fbpx

أهم الأسباب (الداخلية والخارجية) لتعثّر الثورة السورية

0 516

لا يسعنا في الذكرى الحادية عشرة للثورة السورية المباركة إلا الوقوف عند النجاحات والعثرات، كوقفة مع الذات لابد منها لاستيعاب الدروس وتشخيص الأخطاء، ومعرفة العلاج المناسب لإيصال الثورة السورية إلى مبتغاها التي لم يبخل عليها أحد بالغالي والنفيس.

وهنا لابد أن أشير إلى سبب هام لانطلاقتها وهو ما يميزها عن الثورات التي سبقتها، وكإحدى ثورات الربيع العربي تشاركت مع تونس ومصر في الشرارة التي أوقدت هذا الكم الهائل من الغضب العربي، الذي ظنه القاصي والداني أنه قد استكان لعهود طويلة من حكم الاستبداد والفساد.

ثورة الكرامة الإنسانية

لم تبال أنظمة الاستبداد العربية بحرمة الجسد العربي وكرامة الإنسان العربي، فاستمرأت الاعتداء عليهما، فكان التعدي على حرمة الجسد العربي أمراً عادياً في ممارسات السلطات القمعية، ولا أريد الغوص بأمر نعرفه جميعاً من المستويات التي تمارس الاعتداء بدءاً من أقسام الشرطة العادية وصولاً إلى التعذيب بالكهرباء وقلع الأظافر التي تمارسها سجون أجهزة الاستخبارات (وتبوأ النظام السوري الريادة بهذا المجال).

أما الاعتداء على الكرامة الإنسانية فيبدأ من الإرغام على التصفيق والهتاف للقائد الرمز والإشادة بأجواء الاستفتاءات الرئاسية (الديمقراطية) وصولاً إلى ممارسة الاعتداء المعنوي بأقسى العبارات والألفاظ النابية التي تطال الإنسان العربي إذا ما ساقته الأقدار إلى سجون الأنظمة القمعية.

كان اعتداء الشرطية التونسية وصفعها للبوعزيزي لمخالفة عربة الخضار التي يملكها للقوانين والأنظمة، معنوياً أكثر منه جسدياً، أدى به إلى إحراق نفسه كتعبير عن صرخة غضب مدوية شقت طريقها لإيقاظ الشباب العربي المتحفز لكسر القيود والأغلال التي كبلوه بها، فكانت طلقة البداية للربيع العربي، الذي إن تعثر في بعض مراحله الأولى، إلا أن بذرة الحرية والكرامة الإنسانية قد زرعت في التربة العربية ولابد من شتاء قاس يرويها بأمطاره لتعود وتزهر ثانية في ربيع أقوى وأشمل.

ولكن لا ولادة دون مخاض عسير، نظراً لتكالب كل القوى المحلية والدولية على إجهاض الوليد القادم.

أيضاً شكل موت الشاب المصري خالد سعيد تحت التعذيب في أقبية السجون المصرية حافزاً قوياً لدى الشباب المصري للتجمع والتظاهر في يناير 2011، وفي عيد الشرطة، بالذات لتحدي السلطة القمعية وكانت انطلاقة الثورة المصرية من ميدان التحرير، لقد كسرت آهات خالد سعيد وهو يموت تحت سياط جلاديه كل قيود الخوف واستنهضت همم الشباب في سابقة لم تشهدها أم الدنيا سابقاً وكان لها أكبر الأثر في تحفيز الشباب العربي على كسر القيود.

أما في سورية فقد تجلى الاعتداء على الكرامة الإنسانية بأوضح صوره، إذ لم يقبل وجهاء درعا الإهانات التي وجهها لهم ضابط أرعن في محاولة لإذلالهم عندما طالبوا بالإفراج عن الأطفال الذين كتبوا على الجدران إجاك الدور يا دكتور، وكأن كتابتهم تلك قد كتبت فصلاً جديداً من تاريخ سورية الحديث، بانطلاق ثورة حرية وكرامة، لا نبالغ إذا قلنا إنها من أعظم الثورات التي شهدها التاريخ، في تحد من العين للمخرز.

أسباب تعثر الثورة السورية

1- لم يقيد النظام السوري نفسه بأية قيود على كمية العنف التي عزم على استعمالها، فيمكننا اعتبار أن الثورة السورية قدمت الشهداء منذ اليوم الأول لانطلاقتها في 18 آذار من أمام المسجد العمري بدرعا، حيث تم التصويب على الرأس بالرصاص الحي وسقط الشهيدان جوابرة وعياش.

كان الخيار الأمني أولاً والعسكري لاحقاً هو الخيار الوحيد الذي اختاره النظام لمواجهة موجة الاحتجاجات العارمة التي انطلقت من درعا إلى القامشلي.

2- لم يضع المجتمع الدولي أية قيود على النظام السوري نظراً إلى القوة وكمية العنف التي استخدمها، ويمكن اعتبار الثورة السورية هي الثورة الوحيدة في التاريخ التي لم تمر بمرحلة الهراوات والرصاص المطاطي والغازات المسيلة للدموع، بل وصل الأمر بالنظام إلى إلقاء البراميل المتفجرة على الأحياء والبلدات المنتفضة، واستخدم الأسلحة الكيميائية مراراً وتكراراً.

وتم تجاوز الخطوط الحمراء للرئيس الامريكي أوباما قبل وبعد إعلان خطه الأحمر.

3- تعمد النظام إلى التركيز على اغتيال البعد المدني للثورة، وذلك بالتركيز على اغتيال أو اعتقال أو تهجير الناشطين المدنيين وكل أشكال الثورة المدنية التي ولدت مع الاحتجاجات، فكان الإعلامي والناشط المدني والمسعف هم الأعداء الأخطر عليه.

4- سعى مبكراً إلى عسكرة الثورة أولاً ثم محاولة تطييفها، ونجح بذلك إلى حد كبير، حيث أطلق السجناء من سجن صيدنايا واحتفظ بالناشطين المدنيين في مسرحيات مراسيم العفو المتتالية، وكان النظام على قناعة أن من أفرج عنهم من أصحاب الأيديولوجيا الجهادية سيتمكنون خلال شهر أو أكثر مز تشكيل فصائل جهادية مسلحة.

5- إقدام بعض داعمي الثورة السورية على تركيز الدعم على الفصائل الجهادية، ما أدى لتغولها على قوى الثورة العسكرية التي تمت تسميتها فصائل الجيش الحر.

وبالتالي إزاء حالة طغيان الرايات السوداء والخطاب الديني الطائفي، تراجعت الدول التي سميت بأصدقاء الشعب السوري (التي وصل عددها لأكثر من 100 دولة في مؤتمر مراكش)، وراجعت مواقفها المؤيدة للثورة السورية، إلى أن أصبحت لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة على مبدأ الشيطان الذي تعرفه أفضل من الشيطان الذي ستتعرف عليه.

6- لم تتمكن فصائل الجيش الحر من تشكيل قيادة عسكرية موحدة بالإضافة إلى عدم وجود قيادة سياسية تمثلها وتأتمر بأوامرها وتنفذ توجيهاتها.

7- التدخل العسكري الخارجي الحقيقي أتى لمصلحة النظام وليس لمصلحة الثورة، كما كانت تروج الآلة الإعلامية للنظام بأنها تتصدى لمؤامرة كونية.

فقد ألقى نظام الملالي في إيران بكل ثقله في المعركة إلى جانب قوات النظام عبر ميليشيات متعددة الجنسيات مسلحة وممولة ومنظمة بشكل جيد، ومع ذلك عندما كانت دمشق على وشك السقوط في منتصف عام 2015، بأيدي الثوار السوريين، تدخلت إلى جانب قوات النظام والميليشيات الحليفة له، قوات دولة عظمى في 30 أيلول 2015، مع الفيتو الذي وضعته أمريكا تحديداً على تزويد فصائل الجيش الحر بأي أسلحة نوعية منذ البداية، إضافة لسيطرتها الكاملة على مجريات العمل العسكري وذلك من خلال التحكم بغرفتي الموم والموك.

8- أدى الخطاب الديني والطائفي الذي مارسته داعش والنصرة وأخواتهما ليس إلى نفور المجتمع الدولي من تأييد الثورة السورية بل إلى خوف الأقليات والأغلبية المعتدلة من الأغلبية السنية إلى أخذ موقف من الثورة، وأدى إلى ما عرف لاحقاً بتحالف الأقليات (وفي أحسن الأحوال وقوفها على الحياد).

وفي النهاية، لم يكن اللجوء لحمل السلاح في مواجهة النظام الهمجي وحلفائه (خياراً بل ضرورة) لسحب الذرائع ممن يحلو له أن الخيار السلمي كان هو الأنسب نظراً لمآلات الأوضاع الآن والتي يتحمل النظام وداعميه المسؤولية الأولى والأخيرة عنها.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني