fbpx

ما السر يا ترى؟!

0 69

بعيداً عن خطاب ركوب الموجة الذي يجيده بعض النخبويين المعارضين من أصحاب الأجندات الخاصة في الخارج ومثقفي الدعاية – ما تروجه وسائل إعلام وتواصل منفصل عن حقائق الوقائع – في الداخل، وعن مواقف الاتهام والتخوين الطائفية لدى بعض الموالين، وإذا تفهمنا مشروعية المطالبة في تحسين شروط الحياة التي سحقتها سياسات وإجراءات السلطة الاقتصادية، ودستورية المطالبة بالعودة عن هذه القرارات الظالمة، والنهوض بالاقتصاد الوطني من خلال مكافحة الفساد والفاسدين، وتطبيق مبدأ الشفافية وسيادة القانون، وتشجيع الإنتاج الزراعي والصناعي، وتخفيض الضرائب وإعادة النظر في سياسات الجباية، وجميع وسائل النضال المدني التي تحافظ على المنشآت العامة والخاصة وعدم قطع طرق المواصلات وتعطيل مصالح الناس، وعدم رفع الرايات ذات الطابع الديني أو المناطقي، والتأكيد على أن السويداء كانت وستبقى جزءاً من سوريا الآن والتي في تحققها، كما أعتقد، تضع نشاط الحراك المطلبي في السويداء أو في أي مكان على امتداد الجغرافيا السورية في سياق وطني سوري، يعبر عن هموم وحقوق جميع السوريين، وجدير بدعمهم ؛فكيف نقيم دوافع ومآلات جهود نخبوية، تعمل على دفع حراك السويداء على تجاوز سقف المطالب الاقتصادية الإصلاحية، باتت تصل إلى عتبة أهداف قيام سلطة إدارية ذاتية وتتجاوزها، بشعارات سياسية، تدعو إلى إنهاء تواجد مؤسسات و أجهزة الدولة والنظام، بما يدفع الحالة السويدائية الى مسارات مشابهة لمآلات سلطات الأمر الواقع التي صنعتها موازين قوى الحرب بين 2015-2020، في ظروف أكثر تعقيداً وخطورة!.

أولاً: في التساؤلات المشروعة

نظرياً، إذا كان يستحيل على أية ثورة أن تنتصر وتحقق أهداف وطموحات صناعها شعوبا ونخبها وداعميها، دون أن تأتي في سياق ثوري على الصعد الوطنية والإقليمية، وتصنع قيادة ثورية، فهل يمكن لحراك السويداء أن يحقق أهداف سياسية ديمقراطية على الصعيد المحلي، أو أن يكون جزءاً من ثورة وطنية ديمقراطية على الصعيد السوري العام في ضوء عوامل السياق السياسي الحالية، وفي ظل عدم تبلور قيادة ثورية، محليا وعلى الصعيد السوري؟.

إذا كانت عوامل السياق السياسي تحددها أهداف وإجراءات التسوية السياسية الأمريكية التي أطلقتها واشنطن عقب الإعلان عن هزيمة داعش قبل نهاية 2019، فهل يكفي أن يأتي حراك مطلبي في ظل ما تستخدمه الولايات المتحدة من اوراق ضغط على سلطة النظام من أجل فرض شروط تسويتها، المرتبطة جوهريا بسعيها لتأهيل سلطة قسد على حصتها وشرعنة وجودها على الصعيد السوري، بالدرجة الأولى، لكي يحقق مكاسب سياسية، على مستوى الإدارة الذاتية، أو ما بعدها؟.

هل يمكن لأي إدارة ذاتية مدنية، في ظل عوامل السياق التي تمنع حدوث انتقال سياسي مركزي أن تنجح ببناء سلطة وطنية، وتكون منطلق لبناء نظام ديمقراطي سوري، في إطار لامركزي أو غيره؟.

أين شروط نجاح حراك ثوري اليوم من الأمس؟

في ربيع 2011، أتى حراك السوريين في سياق إقليمي ثوري، وفي سياق وطني، تمثل بوحدة السوريين، والجغرافيا السورية، وفي ظروف اجتماعية وإنسانية واقتصادية معززة لإرادة التغيير السياسي، وواجهوا ما أنتج كارثة وطنية، ولم يحققوا أهدافهم السياسية المشروعة!.

أحاول في هذا المقال توضيح أهم عوامل السياق السياسي التي يأتي فيه حراك السويداء المطلبي، وكشف ما يمكن أن تقدم لنا من استنتاجات، وتستقرأ من مآلات؟

ثانياً: أبرز عوامل السياق السياسي

1- سياق التسوية السياسية التي يشكل عواملها تكامل جهود وإجراءات أمريكية لتأهيل سلطة قسد على ما بات الحصة الأمريكية في نهاية حروب مكافحة داعش نهاية 2019، مع إجراءات تأهيل سلطتي النظام و الجيش الوطني – الائتلاف على ما باتت الحصص الإيرانية/الروسية التركية، كما وضعت حدودها وحددت مواقع نفوذها سلسلة من اتفاقيات الثلاثي الضامن، كان أهمها اتفاقيات 5 آذار 2020 بين الرئيسين التركي والروسي؛ وقد تتالت خطواتها 2021، 2022، والربع الاول من 2023، خاصة في استغلال عواقب زلزال شباط، وصلت الى أوجها في إجراءات التطبيع التي أدت إلى قمة جدة.

2- رفض سلطة النظام للتوافق مع قسد وفقا لشروطها الأمريكية، فشل إجراءات الجزرة الأمريكية – التي أوصلت النظام إلى جدة، وأعادت العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، والتي سعت واشنطن من خلالها إلى تشجيع النظام وقسد للوصول الى تفاهمات صفقة شاملة، تضع أسس سيطرة تشاركية، على نمط العلاقات بين قيادة إقليم كردستان العراق وحكومته المركزية، تُعطي قسد الشرعية السورية، وبالتالي شرعنة وجود الاحتلال الأمريكي – وغير منحى إجراءات وخطوات التطبيع، وهو ما يفسر تصاعد قوة وسائل العصا، عبر سلسلة وضع ضغوط على النظام السوري، أخذت شكل حرب أوراق ضغط متعددة الوسائل، حشدت فيها واشنطن جميع شركائها في الأنظمة العربية، وفي حكومات أوروبا الديمقراطية، و وصلت اليوم الى مرحلة عرض عضلات عسكري إقليمي، وتحصين جيش قسد بجميع أشكال الأسلحة.

3- تكامل أوراق الضغط الخارجية الأمريكية مع ما يحصل من مستجدات على صعيد النشاط النخبوي السوري المعارض، الساعي لتعزيز جهود تأهيل سلطات قسد ومرتكزات السيطرة التركية، وتعزيز الوجود الأمريكي في منطقة الجنوب السوري، واستغلال نتائج عجز النظام عن تقديم مبادرات حقيقية لمواجهة عواقب سياساته الاقتصادية والإصلاحية، من أجل تأجيج أشكال مختلفة من الصراع داخل مناطق سيطرة النظام.

4- ما يحصل من تواصل ودعم لبعض تيارات المعارضة داخل السويداء من قبل شركاء الولايات المتحدة الأوربيين وفي مناطق السيطرة الأمريكية داخل مؤسسات قسد وفي منطقة التنف، في الجنوب، وما ينتج عنها من تصاعد حراك السويداء المطلبي، واتخاذ بعض شعاراته وجهوده منحى مسارات مشابه لحالة قسد.

ثالثاً: الاستنتاجات، والممكنات

بناء على إدراكنا لعوامل التسوية السياسية، وحيثيات المشهد، خاصة طبيعة المعركة الراهنة في العلاقات التشاركية بين النظام السوري والولايات المتحدة، يمكن وضع التطورات الأخيرة في حراك نخب السويداء المطلبي ومآلاته في سياقين:

1- تعزيز أوراق الضغط الأمريكية، وتهديد النظام بتقليص رقعة حصته الجيوسياسية، التي باتت تضم الجنوب السوري بشكل واضح، خاصة بعد غض النظر الأمريكية عن إعادة سيطرة قوات النظام على مناطق درعا، وصولا إلى الحدود الأردنية في صيف 2022. في ضوء عوامل هذا السياق، من المرجح حصول صفقة سياسية، تتضمن تجاوب النظام مع شروط الولايات المتحدة وقسد، واندفاع إجراءات تأهيل قسد، ربما على طريقة إقليم كردستان العراق، مقابل إعطاء النظام الضوء الأخضر لإعادة ضبط ساحة الجنوب، في السويداء ودرعا!.

2- تجاوز الأهداف الأمريكية تجاه السويداء سقف أوراق الضغط، وإمكانات التوافق، ودفع الصراع الراهن في السويداء ودرعا على مسار الإدارة الذاتية في شمال وشرق سورية، بحماية أمريكية/إسرائيلية، بما يضع سلطة النظام أمام أمر مرارة أمر واقع جديد لا يقل إيلاماً!.

قد يعزز هذا الخَيار عوامل مختلفة:

1- على صعيد النظام السوري: إصرار صناع القرار على تجاهل مصالح السوريين، (سواء على صعيد تخفيف آلام سياسات الخصخصة الاقتصادية، أو على صعيد رفض جميع مبادرات الحوار التي تطلقها بعض تعبيرات المعارضة الوطنية، الغير مرتبطة بأجندات خارجية، والساعية الى حماية السلم الأهلي، وتعزيز المرجعية الدستورية لمؤسسات الدولة)، بما يعمق عوامل الانفجار، ويعطي الولايات المتحدة وغيرها فرصا لتجيير معاناة السوريين وآمالهم.

2- على صعيد حكومة الاحتلال الإسرائيلي!

إذا أدركنا درجة تضرر المصالح الإسرائيلية من نتائج تسوية سياسية أمريكية، تؤدي في السياق والصيرورة إلى تثبيت مواقع السيطرة الإيرانية في سوريا، وفشل الحملات العدوانية الجوية الصاروخية المستمرة منذ بداية مرحلة التسوية السياسية في إيقاف إجراءاتها الأمريكية، وحجم الضغوط التي تستخدمها واشنطن على حكومة العدو لقبول الأمر الواقع في علاقات السيطرة التشاركية الإيرانية الأمريكية، نفهم طبيعة الفرصة التي تحصل عليها حكومة الاحتلال الإسرائيلي ( والأردن، ربما) من استخدام الولايات المتحدة مرة ثانية لورقة الجنوب السوري في صراعها مع السلطة حول شروط بقاء قسد!! تقاطع المصالح والسياسات الإسرائيلية الأمريكية في استخدام ورقة الجنوب حتى النهاية تبين طبيعة المخاطر، وسياقها السياسي والعسكري.

3- على صعيد سلطة النظام الإيراني

أعتقد انه ليس من مصلحة النظام الايراني، وما حققته سياسات تمدده الإقليمي بفعل تشابكها مع المصالح الأمريكية، وما توفره له شروط التسوية السياسية الأمريكية من استقرار داخل سورية المفيدة، إن يدخل في مواجهات حقيقية ضد أوراق الضغط والقوة الأمريكية، ولن يغامر في القتال من أجل الحفاظ على تواجد في الجنوب أو حتى في شمال شرق، قد يفقده السيطرة على سوريا المفيدة وكريدورها إلى لبنان؛ وقد شكل إغلاق بعض الخطوط الإيرانية مؤخرا إنذارا شديد اللهجة!

4- روسيا البوتينية هي الحاضر الغائب! هامشية وضعف أوراق قوتها في مرحلة التسوية السياسية عموما، وفي أعقاب غزو أوكرانيا، لا تجعل لمواقفها اي وزن عملي، يستحق أن تأخذه الولايات المتحدة بعين الاعتبار. سواء وقفت إلى جانب سلطة النظام، او على الحياد لن تستطيع تقديم فارقا لصالحه!.

في الختام، قد يثير بعض التساؤلات ما يبدو غموضا في سياسات السلطة ذاتها تجاه ما يحصل في السويداء!.

هي لا تقوم بأية ردود أفعال تجاه تفاقم الأوضاع الاقتصادية، وما ينتج عنها من ردود أفعال، كما لا تحرك ساكنا لإعاقة ما يحصل من تطورات في ساحات ومدن السويداء، وما تقدمه من إشارات توحي برغبة واضحة في التهدئة وتطمين النفوس!.

ما السر يا ترى؟!.

هل بات تحقيق شروط تأهيل الابن الضال القسدي، المتنمر على شمال وشرق سورية في ظل حماية المشروع الأمريكي، مؤلماً إلى هذه الدرجة؟ هل يجهل النظام أن تجاوز المصالح الأمريكية هو الخط الأحمر الحقيقي؟.

المؤسف أن جميع التسويات الممكنة ستكون على حساب مصالح السوريين المشتركة، ومقومات الدولة السورية الموحدة؛ وهي أحد حقائق الصراع التي يتجاهلها الوعي السياسي النخبوي!.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني