fbpx

الحرب العدوانية على غزة، وملامح ضعف حلقات المقاومة (3)

0 83

خامساً: في استراتيجية الخروج من الحرب؟

إذا كانت إسرائيل قد بادرت بالحرب، وحددت زمانها ومكانها، وفاجأت الجهاد الإسلامي بضربة افتتاحية ناجحة حققت معظم أهداف العملية، فكان الخطر الرئيسي على تثبيت إنجازات الحرب هو اضطرار حماس للخروج من حالة الحياد والانضمام إلى الحملة. هذا التحول في الأحداث كان سيؤدي بالضرورة إلى إطالة زمن الحرب وتوسيع نطاقها، وتآكل نجاحاتها الإسرائيلية، وكان من مصلحة إسرائيل أن تحاول إنهاء العملية، بأسرع ما يمكن.

وهنا يتكامل الدور المصري في خدمة استراتيجية إسرائيل للخروج من الحرب في أفضل الظروف، مع استراتيجية إسرائيل لتحديد ردود افعال حماس!!.

في الوساطة المصرية – القطرية[1]

في نهاية ثلاثة أيام من التصعيد في غزة، أثبتت مصر مرة أخرى مهارتها كوسيط، وحققت وقفاً سريعاً لإطلاق النار، وأثنت عليها جميع الأطراف.

لقد تم التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار بفضل ثلاثة نجاحات مصرية:

  1. منع حماس من المشاركة في المعركة، وقد اعطت منافع تشغيل المعابر الحدودية في رفح وإمداد غزة بالسلع والوقود وعملية إعادة الإعمار في القطاع، القيادة المصرية فرصة استخدام الجزرة بنجاح لإقناع قيادة حماس!.
  2. منح التنسيق المتزايد بين مصر وقطر القاهرة قنوات تأثير أكثر تنوعاً على الجهات الفاعلة، وفي مقدمتها حماس والجهاد الإسلامي وإيران؛ عوضاً عن التنافس على دور الوسيط كما حدث في ظروف مشابهة! لقد تعلمت مصر، وقطر أيضاً العمل معاً، لتحقيق التوازن بين معادلة العصا والجزرة!.
  3. تعهد مصر بالعمل على إطلاق سراح معتقلي الجهاد الإسلامي خليل عواودة وبسام السعدي أعطى الجهاد الإسلامي سلماً للنزول إلى أرض الواقع، وإدراك موازين قواه، وبالتالي إدراك قيادته لأهمية التجاوب مع جهود مصر، دون أن ننسى الموقف الصعب الذي ستكون فيه العلاقات المصرية مع حركة الجهاد، إذا لم تتم الاستجابة لإطلاق سراح المعتقلين في ظل تصريحات إسرائيلية بعدم تعهدها بذلك، وهي إحدى نقاط ضعف شروط وقف إطلاق النار، منعت إغلاق باب المشكلة التي أدت إلى التصعيد – الإفراج عن معتقلي الجهاد الإسلامي في فلسطين – وقد تعطي إسرائيل فرصة جديدة، لشن أخرى! تؤكد هذه المخاوف ما أعلن الأمين العام للجهاد الإسلامي في فلسطين، النخالة، في نهاية المطاف أنه إذا لم يلتزم العدو بتنفيذ المطالب التي وافق عليها، فسنعتبر ذلك انتهاكاً للاتفاق ونستأنف الحملة.

سادساً: ملامح ضعف محور المقاومة!.

إذا كان الهدف الأول للقيادة الإيرانية هو توقيع اتفاق نووي مع الولايات المتحدة يسمح لها بالتنعم بعوائد مالية ضخمة، ويعطيها مبررات التطبيع مع سياسات خصومها في واشنطن، ومنافسيها الإقليميين، في الرياض والقدس المحتلة، وإذا كان من مصلحة النظام السوري الانخراط في سياسات المشروع الروسي – الأمريكي، الساعية إلى خلق تفاهمات مع قوى الصراع الإقليمية، ومرتكزاتها السورية، توفر شروط تهدئة دائمة، تعزز سلطات النظام بالدرجة الأولى على كامل الجغرافيا السورية، فما الذي يمنع قوى الصف الثاني من محور المقاومة إعطاء الأولوية لمصالحها الخاصة!؟.

في اليوم الثالث للعملية، يبدو واضحاً بروز تقاطع مصالح مشتركة بين إسرائيل وحماس، شكل عاملاً رئيسياً في الوصول إلى وقف إطلاق النار، وأحدث شرخاً كبيراً في وحدة المقاومة الفلسطينية!.

عدم اهتمام حماس بدعم الجهاد، وما تبذله من جهد مع المصريين والقطريين لإنهاء العملية، يفسره ما تنعم به قيادة الحركة من ثمار التطبيع مع إسرائيل!.

عدم وجود مصلحة بالمشاركة في الرد على الضربات العسكرية الإسرائيلية، يعود إلى الخشية من أن تضع إسرائيل عراقيل أمام صيرورة التطبيع، خاصة الاتفاقيات التي توصلت إليها حول زيادة عدد تصاريح العمل الممنوحة إلى فلسطينيين من غزة للعمل داخل إسرائيل وخطط إنشاء البنى التحتية الجديدة، التي تمولها قطر، وربما اعتقادها أن النخالة قد تعرض لضغوط، أو حصل على دعم خاص، لتحويل العدوان الإٍسرائيلي إلى حرب شاملة على التخوم الإسرائيلية!.

الوعي الجديد لا يقتصر على حماس!

فقد دعا السيد حسن نصرالله، الأمين العام لحزب الله اللبناني، كل مسلم وعربي إلى مساعدة الجهاد الإسلامي دون أن يدعو أياً من أذرع المقاومة الضاربة للتضامن مع حركة الجهاد.

السيد حسن نصر الله، يُدرك أكثر من غيره، فائدة ما تقدمه ترسانته العسكرية لإقناع القيادة الإسرائيلية بجدوى مشاركته في منافع موارد الغاز الضخمة على تخوم لبنان البحرية مع الدولة العبرية، ويعرف جيداً أهمية تلك الموارد في تعزيز سيطرة الحزب على مفاصل الدولة اللبنانية؛ ولا ضير لإسرائيل في ذلك، طالما ستشكل حوافز تلك الصيرورة المصلحة والحرص على وقف الأعمال العدائية، وتعزيز منافع التطبيع!.

في الختام ودورس الواقع:

إذا كانت المصالح هي العامل الأهم في صناعة السياسات، فهل يمكن تصور إبقاء سياسات قوى محور المقاومة موحدة، في ظروف تتفارق فيها مصالح أطرافها؟.

بكل الأحوال، أعتقد أنه من السابق لأوانه القول باحتمال ظهور تشقق في جدار المقاومة الموحدة، لكن المؤكد أن لسياسات للمصالح الخاصة القول الفصل!.

السلام والعدالة والديمقراطية لجميع شعوب المنطقة المنكوبة!


[1]– علناً، خلال أيام العملية، هاجمت قطر كالعادة إسرائيل بشكل رئيسي على شبكة الجزيرة واستنكرتها. ومع ذلك، ورد أن الإمارة بذلت وراء الكواليس جهوداً لتحقيق وقف إطلاق النار واستخدمت علاقاتها مع إيران لهذا الغرض، لإقناعها للضغط على الجهاد الإسلامي للموافقة على وقف إطلاق النار.

سعت قطر إلى تعزيز وقف إطلاق النار من أجل منع الإضرار بجهود إعادة الإعمار في غزة، ومن باب المصلحة في الحصول على الفضل، لا سيما في واشنطن، كعنصر فاعل يساهم في الهدوء والاستقرار الإقليميين، وبالتالي زيادة مكانتها ونفوذها.

في تقييمها لنتائج الحرب التي ساهمت في وقف معركتها الحالية، تُدرك قطر أن قوة الجهاد الإسلامي في حالة تقهقر، بينما التنظيم الأقرب إليها – حماس – لم يتضرر، بل ويعزز موقعه النسبي في القطاع، وهو ما ينسجم مع سياسيات إسرائيل!.

ضمن هذا الوعي لتقاطع المصالح، من المتوقع أن تواصل قطر تحدي إسرائيل في سياستها، بما يمكنها من لعب دوراً أكثر إيجابية، تستطيع إسرائيل الاستفادة منه في العمليات المستقبلية؛ سواء في جهود الوساطة، أو آليات الحل النهائي!.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني