fbpx

قصتان من إبداع أمان السيد

0 141

الرأس 

كان بين يديّ منذ قليل أداعب شعره المتجعّد كصوف الخروف، فكرة اشتهيتها، أن أجرّب لعبة يتداولها الناس عبر فيديو انتشر سريعاً، أعتقد، بل أثق أنه لعبة، وإلا لما كان صاحبها يركلها بقدمه هكذا إلى الأمام، ثم يرفعها بطرف خنجره إلى الأعلى، وهو يطلق ألفاظاً تدل على الابتهاج كتلك التي نطلقها في الأعياد يوم النّحر الذي يخصنا.

ترسّخ المشهد فيّ، وانتظرت الفرصة المناسبة التي كانت أمس في لحظة عاطفية مختلفة، حيث كان رأسه وادعاً في حضني وقد سلمني رقبته التي انسابت مثل رقبة غزال على جسدي، كان الرأس شهيا جداً، ومستسلماً لا يدري ما الذي يغلي فوقه من أفكاري التي كانت قد وصلت حد الانفجار بعد اختمارها الطويل، كنت قد أعددت للعدة مسبقاً، فابتعتُ سكيناً خاصة من سوق الغجر المعروفين بصناعتها، والتي لا تحتاج معها إلى أكثر من شطبة سريعة. لن يتألم، ورأسه ينشطر بسرعة البرق، بينما عاشقي سيكون بين ذراعيّ يحلم بأنه بعد قليل سيخترقني رامياً بكل أشواقه بين أنفاسي.

أوه.. لقد انتهى الأمر بأبسط مما كنت أتصّور، بقي الرأس غارقاً بتأوّهات أثق أنها نبعت من اللذة التي كان يشعر بها، لا من ألم السكين، ها هو الرأس في طريقه إلى مدفنه الذي نسقت له طريقاً جعلتها مائلة بحيث ينساب إلى مرقده الأخير بلا عناء، بالطبع لم أهيئ كاميرا لأني أعتقد أن الصورة ستفقد مرماها لو عبثت بها الكاميرا، وعيون الآخرين، ولم أهتف فليس الوقت عيد النحر، ولا أية احتفالات أخرى، ثم إنه شعور يخصّني وحدي، فلِمَ أشارك به الآخرين؟!

أشعر بالرأس يحدّق بي وهو ينزلق، لم تكن النظرة حقداً، أو تضرّعاً، أو استنكاراً، كان يشكرني، لأنني استطعت أن أبتكر له ميتة مُترفة لا يحصل عليها مخلوق عادي.

جنس لا جنس له

يحلو له أن يتنقل عارياً.. ” أفروديت” أوحت له بأن التّعري متعة، وأنه أدونيسها، اصطفاؤها الأوسم.

في حقيقته كان مخلوقاً مثل الآخرين يتصرف كما يتصرفون.. لم يكن له نصيب من الوسامة كبير، ولم يكن جريئاً، بل كان خجولاً بما يفوق الوصف، منطوياً على جلد يؤثر الزمن أن يدعه محتفظاً بخطوط من الشباب رغم التهالك في عمره المقيد في السجلات الرسمية. كل ما في الأمر أنه كان يتلبّسه سلوكٌ قد درّب ذاته عليه عبر ممارسات غريبة، لا يعلم هو كيف نبتتْ في شخصه، قد تكون بداياتها حين استمرأ عمل الإناث، فكان يُرافق أمّه في المطبخ، وعلى آلة الحياكة حتى بات له السّبق في هذا الشّأن.

أوج سعادته حين يصير المكان قاعاً صفصفاً، ليتفرّغ هو لجسد يداريه كما لو أنه طفلُهُ، يطيّبهُ بالعطور، يقف أمام صورته يحنو عليها، ويكنس آثار شعيرات متفرقة في سطح وجهٍ يتأمّله بعينين لا يمكن الاتفاق على تحديد سمتين لهما.

أفروديت اعتادت أن تكتريه بزيارات لا توقيت لها.. يحدّثها في شبقه الذي يحتدّ، يطلب منها أن تهبه نرجسيّة لم تُوهب لإنس ولا لِجان، لو يغدو تمثالاً بين عشاقها الكثيرين، لكنه لم يطالبها مرة أن تهبه ما يتفاخر به الرجال.. يتخيل لمن يلتقيه أنه لم يدرك أنّ في العالم جنسين لا ثالث لهما.

تطلق أفروديت ثدييها كهرتين وثيرتين، بينما يتعبد جسده في فنجان قهوة مكفهرة كقدمي زنجي، وبينما ترتشف نبيذها معتقاً تحاوره بسؤالها الأثير: لم لا تشاركني الخمرة؟!..

يتمعن في جسده، وهو يجيبها: خلقت نقياً حين سحّبت من عالم الآثام.. 

تصمت أفروديت عائمة في رؤاها، هي لم تُدرك مرة ماذا يعني الإثم، لكنها تدرك تماماً ماذا تعني الحرية لآدميّ، حتى وإن كان سلوكه منافياً مشارب العقلاء.

حطامُ قرعٍ موبوء يدلج عوالم بابه يجيء في موعد محدّد، لاهثاً من سوق النّخاسة حيث للجنس الثالث ثمن يتزايد، ويهبط تبعاً لرغائب النفوس، صخب وضجيج، وصخور تتكسّر..

خيالان يسبغان الهُلام خباء عليهما..

أفروديت لا تحتمل المشهد، فتثب، وهي تستردّ صحوتها، تنهال بفأسها في تحطيم تماثيلها!

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني