fbpx

المسؤوليّة الثوريّة والمسؤوليّة السياسيّة

0 146

الالتزام لغةً: الالتزام في اللغة من اللزوم، أي الثبات والدوام، لَزِمَه الشيء، أي صار واجباً ثابتاً عليه.

الالتزام اصطلاحاً هو: أن يُوجِب الإنسان على نفسه أمراً، إمّا باختياره وإرادته بإلزام الشرع والقانون له.

والالتزام في القانون من حيث المحل ينقسم الى نوعين وهما الالتزام بنتيجة والالتزام بعناية.

فالالتزام بتحقيق نتيجة “غاية”: يكون محله قيام المدين بعمل يؤدي إلى تحقيق نتيجة محددة، كالتزام المقاول بإقامة بناء محدد، والتزام المستعير برد الشيء المعار، والتزام المستأجر بإعادة المأجور بعد انتهاء الإجارة، في هذا النوع من الالتزام تكون النتيجة مقصودة لذاتها، ولا يكون النشاط الذي يبذله المدين لتحقيقها إلا مجرد وسيلة ليست هي محل الالتزام، فإذا لم تتحقق النتيجة كان المدين مسؤولاً.

أما الالتزام بوسيلة: فيكون محله قيام المدين بعمل يبذل فيه المدين العناية المتفق عليها، أو التي يحددها القانون، كالتزام الطبيب، إذ إنه لا يلتزم بشفاء المريض، وإنما يلتزم ببذل العناية المطابقة للأسس العلمية في المجال الطبي والتي تُعرف بـ “عناية الرجل المُعتاد”. وفي هذا النوع يكاد ينحصر محل الالتزام في العناية التي ينبغي على الطبيب أن يبذلها في علاج المريض، أما الشفاء “وهو النتيجة” فيظل أجنبياً عن العقد، لأنه قلّ أن يتوقف على إرادة الطبيب، وإنما يخضع لمشيئة الله التي لا حول ولا قوة للطبيب إزاءها.

السلطة والمسؤوليّة السياسيّة: يعتبر مبدأ التلازم والتناسب بين السلطة السياسيّة والمسئولية من المبادئ الاساسيّة للعدالة، وركيزة أساسية من ركائز الإدارة العامة والنظم السياسية، وحيث أن السلطة تتمثّل في القدرة على صنع القرارات وفرض الطاعة، فإنّ السلطة بدون مسئولية تتنافى مع العدالة لما يؤدى إليه عدم المحاسبة والمساءلة عن ممارستها من تحكم واستبداد، فضلاً الإهمال والاخلال بالواجبات والتقاعس والفشل في تحقيق الأهداف التي منحت من أجلها. وتتدرّج المسؤوليّة بتدرّج السلطة وتناسب طرداً معها، ويكتسب الفرد سلطته من أحد المصادر التالية: “القوة التي يتمتع بها صاحبها، وإرادة الجماعة، والتعيين بواسطة سلطة أعلى”.

وحيث أن المسؤولية السياسية هي التزام كل من يمارس سلطة سياسية “فرداً أو جماعة” بأفعاله أمام الجماعة التي يّمثِّل وتحمّل النتائج المترتبة علي هذه الأفعال والأقوال، الناشئة عن أخطائه أثناء ممارسته للسلطة، التي تؤدّي للإضرار بمصالح الجماعة، أو الناشئة عن فشله في تحقيق الأهداف الأساسية، وتقوم المسئولية السياسية على عنصرين هما: الهدف السياسي والوسائل المستخدمة لتحقيقه والنتائج الملموسة. حيث تعتبر الوسائل هي المعيار في تقييم قدرات وكفاءة المسؤول السياسي التي من خلالها الحكم على نجاحه أو فشله، أو براءته أو إدانته. ومن هنا تأتي ضرورة وجود أليات الرقبة والمحاسبة والعقاب، وجرت العادة أن تكون الثورات هي العقاب الشعبي على الأخطاء السياسيّة الجسيمة، ومن صور الرقابة والمحاسبة السياسية والشعبيّة في الأنظمة السياسيّة “مسؤولية السلطة أمام البرلمان، مسؤولية الحاكم أمام الدستور والقانون وبالتالي أمام المحكمة الدستورية”.

إن “التفاوض” هو الخيار الوحيد والحصريّ للمفاوضين المشاركين في المفاوضات المتعدِّدة مع النظام والذين يمثِّلون أحزاب وتيارات المعارضة السوريّة المُتعدِّدة، التي لا يجمعها أي إطار دستوري أو قانوني أو حتى تنظيمي يحدد واجباتها وحقوقها، وطرق وأساليب الرقابة أو المحاسبة، وهي بالتالي غير مرتبطة مع بعضها بروابط عقدية ولا بروابط تبعيّة لأنها تمثّل ذواتها على مستوى الأفراد وتمثّل مرجعياتها الحزبية والسياسية على مستوى التكتُّلات وبالتالي تحكم تصرّفاتها ثلاث أنواع من أحكام المسؤولية وهي:

المسؤوليّة الفردية: التي تنطبق على تصرفات الأفراد أو ما يسمى “الشخصيّات الوطنيّة” أو المستقلّين حيث تبقى آثار تصرفات هؤلاء حجة قاصرة لهم وعليهم فقط.

المسؤولية العقديّة: على مستوى المستشارين “سوريين كانوا أم غير سوريّين” المرتبطين بالعمليّة التفاوضيّة بعقود تقديم “المشورة القانونيّة والسياسية” وتبقى آثار هذه المسؤولية قاصرة على طرفي العقد.

المسؤوليّة التقصيريّة: والتي تنطبق على ممثلي هيئات وتكتلات المعارضة المشاركة في عمليّة التفاوض سواء في هيئة التفاوض أو في اللجان التفاوضيّة الرئيسية أو الفرعيّة، باعتبار أن علاقتهم مع مرجعياتهم “السياسية والحزبيّة” علاقة تبعيّة “تابع ومتبوع”، وإن كانوا عسكريين علاقة تبعيّة “رئيس ومرؤوس” حيث تُعتبر المسؤوليّة داخليّة ضمن الأطر التنظيميّة لها وتبقى آثار المسؤوليّة قاصرة عليها.

وتبقى آثار مسؤولية هؤلاء جميعاً قاصرة عليهم ولا تتعدّاها لغيرهم باعتبار انهم يمثلون أنفسهم ومرجعياتهم، وكل ما يترتب على تصرفاتهم اتجاه الغير يبقى في إطار “الفُضالة”، لعدم وجود أية رابطة عقديّة أو تبعيّة مع الثورة، أو أية رابطة وصائيّة عليها، وتدور أعمال هؤلاء بين “الإثراء السياسيّ على حساب الثورة وإفقارها سياسيّاً” لذلك نجد أن هؤلاء لا يعتقدون ولا يؤمنون بمسؤوليتهم عن تحقيق الغاية من عدمه، والتالي عن تحقيق غاية الثورة في اسقاط النظام السوري لذا نراهم لا يُقيمون للرأي العام الثوريّ أي وزن، فتتساوى لديهم مشاعر الهزيمة والنصر.

ويبقى الثائر الحرّ هو المسؤول ووفقاُ لقواعد فقه الثورات بتحقيق غاية الثورة، وليس ببذل عنايَة الرجل السياسي “المُعتاد”، إذ الفرق بينهما شاسع فتحقيق الغاية الثوريّة مرتبِط بالوسيلة والهدف فإن كان هدفه إسقاط النظام والانقلاب الجذري عليه فكل الوسائل مشروعة أمامه إلّا التفاوض فهو حرام عليه لأنه تكريس لشرعيّة النظام وبالتالي يؤدّي إلى بقائه الأمر الذي يتناقض مع قيم وثوابت الثورة، ولا عذر لثائرٍ في سبيل ذلك لأن خياراته حصريّة تأتي من حصريّة الهدف، ومن هنا تأتي مسؤوليّته عن الهزيمة وعن النصر، ولأن عمله غير مأجور ومسؤوليته عظيمة من عِظم الثورة فلا يمكن محاسبته محاسبة “المأجورين”، فمسؤوليته أصليّة تستند إلى المشروعيّة الثوريّة وترتبط ارتباطاً وجوديّاً بتحقيق الغايّة، ولا تخضع لأحكام المسؤولية العقديّة أو المسؤوليّة التقصيريّة، أو مسؤوليّة “الفضوليّ” التي يُحكم عليهم من خلال الوسيلة دون الغاية، ولكون هيئات المعارضة بكل مكوناتها لا تخضع لنظم الرقابة والمحاسبة، ولا تربطها أي روابط تمثيليّة، ولكون تصرفاتها تؤثِّر على الثورة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، يبقى الحكم للشعب في الرقابة والمحاسبة عبر وسائله الخاصّة عن طريق المظاهرات أو غيرها من وسائل التعبير المُتاحة.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني