fbpx

قراءة في رواية “ظلّ الشمس”

0 181
  • الكاتب: طالب الرّفاعي
  • الناشر: دار الشروق
  • ط1، 1998، ورقية
  • ط2، 2012، ورقية

طالب الرّفاعي أديب كويتي متميز، يكتب القصة والرواية منذ عقود، يمسّ كثيراً من القضايا المجتمعية الكويتية والعربية بعمق وشفافية ومصداقية، جارحة أحياناً.

ظل الشمس رواية الغربة، والبحث عن لقمة العيش، والضياع.

تبدأ الرواية عندما يصعد الشاب المصري “حلمي” الطائرة لأول مرة في حياته، متجها إلى الكويت، باحثا عن فرصة عمل، تجعل حياته أفضل. حلمي الذي أكمل تعليمه الجامعي، وأصبح مدرساً للّغة العربية، والده فلاح يعمل في الغيط (الأرض)، منذ صغره أصر والده عليه ان يتابع دراسته، وأن يصبح مدرساً يعتز به، وحيد بين عدة أخوات، عمل مدرسا فور تخرجه العلمي، زوّجه والده بعد تخرجه ومباشرة العمل قبل أن يجهز نفسه مادياً أكثر، هو ضعيف أمام والده، تزوج “سنية” ابنة قريته، وسكن في بيت أهله، مورده من تدريسه قليل، لا يكاد يكفي أسبوعاً من مصروفه الشهري، عيشه في بيت أهله مع زوجته، أفقده الخصوصية، وجعله وزوجته تحت منظار العائلة ومتابعتها، أمه التي تتعامل مع زوجته بندّية معروفة بين الزوجات والأمهات، وكذلك أخواته البنات، يختلفون على قضايا تافهة، لكن تجعل الحياة سيئة ومملة ومؤلمة، خاصة للزوجة. نقص الوارد المالي لحلمي جعله يستكين لوضعه العائلي، فلا هو قادر على استئجار بيت والتصرف بحياته بشكل مستقل، ولا هو قادر أن يلبي طلبات الزوجة وابنه الصغير “سعد” الذي أنجب باكراً. هو ضائع بين عجزه المادي، وغياب البديل عن العيش المشترك مع أهله. كان لابد من البحث عن البديل وحل لتجاوز ما يعيشه، وكانت فكرة السفر إلى الخليج ومنها الكويت قد داعبت خيال الكثير من الشباب المصري، محملة بأحلام عن بلاد البترول، حيث يذهب الشباب إليها ويعود ممتلئا بالمال، ليشتري الأرض ويبني العماير، ويقتني السيارات، ويعيش حياة مرفهة. تداعب الفكرة خياله، فلا حل أمامه ولا بديل، والده يرفض ويطلب منه الصبر، وينذره أن حلم الكويت أجوف ووهم، لكن إلحاح زوجته وغياب البديل يجعله يقرر السفر، تعب حتى استطاع أن يفرض على والده القبول – على مضض – بسفره، وعندما أصبحت فكرة السفر قيد التنفيذ، ظهرت عقبات الحصول على “الفيزا” ومصاريف السفر. وهنا أصبح حلمي ضحية لسماسرة تعتاش على دماء وتعب هؤلاء الشباب الباحث عن فرصة عيش أفضل بأي ثمن، المطلوب للفيزا ومصاريف السفر مبلغ كبير، غير قادر عليه، لم يتجرأ على طلب معونة والده، لأنه أصلاً ضد سفره، باع مصاغ زوجته وكتبه الثقافية التي اقتناها عبر سنوات طويلة، واضّطر أخيرا أن يستدين من أهل زوجته ومن عشيقته ” نعمة”؛ نعمة زوجة السمسار الذي أمّن له فيزا العمل، نعمة زوجة السمسار الأخيرة بعد عدة زيجات سابقة فاشلة، يحكى أنه غير قادر على القيام بدوره الجنسي، ونعمة جاء بها من مكان ما، وزوجها فتح طريقاً للتعارف بينها وبين حلمي، على أنه يعطيها الكتب والروايات، ثم استدرجته ليكون عشيقها السري، هي استعاضت به عن زوجها الغائب عمليا، والعاجز واقعيا عن تلبية رغباتنا الجسدية، وهو وجد بها شاطئ راحة من ظروف حياته وضيقه المعيشي الذي لا حل له، علمت بسفره وتضايقت لكنها ساعدته ماليا. سافر إلى الكويت، الفيزا عامل، رغم كونه معلم، لا فيزا للمعلمين إلا عن طريق الدولة، وكيف يصل للدولة ليحصل على فيزا له؟!. وصل للكويت ودخل دوامة حقيقة العمل هناك، فرص العمل معدومة كمدرس لغة عربية، والدروس الخصوصية مقتصرة على المواد العلمية، رياضيات فيزياء وكيمياء، من يهتم للّغة العربية، في الكويت لا عمل بدون اقامة، ولا إقامة بدون كفيل، وكل ذلك يتطلب مكتب وساطة ومتابعة، وهذا كالعلقة تمتص دم القادمين للعمل، وحلمي لا يملك أي مال يدفعه، الحساب بالدينار الكويتي وعندما يحول للجنيه المصري، يتحول الى مبالغ مخيفة، أقرباء حلمي – هناك – يدفعون عنه، قريبا يعمل ويرد الذي عليه، ثلاث أشهر أمضاها دون عمل، زادت ديونه على دين مجيئه إلى الكويت، وأخيراً وجد فرصة عمل في أحد مشاريع الدولة، كعامل في الصرف الصحي، وعمل في ظروف قاسية جدا، الطقس الحار والوقت الطويل، والكل يركض ليحصل على عمل إضافي، لعله يراكم بعض المال على ماله الذي يحلم به، علم المهندس المشرف أنه مدرس فنقله ليكون في المستودع، حيث علم حلمي بحقيقة الفساد والسرقات التي تحصل في الأعمال، كذب في عدد العمال العاملين، غش في المواد الموضوعة في تنفيذ الأعمال، وكان تتوّج بمماطلة في دفع مستحقات العمال، ومنهم حلمي حيث لم يتقاضى أي مبلغ عن عمل خمسة أشهر، كان يستدين ثمن لقمة عيشه، وبعث بعض المال المستدان لأهله، زوجته التي تراسله دوماً، وترجو أن لا ينساهم، وأن يكتب لهم ما يردّ لهم روحهم التي غابت معه، ابنه سعد الذي يفتقده كثيراً. لكن حلمي غارق في العمل، وهموم عيش أقرب للجحيم. ويتوج مأساة ما يعيشه حلمي أن يهرب مهندس المشروع المشرف عليه، سارقاً أجر عدد من العمال المتراكم عنده لخمسة أشهر، وهم أصبحوا امام مأساة حقيقية، المهندس اختفى، والشركة غير مسؤولة، وحلمي لا أمل لديه بأي حل، لقد تراكم الدين على الدين، اقترح عليه البعض أن يعود لمصر، كيف يعود خائباً مديوناً؟.

هنا تنتهي الرواية، وفي تحليلها نقول إن واقعية الرواية وصراحة طرح مأساة الواقع، تبرز حقيقة الظروف الحياتية التي أدت وتؤدي لهذا الواقع ونتائجه المأساوية فردياً واجتماعياً. حيث الظروف الحياة القاهرة، مجتمع مصر الذي يعمل به الشعب، لكنه لا يعطيهم مردوداً يجعلهم يعيشون بكرامتهم، ولا يؤمّنون الحد الأدنى للعيش، الذي يؤدي غيابه – بالضرورة – لكل أنواع الفساد، ومنها بيع أحلام الغربة والذهاب لدول النفط، وهنا تظهر وتنتشر شركات التسفير وسرقة جهد وعرق الناس، وهناك في دول الخليج سنجد أن العامل لا يعطى حقه الإنساني، فلا حقوق مصانة، نظام الكفيل وعدم ضمان الحقوق، وشبكات سرقة جهد العمال، وقوانين صارمة جعلت العاملين ضحية، وأغلبهم يعود بعد غربة وكأنه لم يسافر. ذلك السفر الذي سيخلق مشاكل اجتماعية لأسرة المسافر، زوجته وأطفاله واحتمالات الانحراف والفساد، وهم كشباب في مقتبل العمر، كل المفاسد موجودة وبأسعار متنوعة، دعارة، كحول، مخدرات، وأحلام مباعة على شكل أشرطة فديو جنسية تقدم أحلام وأوهام وحياة خائبة.

هذه هي ظروف التخلف والظلم والقهر العربي، في بلاد الفقر والغنى، والتي أعطت تعميم الفساد والضياع، وأدت للربيع العربي، الذي كان محاولة من جموع الناس أن تقول: لا، كفى. وإن لم تؤدي المطلوب منها، لكنها كانت رد المظلومين على الظالمين، بأن حقوقنا الانسانية بالحياة الكريمة والعدل والحرية، يجب أن نحصل عليها وأن تصان، لنكون بشراً نعيش الحياة الإنسانية اللائقة والمستحقة، وإلا فالخراب قائم، ومستمر، وأحوالنا كعرب جميعنا إلى الأسوأ.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني