fbpx

أرزاق العباد في مزادات الأوغاد

0 200

منذ أيام انتهت دورة جديدة من الجريمة المستمرّة جريمة نهب مواسم الفستق الحلبي ومواسم الزيتون بقيام كلّ من محافظي حماة وإدلب بطرح الأراضي الزراعية في أرياف المحافظتين للاستثمار بالمزاد العلني للسنة الرابعة على التوالي، وقد بلغت مساحة الأراضي المستولى عليها أكثر من 400 ألف دونم.

وقد بدأت فكرة نهب مواسم الفستق والزيتون والمحاصيل الزراعية مع إعادة احتلال منطقة ريف حماه الشمالي بتاريخ 23 آب من عام 2019 واجتياحها من قبل العصابات الطائفيّة من القرى والبلدات المجاورة بالاشتراك مع شبّيحة قرى وبلدات ومدن ريف حماه، وفي موسم عام 2019 تمت سرقته ونهبه عشوائيّاً من قبل تلك العصابات، ولوفرة الإنتاج والمردود الاقتصادي العالي لهذه المنتجات، قامت اللجنة الأمنية بحماه بمناقشة أمر “الاستيلاء عليه” وتوزيع عائداته على الشبّيحة وعائلاتهم بدل أن تصبّ في جيوب قادة هذه العصابات واستقر الرأي على الاستيلاء على هذه الأراضي وتكليف لجان فرعيّة تقوم على الإحصاء وإعداد الجداول، وتكليف “تجار الفستق والزيتون في المحافظة” المرتبطين مع الأجهزة الأمنيّة بدعم مجموعات الشبّيحة بشراء الإنتاج وتصريفه عبر فتح وتأمين خطوط التهريب إلى لبنان ومن ثم تحويل عائدات المزادات إلى صندوق “دعم شهداء الدفاع الوطني والقوات الرديفة” وتوزيعه عبر مؤسسة “الشهيد” وهي جمعيّة خاصة بدعم عائلات قتلى وجرحى “الشبيحة” يرأس مجلس إدارتها قائد ميليشيا الدفاع الوطني المجرم “صقر رستم” ويرأس فروعها قادة ميليشيا الدفاع الوطني وزوجاتهم في المحافظات وكانت جميع الإجراءات والقرارات تصدر عن رئيس اللجنة العسكريّة الأمنيّة في المحافظة اللواء رمضان يوسف الرمضان.

وتعتبر الحرب الاقتصادية على الشعب السوري أسلوب عمل ممنهج وأداة من أدوات الحرب الشاملة على الشعب منها “الحصار – التجويع – النهب – السلب – المصادرة – التدمير – الحريق”، وكان مع حلول موسم الحصاد في كل عام يقوم بمصادرة المواسم والمحاصيل ويتقاسمها شبيحته وضباطه الذين تقاسموا مناطق النفوذ والأراضي وما عليها من أشجار ومحاصيل، فكانوا يعهدون زراعتها وفلاحتها وجني محاصيلها إلى متعهدين ممن انضم إلى ميليشيات التشبيح وكلّ متعهد يتبع الجهة الأمنية التي تسيطر وتستولي على الأراضي، ونشأت في هذه الظروف فئة من هؤلاء الشبيحة أوكلت إليها مهمات السمسرة والابتزاز والسرقة وقطع الأشجار وتسويقها ” حطباً ” في أسواق خاصة بهم على غرار “أسواق السنّة” التي أنشأها عناصر الجيش والضباط والشبّيحة التي امتهنت “تعفيش” المدن والبلدات والمنازل وغيرها.

وكانت سياسة الاستيلاء غير المشروع ونهب وحرق المحاصيل وقطع الأشجار هي الأكثر إيلاماً وأفدحها خسارة بالنسبة للمواطن السوري إذ إنها تأتي ليس فقط على المواسم بل تلحق به خسارة تكاليف الإنتاج من زراعة وخدمات الرعاية والتي تثقل كاهله في ظل غلاء الأسعار وتدهور قيمة العملة وندرة المواد.

وتُعتبر هذه الحرب نوعاً من أنواع العقاب الجماعي ذو بعدٍ طائفي وسياسي إذ أنها في كل أحوالها تستهدف المعارضين والثائرين وأهاليهم وأبناء قراهم ومدنهم لا لشيء سوى أنهم من فئة أو طائفة معيّنة وهي “الطائفة السنّية”، وهذا ما أثبتته كل العمليات العسكرية، وخرائط الاستهداف التي تُظهر أن المناطق المستهدفة هي مناطق مختلطة الطوائف والمذاهب وأن المقصودين هم من طائفة معيّنة ومحددة بالذات.

الآثار الدستورية والقانونية لهذه القرارات:

تأتي هذه الخطوة في إطارة خطة نظام بشار الأسد الهادفة لتجريد السوريين من أملاكهم المنقولة وغٌير المنقولة سواء في مصارفه أو دوائره العقارية، حيث بدأ بقوانين مكافحة الإرهاب ثم القانون رقم “10” لعام 2018الذي طال أملاك السوريين المسجلة في السجلات العقارية، ليأتي اليوم بحرمانهم من حقوق الانتفاع والإيجار والمزارعة وجنى المحاصيل وسلبها وتقدٌيمها لشبحيته وعصاباته الإرهابية مكافأة لهم عن جرائمهم التي ارتكبوها بحق الشعب السوري بالاستناد إلى قرارات صادرة عمّا يسمى “اللجان الأمنية” ذراع القتل والبطش والسلب والنهب لنظام بشار الأسد وحزب البعث.

إن استناد النظام في الاستيلاء على هذه الأراضي أو على مواسمها إلى أحكام قانون العقود العامة رقم “51” لعام 2004 والخاص بالعقود المتعلقة بأملاك الجهات العامة “الحكومية”، يفترض أن تكون ملكية هذه الأراضي للدولة بالأصل، أو أن تؤول اليها بموجب القانون أو القضاء أو أي سبب آخر مشروع. وحيث أن هذه الأراضي ما تزال في ملكية أصحابها من الأفراد المدنيين فلا يجوز تطبيق قانون خاص بالأملاك والأموال العامة عليها، ويترتب على هذه القرارات والتصرفات غير القانونية جملة من الآثار الدستورية والقانونية والقانون الدولي.

من الناحية الدستورية:

 مخالفة لنص المادة “15” من الدستور التي نصت على أنه “لا تنزع الملكية الفردية إلا للمنفعة العامة ومقابل تعويض عادل وفقاً للقانون، ولا تفرض المصادرة الخاصة إلا بحكم قضائي”.

مازال حزب البعث الحاكم يتصرف على أنه الحزب القائد للمجتمع والدولة رغم “إلغاء” المادة الثامنة من الدستور، بمشروع تجريد المنتفعين من حق الانتفاع بأراضي الإصلاح الزراعي بحجة “الإرهاب وتمويل الإرهاب” علماً أن حقوق هؤلاء تمتد من العام “1963” في سورية تاريخ إحداث مؤسسة الإصلاح الزراعة المنصوص عنها بقانون الإصلاح الزراعي لعام 1958 والتي أصبحت ملكاً تامّاً بعد صدور القانون “61” لعام 2004.

من الناحية القانونية:

 يعتبر هذا التصرف اعتداء صارخ على حق المالكين بالتصرف في هذه الملكيات المقرر في المادة “768” قانون مدني التي تنص على “أنه لمالك الشيء وحده في حدود القانون حق استعماله واستغلاله والتصرف فيه”.

كما يعتبر أيضا سرقة ونهباً لثمار هذه الملكيات التي قرر القانون أنها من حق الملك حصراً حسب ما ورد في المادة “770” منه على “أن لمالك الشيء الحق في كل ثماره ومنتجاته وملحقاته ما لم يوجد نص أو اتفاق يخالف ذلك”.

إن حقوق المنتفعين في أراضي الإصلاح الزراعي والتي طالتها هذه القرارات مصانة وفق أحكام قانون الإصلاح الزراعي والقانون المدني باعتبارها حق انتفاع تحميه أحكام الحيازة والذي تحوّل إلى ملكٍ تام بعد صدور القانون رقم “61” لعام 2004 الذي نص على “يعد المنتفع من أراض الدولة “إصلاح زراعي أملاك دولة خاصة” مالكاً للأرض الموزعة عليه من تاريخ اعتماد التوزيع من قبل لجنة الاعتماد في المحافظة وتسجل باسمه في السجلات العقارية بناء على طلب من مديرية الزراعة والإصلاح الزراعي المختصة”. وهذا يعني أن الأراضي المذكورة هي جارية في ملكية أصحابها حتى لو لم يقوموا بإجراءات تسجيلها في السجل العقاري وبالتالي فإن أي اعتداء على هذه الملكية هو مخالف للدستور والقانون.

من ناحية شرعة حقوق الإنسان، تعتبر هذه الإجراءات:

  • انتهاكاً لنص المادة “18” من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي نصت على أنه “لكل شخص الحق في التملك سواء وحده أو مع آخرين، لا يجوز حرمان أحد من ملكيته تعسفًا”.
  • انتهاكاً للاتفاقيات الدولية التي ورد فيها النص على حماية حق الملكية مثل الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، التي نصت في مادتها الخامسة على حق الجميع في المساواة أمام القانون دون التمييز على أساس العرق أو اللون أو الأصل العرقي أو القومي، بما يتضمن الحق لكل شخص في التملك سواء وحده أو مع آخرين، إضافةً إلى حق التوريث.
  • مخالفة للمبادئ التوجيهية بشأن التشريد الداخلي لتوفير الحماية للأموال والممتلكات التي يتركها المشردون داخلياً وراءهم، وذلك “من التدمير والاستيلاء التعسفي وغير القانوني، وأيضًا من شغلها أو استخدامها”، إضافة إلى رفض الاستيلاء “كشكل من أشكال العقوبة الجماعية لتصرفات من قبيل جرائم النهب والسلب والتعدي على الأملاك والأعيان المحمية المنصوص عنها بالقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان وهي جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية”.
  • مخالفة لمبادئ بنهيرو التي تبنتها اللجنة الفرعية لحماية وتعزيز حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة في عام 2005، إذ تؤكد هذه المبادئ على الحق في استعادة الملكيات التي فُقدت تعسفاً، أو أن يتم التعويض عنها بقرار من محكمة مستقلة ونزيهة في حال استحالة الاستعادة على أرض الواقع.
  • كما تعتبر عملية النهب جريمة حرب، كما نصَّت على ذلك القوانين الأساسية والأحكام الصادرة عن المحكمتين العسكريتين في نورمبرغ وطوكيو ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
  • وعلاوة على ذلك، يعتبر النهب انتهاكاً خطيراً لاتفاقيات جنيف إذا ما اتخذ شكل “تدمير الممتلكات أو الاستيلاء عليها على نطاق واسع لا تبرره الضرورات الحربية، وبطريقة غير مشروعة وتعسفية” “المادة 50 من اتفاقيّة جنيف 1، والمادة 51 من اتفاقيّة جنيف 2، والمادة 130 من اتفاقيّة جنيف 3، والمادة 147 من اتفاقيّة جنيف 4، والمادة 4 من البروتوكول 2”. وهو أمر محظور في النزاعات الدولية والداخلية بموجب اتفاقيات جنيف وبروتوكوليها الإضافيين وكذلك القانون الدولي الإنساني العرفي “القاعدة 52 من دراسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر للقانون الدولي الإنساني العرفي” والقانون الجنائي الدولي “نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. المادة 8-2 ب-16، و8-2-هـ -5”.

التوصيات: نطلب من الأمين العام للأمم المتحدة والجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن:

التدخل لوقف هذه الانتهاكات الجسيمة التي يرتكبها نظام الأسد وإيران وروسيا بحق الشعب السوري وسلبهم أمواله والاستيلاء على عقاراتهم بدون وجه حق.

اعتبار جميع القرارات والقوانين والمراسيم والإجراءات التي تمهد للاستيلاء على عقارات ونهب أموال السوريين من قبل نظام الأسد وإيران وميليشياتهم باطلة بطلاناً مطلقاً ولا ترتب أي مركز قانوني لأية جهة أو شخصية أقدمت على الاشتراك في تلك الجريمة الممنهجة، بل وتتحمل تلك الجهات والشخصيات التبعات القانونية والمالية والجزاءات التي ستترتب على إقدامهم على الأفعال الهادفة لسلب السوريين لأملاكهم المنقولة وغير المنقولة.

تفعيل أحكام المبادئ التوجيهية بشأن التشريد الداخلي لتوفير الحماية للأموال والممتلكات التي يتركها المشردون داخليًا وراءهم، وأحكام مبادئ بنهيرو التي تبنتها “اللجنة الفرعية لحماية وتعزيز حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة” عام 2005، وإصدار قرار أممي يحفظ أموال النازحين والمشردين والمهجرين قسرياً.

إحالة ملف مجرمي وجرائم الحرب إلى المحكمة الجنائية الدولية لملاحقتهم ومحاكمتهم عن تلك الفظائع.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني