fbpx

وحدتنا الثورة وفرّقتنا المعارضة

0 193

في كل عام ومع مرور ذكرى انطلاقة ثورتنا المباركة تتجلى حقيقة هذا الشعب الحرّ الثائر، فنراه ينفض عنه تراكمات الإخفاقات والتجاذبات السياسية والفصائلية والصراعات الإقليمية والدولية، ليثبت الحقيقة الراسخة بأن الثورة هي مركز الثقل وهي محور العمل وتحقيق أهدفها غاية الامل.

إنما جعلت الأسماء للتعريف، ووضعت المفاهيم والمصطلحات للدلالة والتمييز والتمايز، وإن تسمية بعض الهيئات باسم قوى المعارضة وتسمية بعضها الآخر باسم قوى الثورة، وتسمية ما بعدهما بأسماء متعددة وهي ما بين المستقلين وبين التيار الثالث… إلخ يتضمن مفهوم التمييز داخل الصنف الواحد والتمايز بين الأصناف المتعدّدة، فلا قوى المعارضة واحدة ولا قوى الثورة واحدة باعتبار أن التسمية جاءت بصيغة الجمع، ومن هنا بدأت قصة الفرقة والتشرذم وما زالت.

قيل، لكلِّ امرئ من اسمه نصيب هذا بالنسبة للأشخاص، أما التسميات التي تعبّر عن جوهر كيانٍ ما منذ وجوده حتى زواله فهي ليست مجرد اسم وصفي وإنما هي اختصار لقيم ومبادئ وأهداف وآليات هذا الكيان وبالتالي فإن مفهوم قوى المعارضة له قواعده وضوابطه ومعانيه وكذلك الأمر بالنسبة لمفهوم الثورة، بوصفهما مصطلحان منضبطان ومحدّدان، كما يسري ذلك على مفهوم المستقلين ومفهوم التيار الثالث.

إن محاولات دمج أو توحيد أو جمع هذه المكونات لم ولن تنجح أبداً لأنها محاولة لجمع المتناقضات بل توحيد المتضادّات وهذا يتنافى مع المنطق العلمي والمنطق السياسي، وهي اشبه بعملية جمع الحلال والحرام والمشتبهات من الأمور، فلا يمكن أن ينتج شيء مُعتبر من حيث الشرعية لاختلاطهما الذي يفسدهما جميعاً، وكذلك هو أمر جمع المعارضة والثورة والمستقلين أو التيار الثالث حيث لا يمكن ان ينتج كيانا مُعتبرا من حيث البنية والمفهوم والاليات والاهداف لاختلاف بنية ومفهوم كل منها واختلاف أدواتها وتضادّ أهدافها، إذ لا يجتمع التغيير السلمي مع مفهوم الثورة باعتبارها انقلاب جذري ولا يمكن الجمع بين آليات التغيير السلمي وآليات الثورة فآليات التغيير غالباً ما تكون عبر الوسائل والطرق الدستورية والقانونية، بينما آليات الثورة هي دكّ أركان النظام ونسف آلياته باعتبار مشروعية الثورة هي بديل للشرعية الدستورية، وتيار ثالث مستقل لا يؤمن لا بالمعارضة ولا بالثورة ولا بأدواتهما ولا بألياتهما ولا أهدافهما، بالتالي لا يستقيم الأمر بأن يكون المعارض ثائراً ولا الثائر معارضاً ولا المستقل أو التياري الثالث ان يكون أياً منهم.

إننا وعلى مدى عشر سنوات ندفع ثمن محاولات تدجين هذه القوى من قبل المجتمع الدولي ودمجها مع بعضها رغم تنافرها وصراعها الفكري وتضادّ آلياتها وتوجهاتها وأهدافها، حيث أُشغلت الثورة وقواها عن مجابهة النظام فانقسمت وتشظّت وتوزعت فيما بين قوى المعارضة والتيار الثالث والمستقلين، وهو في الحقيقة مخطط مرسوم هو أقرب إلى تطبيق نظرية التركيز في علم الكيمياء، حيث يتم مزج أي وسط كيماوي بالماء للتخفيف من تركيزه “الحمضي أو القلوي” ما يحوّله إلى وسط آخر يختلف جذرياً عن أصله عبر إبطال خواصه، وهو ما نجح فيه المجتمع الدولي بأن عمل على نزع خصائص الثورة من خلال إلحاق كثير من الفصائل والفعاليات الثورية بركب المعارضة التي تقود عملية الحل السياسي القائم على استبعاد وتحريم الحل العسكري، ما يعني إلزام شريحة أساسية من قوى الثورة بحصرية الحل السياسي عبر التحكّم وضبط استخدام السلاح سواء للدفاع المشروع أو لإسقاط النظام، وهذه الخريطة ذات الطريق الواحد والبداية الواحدة والنهاية الواحدة لم ولن تترك لمن يسير عليها أي هامش للتحرّك خارجها.

في ذكرى الثورة تتجلى الروح الحقيقية للشعب وتؤكد للعالم اجمع بأن لا حل ولا استقرار للسلم والأمن الدوليين إلا باستقرار سورية وتمتع شعبها بالحرية والكرامة والحماية والسلم وهذا لا يتحقق بوجود الأسد ونظامه ولا بوجود قوى الغزو الروسي والإيراني ومرتزقتهما.

الناس تجمعها قيم الثورة ويفرّقها اختلاف تيارات ومرجعيات وأيديولوجيات المعارضة والتيارات الأخرى، لأن هؤلاء لما ثاروا لم يثوروا تحت راية حزب أو بدافع أيديولوجي محدد، وإنما ثاروا للمطالبة بحقوقهم الأساسية المسلوبة وهم في الغالبية العظمى إذا لم نقل جميعهم غير متحزّبين أو مؤدلجين سياسياً أو فكرياً، والدليل على ذلك قادة المظاهرات والغالبية العظمى من المتظاهرين كانوا من الشباب الذي لم يتأثر لا بالأحزاب ولا بالأيديولوجيات إلا بعد تغلغلها في صفوف الثورة بعد سنوات من عمر الثورة.

ساحات التظاهر في كل عام تثبت بالدليل القاطع أن العودة إلى قيم الثورة ومبادئها وتأجيل الأيديولوجيات والتحزّبات هو سبيل الخلاص وإسقاط الأسد ونظامه بأقل الخسائر وبأقصر وقت.

عود على بدء، الثورات لحظات مفصلية في تاريخ الشعوب تنفجِر عند بلوغ شعور الشعوب بفقدان الأمل والوصول لدرجة يتساوى فيها الموت والحياة، وهو جوهر الفكر الاستبدادي القمعي الإجرامي، لتركيع الشعوب ومعاقبة كل من يفكّر بالخروج من هذا الحال، فيكون قدر الأحرار اختيارهم الحياة فينتفضون على الاستبداد، ويثورون للقضاء عليه فتصحو الشعوب من سباتها، وتوقظ لديهم الأمل وحب الحرية وتدفعهم للدفاع عن كرامتهم.

إن اختيار الحياة يعني اختيار الأمل، واختيار الأمل يعني حتمية العمل، وحتمية العمل تؤدي إلى حتمية النصر، ومجرّد وجود الأمل في نفوس الشعوب التي ترزح تحت نير الأنظمة الاستبدادية الإجرامية يعني هزيمة الاستبداد، وقد كانت ثورتنا المباركة ثورة أمل ومنهاج عمل ومع أول مظاهرة سقط النظام لسقوط هيبته، وانهيار جدران الخوف، وخروج المارد من قمقمه الذي كسره كيلا يعود إليه حبيساً، فكان سقوط الهيبة وانهيار جدار الخوف والإصرار على الثورة هي عوامل النصر ومظاهر هزيمة وسقوط النظام لأن الخوف والقمع والعبودية هي مقومات استمرار الاستبداد، وكنا نحن السوريين الأحرار على مدى أحد عشر عاماً ندفع ثمن سقوط هذا النظام من خلال تحالف قوى الشر والاستبداد في العالم التي تداعت للدفاع عما بقي من أنقاضه، حيث رأيناهم وعلى مدى تلك السنين يُلملِمون ذيول الهزيمة ويرقِّعون هيبتهم التي مُرغت بالطين على يد الأحرار وإعادة زرع الرعب والخوف عبر طائراتهم وصواريخهم وسلاحهم الكيماوي.

الأسد ساقط حكماً وحقيقة، والقاعدة الفقهية تقول: الساقط لا يعود، وبالتالي لا يستقيم السير في أي مفاوضات تُعيد انتاجه أو تأهيله، أو الدخول مسارات تؤدي من حيث النتائج إلى ذلك، سواء كان السير خطوة بخطوة أو سباق تتابع أشو ماراثون، فكل ما عدا إسقاط النظامِ حرام.

مـا أصدق السيف! إن لم ينضه الكذب

وأكـذب السيف إن لم يصدق الغضب

بـيض الـصفائح أهـدى حين تحملها

أيـد إذا غـلبت يـعلو بـها الـغلب

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني