاصة بالدرجة الأولى، ليس فقط لأنها تتقاطع مع مصالح سلطات الأمر الواقع الميليشياوية، وليس فقط لحالة الضعف التي يعاني منها أنظمة روسيا وسوريا، وعجزها عن مواجهة الخيار الأمريكي، بل أيضا بسبب ما يبدو من انحياز جميع المعارضات المعومة، بطريقة أو بأخرى، لصالح التسوية السياسية الأمريكية، وما تملكه من وسائل لفبركة رأي عام منفصل عن حقائق الصراع، خاصة في مناطق سيطرة سلطات الأمر الواقع الجديدة!.

السلام والعدالة لجميع السوريين، في إطار دولة ديمقراطية واحدة.


[1]– في كونه لا يؤسس لقيام حالة استقرار سياسي دائم، لا يأخذ بعين الاعتبار مصالح ملايين المهجرين داخل تركيا، ولا قوى المعارضة المتحالفة معه، ولا مخاوف تركيا التاريخية تجاه مشروع حزب العمال الكردستاني التركي، ووكيله القسدي.

في قراءة عامة لسياسات تركيا تجاه الصراع المستمر منذ ربيع 2011، يمكن الاعتقاد أن الظرف الأفضل لتحقيق مصالح تركيا العليا، بما يتقاطع مع مصالح غالبية السوريين المتضررين من خيار الحرب ونتائجه، يتوفر في سياق صيرورة حل سياسي شامل، تتضمن في إحدى مراحلها خروج قوات جميع خصوم تركيا ومنافسيها على السيطرة السورية – الروسي والإيراني، والأمريكي، وتوفير ظروف بناء حالة استقرار سياسي دائم، بالتزامن مع تفكيك سلطات الأمر الواقع، وقيام نظام مركزي، (بعض النظر عن طبيعة سلطته) قادر على خلق توازن بين مصالح دول الإقليم ومصالح جميع السوريين، وإعطاء المصالح المشتركة مع تركيا ما تستحقه من أولوية، بالمقارنة مع مصالح المشاريع المنافسة.

هو المسار الوحيد الذي يدفع النظام التركي للتخلي عن أوراق قوته السورية، التي راكمها منذ 2015، والتي يحاول شرعنة وجودها عبر مفاوضات صفقة سياسية، ولا يتعارض مع مصالح جميع السوريين، في النظام وخارجه!.

هذا يفسر ما يحدث في العمق من ترابط بين أسباب مأزق السياسات التركية مع أسباب المأزق السياسي السوري، ويتجسد في إصرار الولايات المتحدة على رفض مسار الحل السياسي الوطني، لما يترتب عليه من نتائج قد تقوض ما راكمته من نجاحات في الاستثمار في خيار الحرب وأدواته ونتائجه- تفشيل سورية واحتلال قلب سورية الاقتصادي وأكثر المواقع الجيوسياسية في الجغرافيا السورية اهمية، وسيطرتها على نقطة تقاطع الحدود التركية والسورية والعراقية، وتحكمها بالورقة الكوردية، وكريدور إيران إلى سوريا ولبنان!.

كل تلك العوامل، خاصة بمصالحها الاستراتيجية الأمريكية، تفسر عدم قيام حل سياسي خلال 2011، وتضاؤل فرص قيامه بعد ذلك. من المخيب للآمال ملاحظة عدم وجود فرصة حقيقية لقيام حل سياسي اليوم او في المدى المنظور، خارج أوهام المعارضات، ومزاودات البيانات السياسية، التي تجتر عبارات التمسك بالحل السياسي، وسيادة سورية؟

فالحل السياسي المزعوم وفقاً لـ 2254 (الذي مازال طيف واسع من السوريين يعتقد أنه يمكن أن يحقق خطوة انتقال سياسي)، لا يملك الحد الأدنى من آليات التنفيذ، وقد حصل هذا عن سابق وعي وتخطيط!. لقد حرصت روسيا والولايات المتحدة، (اللتين ليس فقط لم تقدماً الدعم الكافي لانتصار جهود حل سياسي كان ممكنا خلال 2011/2012 – وكان كفيلاً، لو توافقت مصالح الدولتين مع نتائج تحقيقه، بأن يجنب سورية والسوريين آلام الخيار العسكري، في مرحلتيه الرئيسيتين(2011-2014)، (2015-2020)، بل نسقتا معاً إسقاط خطة للسلام العربية أمام مجلس الأمن في 4 شباط 2012 على عدم تضمينه آليات تنفيذ فعالة، عندما اشترطت مواده موافقة الحكومة والمعارضة على اتفاقات محتملة، وعندما اقتصر دور الأمم المتحدة ومجلسها في سياق جنيف على دور (ميسر، وسيط، حيادي )!.

إضافة إلى ذلك، عملت الولايات المتحدة وروسيا، وشركاؤهما الإقليميين، على جهود تفشيل قيام جسم سياسي وطني ديمقراطي معارض، يشكل مركز ثقل في موازين القوى، قد يفرض، في قدرته على تشكيل وقيادة رأي عام سوري فعال، قيام حل سياسي، يُلبي مصالح السوريين المشتركة.

[2]– قدم مركز بحوث RND الأمريكي، (تُعرف نفسها كـ مؤسسة غير ربحية وحيادية وملتزمة بالصالح العام، وجعل المجتمعات في جميع أنحاء العالم أكثر أماناً، وتضع ما تصل اليه من بحوث واستنتاجات على طاولة صناع القرار في واشنطن) في 2015 دراسة في جزأين حول طبيعة الحل السياسي الذي يخدم مصالح الولايات المتحدة، رغم تناقضه الجوهري مع مسار جنيف، لما يؤدي إليه في النتيجة من تثبيت لمواقع الحصص والنفوذ التي حصلت عليها الدول المتورطة في الخيار العسكري، وفي مقدمتها الولايات المتحدة!.

الفكرة الاساسية في مشروع سلام RAND التي تُنفذ بحذافيرها منذ 2015، عبر مسار آستنة، بشقيه السياسي والعسكري، جاءت في تحليل سياسي وعسكري شامل:

«يجب أن يكون الهدف الرئيسي للولايات المتحدة وشركائها التفاوض على وقف دائم للأعمال العدائية مع دعم الحوار الطويل الأمد حتما بين الفصائل السورية فيما يتعلق بالشكل المستقبلي للدولة السورية. (ترى أن مستقبل سوريا يُبنى على أساس وجود الفصائل السورية، وفي إطار علاقات تفاهم بين قياداتها!.).

ولأن هدف إعادة توحيد سوريا في ظل قيادة وطنية متفق عليها ومع مجموعة واحدة من الهياكل الأمنية، هو أمر بعيد، (بمعنى قيام حل سياسي قضية مؤجلة، إلى أجل غير معروف!. لأنه ليس في خطط وسياسات واشنطن، ولا يتوافق مع مصالحها!.) يجب النظر في كيفية توفير الحكم الأساسي للمناطق التي تسيطر عليها المعارضة في الفترة الانتقالية (وهل ستبقى انتقالية!.)» (قيام كانتونات، تحت سلطات أمر واقع!.).

https://doi.org/10.7249/PE202

سياسات خفض التصعيد في سياق مسار آستنة، (بدءاً من مذكرة 4 أيار 2017 – إعلان إقامة مناطق خفض التوتر، في الغوطة الشرقية، وبعض أجزاء شمال محافظة حمص، وفي محافظة إدلب، وبعض أجزاء المحافظات المتاخمة لها، اللاذقية، وحماة، وحلب، وبعض أجزاء جنوب سوريا – ومروراً ببيان الجولة السادسة ١٤-١٥ أيلول حول آليات عملها – وقد شكل مسارها في إحدى جوانبه تكتيكاً روسيا/أمريكيا للاستفراد بفصائل المعارضة المسلحة، وإعادة توزيعها على مناطق محددة، ستشكل لاحقاً سلطات الأمر الواقع في الجنوب وإدلب، وشمال غرب سوريا) لا تخرج عن سياق خطط التسوية السياسية الأمريكية، وقد تكاملت بعد توقيع الاتفاق التركي الروسي في آذار 2020، وخلال 2021-2022، مع إجراءات تأهيل سلطات الأمر الواقع، لتوفير شروط صفقة سياسية شاملة!.

يبدو جلياً أنه بموازاة مسار جنيف الخلبي (الذي لم تضمنه الولايات المتحدة، التي صاغت القرار 2254 بالتنسيق مع روسيا وقدمته للتصويت في مجلس الأمن آليات تنفيذ أممية فعالة، ويعطي النظام جميع آليات التعطيل، عندما أكد على شرط موافقة الحكومة المسبق على اية توافقات مع المعارضة، تتوصل إليها المفاوضات، التي تملك فيها الحكومة اليد العليا، طالما يقتصر دور الأمم المتحدة على وسيط وليس داعم لمواقف المعارضة!.) انطلقت في نفس التاريخ بقيادة مشتركة أمريكية/روسية فاعليات مسار مواز، حقيقي – مسار آستنة – واتخذت طريقين، سياسي وعسكري، وأجبرت تركيا (بعد تعرضها خلال 2016 لضغوط أمريكية روسية، كادت تسقط نظام الحكم) على الانضمام اليه، اعادا رسم الخارطة السياسية والعسكرية لسوريا الجديدة، خلال 2015-2020، أو أديا إلى قيام سلطات الأمر الواقع على حساب وحدة سوريا الجيوسياسية، وعلى حساب روح مسار جنيف، الذي أكد على أن هدف المفاوضات هو تشكيل هيئة حكم انتقالية، مستقلة، ومفوضة!.

ما حصل من تقسيم واقعي، عسكري، رسمته موازين قوى الحرب بين 2015-2020، وكانت قد اعترفت لأول مرة وبشكل رسمي بحقائقه الواقعية عمليا وسياسيا الأطراف المتحاربة في الاتفاق الروسي – التركي، خلال قمة الرئيسين اردوغان وبوتين التاريخية، برعاية وضغوط أمريكية، في 5 آذار 2020، وأكدت عليه التفاهمات السياسية اللاحقة خلال 2021، وبرزت في سياقه سلطات قوى أمر واقع، تتشارك السلطة على كامل مساحة الجسد السوري، التي كان يمارسها النظام السوري حصرياً، بكامل الشرعية الإقليمية والدولية!.

[3]– وربما، توافق الجميع ضمنا على تأجيل ملف الهيئة، التي تشكل شراكة مساهمة مفتوحة للجميع، إلى وقت آخر، تكون قد تكشفت فيه النوايا الحقيقية!. لكن رد فعل الجولاني يؤكد خشية من أن يكون تسريع تركيا لملف الحل على حسابه.

اعتبر قائد هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولاني أن التطبيع التركي مع النظام السوري يعد انحرافاً خطيراً يمس أهداف الثورة السورية.

وقال في خطاب مرئي بثته مؤسسة أمجاد الإعلامية التابعة لـ هيئة تحرير الشام إن الثورة السورية تواجه تحدياً جديداً في نضالها المستمر بوجه النظام وحلفائه، وإن المباحثات التي تجري بين النظام وحليفه الروسي مع الجانب التركي، تعد انحرافاً خطيراً يمس أهداف الثورة السورية.

وأضاف ندعو كل مخلص غيور أن يبذل الجهد ويضع يده بأيدينا ويصطف إلى جانبنا في مواجهة هذه التحديات، ومواصلة العهد حتى إسقاط النظام.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني