fbpx

أحمد البرهو عضو الهيئة السياسية لحزب أحرار لـ نينار برس: الليبرالية الاجتماعية توازنُ بين جموح الحرية الاقتصادية والتدخل السافر

0 216

الحديث عن الليبرالية الاجتماعية يحتاج بالضرورة إلى معرفة عميقة بالليبرالية كما وُلدت، ففي مراحل انطلاق القوى البرجوازية للحلول محل القوى الاقتصادية الاقطاعية ارتفع شعار (دعه يعمل دعه يمرّ). لكنّ الليبرالية بعد سيطرتها، جنحت نحو مزيد من السيطرة، دون أن تأخذ بعين الاعتبار التوازن الاجتماعي. وهذا ما دفع لولادة التيار الليبرالي الاجتماعي.

أحمد البرهو

نينار برس التقت الأستاذ أحمد برهو عضو الهيئة السياسية في حزب “أحرار” الحزب الليبرالي السوري ووضعت أمامه أسئلتها فكان هذا الحوار.

س1: أنتم ترون في الليبرالية الاجتماعية مناخاً سياسياً واقتصادياً ومجتمعياً. فما الفرق كمفهوم بين الليبرالية الاجتماعية والليبرالية عموماً؟ وهل يمكننا اعتبار الليبرالية الاجتماعية حلاً عاماً بدلاً من الاشتراكية؟

العدالة الاجتماعية أحد أهدافنا

يقول السيد أحمد برهو عضو الهيئة السياسية في الحزب الليبرالي السوري (أحرار): “ليس نادراً – لشيوع الأمثلة العديدة عليه – ارتباط النموذج الشرقي من الاشتراكيّة بالثقافة الماركسيّة، حيث بدا كما لو أنّه الحاضنة الثقافيّة المناسبة لنموذج الحاكم المستبد، الذي يرأس دولةً يُفترضُ أنّها جمهوريّة، لكنّه يدير تلك الدولة بنظام مافيوي يتجاوز على كل قانون وعلى كل عرف”.

مضيفاً: “لعلّ تجاوزات الأنظمة المستبدّة – والنظام السوري أحدها – على الملكيّات الخاصة والعامّة، وعلى الحقوق السياسيّة والمدنيّة للمواطنين، تأسس على خلل بنيوي، مارسته تلك الأنظمة الاشتراكيّة والشموليّة، ألا وهو سلب حق الإنسان الفرد بالحريّة، عبر تدخل السلطة الشموليّة بذريعة أو بأخرى في كلّ تفاصيل الحياة الفرديّة والاجتماعيّة”!.

ويوضح السيد برهو الفروق بين الليبرالية بصورتها الرئيسية وبين الليبرالية الاجتماعية فيقول: “الليبراليّة – عموماً – تعني وقبل كل شيء الاستناد إلى الحريّة بوصفها حقّاً طبيعيّاً ومدنيّاً لا يجوز التعدّي عليه بحال من الأحوال، إلا أنّ نمو رأس المال وجموحه في ظل ممارسة مبدأ “عدم التدخل” قد يضرّ بحق الحريّة للفئات الضعيفة غير القادرة على المنافسة”.

مضيفاً: “تحاول الليبراليّة الاجتماعيّة الموازنة بين جموح الحريّة الاقتصاديّة، “دعه يعمل دعه يمر”، وبين التدخّل السافر. فترى الليبراليّة الاجتماعيّة ضرورة التدخّل المدروس للدولة للحدّ من تأثير المنافسة الشرسة على الفئات الضعيفة والمهمّشة؛ لذلك، فإنّ قضايا الضمان الاجتماعي والعدالة الاجتماعيّة قضايا أساسيّة في الليبراليّة الاجتماعيّة. إذ تدافع الليبرالية الاجتماعيّة عن حق المواطن في الصحّة والتعليم، وعن حقوق المرأة والتعبير عن الرأي، وحق العمل وتكافؤ الفرص، ويمكن تسميتها أيضاً بالليبراليّة الثقافيّة أو الليبراليّة الإنسانيّة.

س2: الحزب الليبرالي السوري (أحرار) هو حزب انحاز للثورة السورية، ما القواعد الفكرية التي يرتكز عليها حزبكم في النظر إلى الثورة؟ وهل لديكم فهم خاص لمفهوم الدولة السورية الجديدة؟ وكيف تنظرون الآن إلى ما آلت إليه هذه الثورة؟.

الثورة السورية ثورة استرداد حقوق

وحول وجهة نظر حزب أحرار في الثورة السورية أجاب السيد أحمد برهو: “إن انحيازنا لثورة السوريين نابع من قراءة ثورة 2011 بمنظور ليبرالي اجتماعي، يعتقد أنّ تفاعل الشعب السوري مع الاستبداد بطريقة الاحتجاج السلمي، والمطالبة باستعادة الحقوق الطبيعيّة والمدنيّة، إنّ ذلك التفاعل السلمي عبّر عن استحقاق مدني سوري بامتياز.

ويرى برهو أن النظام سلب حقوقاً أساسيّة للمواطنة والمواطن السوري العادي، فأرادت المواطنات والمواطنون استرداد تلك الحقوق، وبهذا المعنى، فإنّنا نعتقد أنّ الثورة كانت ذات طابع اجتماعيّ بالمقام الأول، وسياسيّ لاحقاً”.

مؤكداً على رؤية حزبه (أحرار): “إنّنا نعتقد في حزب أحرار الحزب الليبرالي الاجتماعي السوري، أنّنا نتواءم ونتكامل مع الهتافات المدنيّة السلميّة لأحداث 2011، ونبني عليها”.

ويتابع السيد برهو إجابته على سؤالنا فيقول: “إنّ إهمال النظام الحقوق المدنيّة للسوريين واستعجال المعارضة في تسييس الثورة قد يكون أحد نقاط التناقض ليس بين النظام والمعارضة التقليديّة فحسب، بل بين الشعب السوري وبين العمل السياسي عموماً، (معارضة ونظاماً)، حتّى لقد فقد المواطن البسيط القدرة على التمييز بين سلوكين سياسيّين، كلاهما لا يستند إلى مصلحة مباشرة له، ثم فقد المواطن الثائر مصلحته بثورة لم ينل من ثمارها إلا عواقبها من تهجير وقتل وبؤس”.

ويضيف برهو: “إنّ استعادة الحقوق الليبراليّة للمواطن السوري بوصفه مواطناً، قبل أي توصيف تالٍ، هو ما نطمح إلى البناء عليه في حزب أحرار، وهو الضمان إلى تحقيق التعددية السياسيّة أولاً، وإلى ترشيد تنافسها ليصب في مصلحة المواطن، فتسعى تلك التعددية لاسترضائه والحصول على صوته، لا إلى السيطرة عليه وخنق هذا الصوت”.

س3: القضية السورية انتقلت من حيّز ثورة ضد نظام الحكم الأسدي الاستبدادي إلى حيّز صراعات إقليمية ودولية على أرضها. هل لديكم وجهة نظر حيال استعادة السوريين لقرارهم المستقل؟ وهل يمكنكم شرح آليات يمكن اتباعها لاستعادة هذا القرار؟.

نحتاج لجسدٍ سياسي منتخب ديمقراطياً

يقول السيد أحمد البرهو في إجابته على سؤالنا: “خلا فترة وجيزة في خمسينيّات القرن الماضي لا يزال السوريون يذكرونها بالخير.. ربّما لم يمتلك السوريون قرارهم منذ عهد الاستقلال”. مضيفاً: “وخلال حكم آل الأسد فقد السوريون قرارهم وأمنهم معاً، واليوم بعد مضي أكثر من عقد على ثورة السوريين لاستعادة حقوقهم المدنيّة نكاد نفقد الجغرافيا والأمن والقرار”.

ويرى البرهو: “إنْ كان ثمّة أملٌ معقودٌ فهو على حقيقة أنّنا كسوريين لا نزال نشعر بألم حقيقي، وأنّ حكومات الدول الإقليميّة والعالميّة عموماً لن تعمل لمصالحنا كسوريين، فلسنا نحن الشعب الذي صوّت لها أو تأمل صوته في انتخاباتها. نحن شعب يتيم سياسيّاً للأسف”.

ويعترف البرهو: “بأنّ السعي إلى بناء جسد سياسي واحد منتخَب على أسس ديمقراطيّة شرعيّة كفيل بلم شعث الشعب السوري ليلتفّوا من حوله، لأنّه سيلتزم بقضاياهم حكماً وهذا أقصى ما احتاجه السوريون سابقاً ويحتاجونه اليوم”.

ويضيف متابعاً: “السعي لتأسيس شرعيّة ديمقراطيّة وقانونيّة هو الخطوة الأولى بالاتجاه المجدي بالنسبة لنا كسوريين، وهي الخطوة التي لا يمكن القفز على استحقاقها، قبل أي عمل سياسي، أو تفاوضي.

س4: القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن في ديسمبر 2015 الخاص بالحل السياسي في سوريا، بقي دون تفعيل حقيقي له بسبب تهرّب النظام من تنفيذه. هل ترون أن هذا القرار الدولي قابل لأن يكون قاعدة حلٍ سياسي؟ ما الظروف الواجب توفرها لتنفيذه وفق برنامج زمني محدد؟

المعارضة فشلت في بناء شرعيتها

يقول السيد برهو: “لو حدثت معجزة واتّفق النظام والمعارضة معاً اليوم على تنفيذ القرار الدولي، فهل سيعود ذلك بالنّفع على المواطن السوري” وبرأيه: “النظام يحتلّ الدولة السورية وتمثيلها في المحافل الدوليّة، وهو مع الأسف، يمتلك رغم إجرامه بعض الشرعيّة الدوليّة، ولا يزال فشل المعارضة في بناء شرعيّة وطنيّة تستند إليها، يغذّي شرعيّة النظام المجرم باستمرار”.

مضيفاً: “في ظل غياب المشروع الوطني الحقيقي لدى النظام بطبيعة الحال، ولدى المعارضة مع الأسف، فإنّ تطبيق أيّة اتّفاقات، حتّى لو كانت قراراً دوليّاً، لا يضمن أنْ يصب في صالح السوريين، وهذا ما جرى بالفعل إذ تم تفريغ القرار 2254 من مضمونه، بمباركة تمثيل غير شرعي للشعب السوري، وانتهى نهاية مخزية إلى لجنة دستوريّة، غالباً ستنتهي بالطريقة ذاتها”.

ويعتقد برهو: “أنّ جديّة الدول الرّاعية في التعاطي مع الملف السوري، تبدأ تماماً حين تدعم السوريين في إنتاج ممثّلين حقيقيّين عن طرفي الصراع، أحدهما على الأقل يحمل الشرعيّة نتيجة انتخابات ديمقراطيّة، لتبدأ الفِرق المتفاوضة بشكل فعلي تطبيق تلك القرارات”.

س5: هناك من يقول إن الثورة السياسية هي ذات حامل سياسي ينتمي إلى ذهنية الريف السوري وعلاقاته الإنتاجية، أي أن هذا الحامل هو ليس حاملاً أصيلاً لبناء دولة ديمقراطية حديثة. لماذا لم تنحز برجوازيتا دمشق وحلب للثورة؟ هل الأمر يتعلق بشراكتها الاقتصادية مع النظام الاستبدادي؟ أم أن هناك أموراً أخرى تقف خلف عدم تأييدهما لهذه الثورة؟.

مراحل الثورة السورية

يقول السيد أحمد برهو عضو الهيئة السياسية لحزب أحرار الحزب الليبرالي الاجتماعي السوري: “سأدّعي الواقعيّة السوريّة وأحاول أن أدلي برأيي بعد تقسيم الثورة إلى مرحلتين على الأقل.

المرحلة الأولى: تبدأ من 2011 حيث الثورة التي حيّرت القراءات النمطيّة لأنّها ثورة اجتماعيّة لا سياسيّة، أرادت تلك الثورة استعادة حقوق مدنيّة؛ لذلك صاغت خطاباً واقعيّاً جديداً لم تُحسن المعارضة السياسيّة قراءته. فظلّت تحاول إخضاع ذلك الخطاب الجديد لمناهجها العتيقة:

من تلك المنهجيّات السابقة على الخطاب الجديد منهجيّة تنظر إلى الريف والمدينة باعتبارهما قالبين نمطيّين:

– مجتمع ريفي: زراعي وغير متعلّم.

– مجتمع مدني: “نسبة إلى المدينة”: صناعيّ ومتعلّم.

أولاً دعنا نلاحظ أن النسبة الصحيحة لساكن المدينة هي: “مديني” لا مدني.. ولعل هذه اللمحة تلفت نظرنا إلى ضرورة مراجعة القراءة النمطية غير الدقيقة التي تخلط بين المعنيين.

“ومن العلاقات الاجتماعيّة التي يولّدها المجتمع الصناعي تخرج الثورة الديمقراطيّة!.

ثانياً: هذه النمطيّة غير الواقعيّة لا تصمد أمام حقيقة أنّ انتشار مصادر المعرفة الفضائيّة “(الدش) أوّلاً، والإنترنت تالياً، أذاب، أو كاد أن يذيب، الفوارق المعرفيّة بين مجتمعات الدول بين القارّات، وبين المجتمعات الفقيرة والغنيّة، فضلاً عن مجتمعات محلّيّة، بعضها يتابع الأخبار في المدينة وبعضها يتابع الأخبار في الريف”.

ويرى برهو: أنّ هذه النظرة النمطيّة المتعالية تحمل طابعاً رأسماليّاً بوسائل ماركسيّة، إذ إنّها تُشكّك في قدرة الدول غير الصناعيّة على تبني نموذج ديمقراطي، وهذا يعني أنّ كثيراً من شعوب آسيا وغالبيّة شعوب أفريقيا لا تصلح لتبني الديمقراطيّة، لذلك ينبغي التوقف على تأثير تلك النظرة المتعالية بمزيد من التريّث”.

مضيفاً: “على أيّة حال فالمجتمع السوري – حتّى ساكن المدينة منه – ليس مجتمعاً صناعيّاً صرفاً، ولم تكن التمايزات خلال ثورة 2011 حتى نهاية النصف الأوّل من 2013 (من وجهة نظري)، بين ريف ومدينة، ولا بين طبقة وطبقة، بل كانت بين نظامٍ مستبدٍ ومجرمٍ، وبين جيل شاب لا يعرف معنى الخوف، الذي عرفه الجيل الأكبر سنّاً؛ لذلك فإنّ التمايزات بدت كالتالي:

(مع الثورة – ليس مع الثورة). والذين هم ليسوا مع الثورة فئتان أيضاً:

(ليس مع الثورة لأنّه خائف: وقسم كبير من هذه الفئة كانوا من كبار السن الذين وعوا جرائم النظام من قبل. والفئة الثانيّة: ليسوا مع الثورة لأنّ مصالحهم مرتبطة بالنظام. وكان السوريّون يطلقون على الفئة الأخيرة لقب “الشبّيحة”).

ويعتقد برهو: “أن تلك التمايزات كانت تظهر في كل عائلة وحي ومنطقة، سواءً في الريف أو في المدينة، وسواءً في طبقة غنيّة أو متوسّطة.

معتبراً: “نشاط الثورة في الريف أكثر منه في المدينة، ومردّ ذلك إلى أنّ القبضة الأمنية للنظام كانت في الريف أقل منها في المدينة، وتمايزت الأرياف فيما بينها فالأرياف القريبة من الحدود شهدت نشاطاً ثوريّاً أكثر من أرياف ليست قريبة من الحدود وهكذا”.

ويشرح برهو فكرته عن المرحلة الثانية فيقول: “بعد النصف الأوّل من عام 2013 حيث لعب إجرام النظام من جهة وعدم توفر إعلام ثوري وطني في تلك المرحلة يحذّر السوريين من انحراف الثورة جرّاء المجازر الطائفيّة، التي كان النظام يتعمّد ارتكابها وتسريب صورها وفيديوهاتها.. إضافة إلى استثمار المعارضة البائس في جرائم النظام أكثر من استثمارها في مصلحة السوريين العليا في ضرورة تماسك المجتمعات لتحقيق الحريّة، التي هي استعادة حقوق مدنيّة للفرد من كل طائفة وعرق ومنطقة، كل ذلك وسواه، لعب دوراً في حرف الثورة وتحويلها نحو المناطقيّة ثم الطائفيّة أو الأثنية، وخلال هذه المرحلة أيضاً من الصعب توصيف السوريين بحسب الجغرافيا أو الطبقة الاقتصاديّة”.

لكن يمكن القول أيضاً، يضيف برهو: “إنّ ضعف رأس المال الوطني والأصيل في الدّاخل السوري مبرّر في ظل نظام مستبد وفاسد، لم يكن ليسمح بتوفر رأس مال حر غير مرتبط به بشكل أو بآخر. إلّا أنّ نموذج البرجوازي ودوره الكلاسيكي في الثورات – من وجهة نظري ولعلّي مخطئ – ليس متوفّراً إلا في الكتب أو في ذهن معارضة ستينيات وسبعينيات القرن الفائت”.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني