fbpx

حصِّنوا ثورتكم وعضّوا عليها بالنواجِذ

1 182

رحل الاستعمار الفرنسي عن سوريّة وأُعلن عن استقلالها في عام 1946 وانتقلت الحياة السياسيّة من مرحلة مقاومة الاحتلال والتحرّر إلى مرحلة بناء الدولة المستقلة وبدأت الأحزاب السياسيّة التاريخيّة وهي حزب الشعب والكتلة الوطنيّة ’’الحزب الوطني‘‘ لاحقاً والحزب الشيوعي السوري وحركة الإخوان المسلمين تأخذ دورها في إثبات وجودها وحشد مناصريها للمشاركة في الانتخابات البرلمانيّة الأولى بعد الاستقلال في عام 1947 وكانت أول انتخابات يُشهد بنزاهتها وشفافيتها، ولكن لم يدُم الحال حيث بدأت الخلافات بين هذه الأحزاب مع نكبة فلسطين 1949 وتبادل الاتهامات حول مسؤوليّتها والحكومة والجيش عنها حيث أطاح الزعيم حسني الزعيم بها بانقلاب عسكري في آذار من سنة 1949 الذي كان فاتحة الانقلابات حيث تلاه الانقلاب الثاني الذي جاء بقيادة اللواء سامي الحناوي في آب من نفس السنة الذي أعاد نسبيًا للحياة السياسية حضورها، إذ سمح للأحزاب السياسية معاودة العمل باستثناء الحزب الشيوعي وقد أجريت ثاني انتخابات برلمانية بعد الاستقلال في تشرين ثاني من سنة 1949 التي قاطعها ’’الحزب الوطني‘‘ وفاز فيها حزب الشعب بأغلبيّة المقاعد وتقاسم حزب البعث وحزب الإخوان المسلمين وكتل سياسية أخرى بقيّة المقاعد.

ثم وقع الانقلاب الثالث بقيادة اللواء أديب الشيشكلي في كانون أول من سنة 1949 الذي أطاح فيه بحكومة الحناوي ولم تتغير الحياة السياسية في عهده سوى الصراع بين الحكومة والبرلمان إضافةً إلى صراع برلماني حول قضية علمانية الدولة وإسلاميتها، حيث نادت بعض الكتل يسارية التوجه بالعلمانية، فيما رفضت ذلك التيارات المحافظة التي انتصرت بحفاظها على الصفة الإسلامية للدولة من خلال النصّ في دستور سنة 1951 على أن سورية جزء من الامة العربيّة وأن الإسلام دين رئيس الجمهورية وأن الفقه الإسلامي مصدر رئيسي للتشريع، وانتهى حكمه في سنة 1954 لتعود الحياة السياسيّة طبيعتها حيث عاد النشاط السياسي والصحافة وأجريت انتخابات برلمانية جديدة اعتُبِرت أنزه انتخابات تمرّ بها البلاد في تاريخها، استطاعت فيها القوى اليسارية والقوميّة التقدّم مقابل تراجع الأحزاب التقليدية وانتهى عهد الازدهار مع قيام الوحدة بين مصر وسوريّة ومن بعده الانفصال وسيطرة حزب البعث على السلطة بانقلاب 1963 وممارسته كل أنواع الاقصاء والتخلّص من معارضيه وحلفائه لم يسلموا من شرّه وشرّ قادته.

لقد آثرتُ البدء بهذه المقدّمة بعدما رأيته من شعارات ولافتات تثير الفتنة بين أطياف الشعب السوري الثائر ترفع في مظاهرات السويداء أقل ما يُقال عنها أنّها لا تليق بالثورة ولا بالثوار ولتعريف من يرفعها وأمثالهم بطبيعة الشعب السوري وانتماءاته الفكريّة والسياسيّة والحزبيّة وتاريخ هذه الأحزاب ومدى فعاليتها وتأثيرها في الحياة السياسيّة في سوريّة والتي كانت تتكوّن من جناحين : جناح اليسار المتمثِّل بالأحزاب اليساريّة العلمانيّة وجناح اليمين المتمثّل بحركة الإخوان المسلمين وبعض الشخصيّات الاسلاميّة والمسيحيّة واليهوديّة وغيرها من الاقليّات التي كانت تدخل الانتخابات في قوائم المستقليّن التي كانت بيضة القبّان في أيّة انتخابات برلمانيّة.

وانطلاقاً من هذه المقدّمة وبناءً عليها نجد:

أن الحياة السياسيّة في سوريّة لا يمكن أن تستقرّ أو تزدهِر إلا بمشاركة جميع أطياف الشعب السوري يمينه ويساره وما بينهما وأنّ أي إقصاء لأي طيف يؤدي إلى خلل في عمليّة بناء الدولة وبالتالي فشل أي حكومة في تحقيق تطلّعات الشعب السوري.

وأنّ عوامل استقرار الحياة السياسيّة تكمن في الحفاظ على هويّة الشعب والدولة السوريّة التاريخيّة والحضاريّة والتي تجلّت فيما تضمّنه دستور سنة 1950 الذي أتاح للجميع المشاركة في الحياة السياسيّة دون إقصاء بدليل الإشادة بالفترة ما بين 1954 و1958 التي كان ينظِّمها هذا الدستور.

حركة الإخوان المسلمين والاتحاد الاشتراكي الديمقراطي والحزب الشيوعي جناح ’’رياض الترك‘‘ حزب البعث اليساري جناح ’’إبراهيم باخوس‘‘ والاشتراكيون العرب جناح ’’عيّاش‘‘ هم جزء أصيل من الأحزاب السياسيّة المعارِضة في سوريّة ولا يمكن اقصائهم أو إقصاء غيرهم عن العمل الثوريّ والسياسي في عهد الثورة السوريّة العظيمة باعتبارهم جزءاً أصيلاً من هذه الثورة وشاركت فيها بكل الطرق المتاحة وما زالت.

وأنّ السوريّون جميعاً هم ضحايا نظام البعث الانقلابي الاستبدادي منذ استيلائه على السلطة في سورية حتى اليوم وهو الذي وظّف كل أساليب الفتنة والاقتتال واثارة النعرات الطائفيّة مُجسِّداً مبدأ ’’فرِّق تسُد‘‘ في أقذر صوره حيث أدخل البلاد في نفق الاستبداد والطائفيّة ونفق الدماء التي سُفِكّت ظُلماً وعدواناً إما بالمحاكمات الميدانيّة في 1964 وما تلاها من تصفيّات بين البعثيين أنفسهم ثم ارتكاب المجازر الطائفيّة في الثمانينيات وما يرتكبه من مجازر لم يشهد لها التاريخ مثيلا منذ سنة 2011 حتى اليوم.

وأنّ هذا النظام ورّط أبناء سوريّة في هذه الدماء إمّا بالإكراه تحت التهديد بالقتل المُباشر أو الإعدام عبر المحاكم الميدانيّة لمن يعصي أوامره وإمّا بالإغراء بالنفوذ والسلطة، ما أدّى إلى انقسام شاقولي وأفقي في المجتمع السوريّ حيث توزّع القتلة وزبانيّة النظام على كل طوائف الشعب السوريّ كما توزّعوا على كل عائلة واسرة وعشيرة ومدينة وقريّة فأصبح القاتل والمقتول من نفس الاسرة ومن نفس الطائفة ومن نفس الحيّ والقريّة وبقي النظام مُتفرِداً في السلطة يوزّع الموت والقهر والذلّ على السوريين.

وهذه الأسباب هي التي تقف وراء الدافع لثورة السوريين التي اندلعت مع عام 2011 وهي التي تجسّدت فيها كل معاني ’’الثورة السوريّة لكل السوريّين‘‘ كل السوريين المقهورين والمضطهدين كل السوريين الذي سُفِكت دمائهم وانتهِكت أعراضهم ونُهِبت أموالهم وشُرِّدت عائلاتهم وهُجِّر أبنائهم، ثورة المظلومين جميعاً أفراداً وجماعاتٍ وأحزابٍ بِغضّ النظر عن دين أو مذهب أو عِرق أو انتماء هؤلاء المظلومين، فالمظلوميّة لا تتجزأ والعدل لا يتجزأ والحريّة لا تتجزأ والمواطنة لا تتجزأ والمساواة لا تتجزأ وكل القيم الإنسانيّة لا تتجزأ تحت أي ظرفٍ كان.

إنّنا في الثورة السوريّة نشهد نفس الظروف والمعطيّات التي كانت في عهد الاحتلال الفرنسي إذ أننا نعاني من غزو الإيرانيين والروس ومن نظامٍ عميلٍ عدوّ مبين للشعب والدولة السوريّة وأن ثورتنا هي معركة تحرّر وطنيّة للتحرّر من براثن الغُزاة وطردهم من بلادنا واستئصال هذا النظام العميل، وهذا يتطلّب من جميع الأحرار على مُختلف انتماءاتهم السياسيّة والحزبيّة والدينيّة والمذهبيّة والعرقيّة والطائفيّة تحمّل مسؤوليّتها والمشاركة في هذا الواجب الوطني.

إنّ كيل الاتهامات بدون دليل، و إجراء المحاكمات السياسيّة التي تشير اليها  بعض اللافتات والشعارات التي تفوح منها رائحة الفتنة التي عوّدنا عليها النظام والتي لم تعد خافيّة على أيّ سوريٍّ حرٍّ، هذه الشعارات التي تساوي بين الجلّاد والضحيّة، أو تلك التي تتير النعرات الانفصاليّة والطائفية أو الإقصاء السياسيّ بناءً على موروث من الكراهيّة أو الحِقد أو الضلالات والافتراءات والأكاذيب التي زرعها نظام البعث في عقول السوريين على مدى ستين سنة لا يمكن تمريرها أبداً في معرض العمل الثوريّ، وإن الردّ عليها وتفنيدها وبيان خطرها على الثورة ووحدة اطيافها واجب ثوريّ وفرض عين على كل ثائرٍ حرٍّ فمقتل الثورات يكمن في تكريس المغالطات على حساب الحقائق، وتكريس الفرقة والفتنة على حساب الثقة ووحدة الصّف، وتكريس الفِكر الإقصائي المُدمِّر على حساب الفكر التشاركي التكاملي الذي تقوم عليه نهضة واستقرار الدول.

وانطلاقاً من واجبنا الثوريّ وحرصنا على قيم ومبادئ الثورة وتجسيداً لقناعتنا بأن الثورة السوريّة العظيمة ثورة لكل السوريين، وأنّ الهدف الأول والرئيسي لهذه الثورة هو طرد الغزاة الروس والإيرانيين وإسقاط هذه الطُغمة الإجراميّة العميلة واستئصالها من جسد هذا الشعب وتطهير البلاد من رجسها، ندعو إخواننا الثوار الحقيقيّين الشرفاء في السويداء إلى تجنّب الوقوع فيما وقع به من قبلكم من الثوّار من عدم اتخاذ الحيطة والحذر من تغلغل أعداء الثورة وأعداء الشعب السوري إلى صفوفهم الأمر الذي أدّى إلى إلحاق الضرر الجسيم في الثورة وتشويه سمعتها وسمعة ثوارها الأحرار وتشرذمها واثارة الخوف والرعب في نفوس باقي أطياف الشعب السوريّ الذي دفعهم إمّا للوقوف مع النظام المجرم أو دفع بعضهم للنأي بالنفس عمّا يجري من مجازر ودمار وجرائم.

اليوم ثوار السويداء الأحرار يعيدون وجه الثورة السوريّة المُشرِق الذي ارهقته الأخطاء وانهكته فِتن النظام وتخاذل المجتمع الدولّ عليها، وهذا يجعلهم في موقع المسؤوليّة في الحفاظ على هذا الزخم الثوري وتحصين النواة الثوريّة الخالصة وحمايتها وتعزيز قدراتها على مواجهة كل الاخطار التي تتهدّدها سواء الأخطار القادمة من الداخل أو من النظام وأعوانه أو من حلفائه أو من أصحاب المشاريع الانفصاليّة والفيدراليّة الذين أعطوا النظام ذريعة لتخوين ثوار السويداء الاحرار واتهامهم كاذِباً بالخيانة والتقسيم والانفصال عن سورية.

أجِّلوا خلافاتكم، وأرجِئوا اجنداتكم، وأعِدّوا مشاريعكم لإعادة إعمار العمران ولإنسان، بدل إثارة الشقاق وزرع النفاق، وصراع الاجندات واستباق الأمور قبل أوانها وتذكّروا بأن من استعجل الأشياء عُوقِب بحرمانها.

1 تعليق
  1. Mohamed bagdai says

    لافض فوك استاذ عبد الناصر

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني