fbpx

المجتمع والقانون والعدالة الدوليّة على مِحكّ السلاح الكيماوي

0 100

مع صدور التقرير الثالث لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائيّة الذي أعدّه فريق التحقيقي وتحديد الهوية والذي خلُص فيه الى استخدام النظام السوري غاز الكلورين ضد المدنيين في مدينة دوما في 2018/4/7 تتكرر التساؤلات عن ماهية الإجراءات الدوليّة المتوجِّب اتخاذها ضد النظام السوريّ.

تم إنشاء فريق التحقيق وتحديد الهوية بناءً على قرار مؤتمر الدول الأطراف بعنوان معالجة التهديد الناجم عن استخدام الأسلحة الكيميائية بتاريخ 2018/6/27 ويعد الفريق جزءاً من الأمانة الفنية لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية ويعمل في إطار سلطة المدير العام لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية.

وتتمثل ولاية فريق التحقيق وتحديد الهوية التابع لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية في تحديد مرتكبي حالات معينة من استخدام الأسلحة الكيميائية في الجمهورية العربية السورية.

إن فريق التحقيق المستقل مسؤول عن التحقيق فقط في الحالات التي قررت فيها بعثة تقصي الحقائق حدوث استخدام أو احتمال استخدام أسلحة كيميائية في سورية، بالإضافة إلى الحالات التي انتهت صلاحية آلية التحقيق المشتركة بين منظمة حظر الأسلحة الكيميائية لم يصدر تقريرا فيها. وقد قرّرت البعثة استخدام غاز الكلورين في مدينة كفرزيتا من قبل النظام السوري بتاريخ 2016/10/10 واستخدام السارين أو سلائف السارين في خان شيخون بتاريخ 1-4/04/2017/ وأنّ عدد “الحالات التي يتم التحقّيق فيها خلال الفترة ما بين عامي” 2015 و019 ” بلغ “155” حالة.

تم تكليف فريق التحقيق المستقل بتقصي الحقائق وهو ليس هيئة ملاحقة قضائية أو قضائية، فهو ليس مسؤول عن تحديد المسؤولية الجنائية للأفراد أو المنظمات أو الدول، وإنّ معيار الإثبات لدى الفريق هو توفّر “أسباب معقولة” للشك في أن فرداً أو كياناً متورط بشكل مباشر أو غير مباشر في استخدام سلاح كيميائي. هذا هو المعيار الذي تطبقه بعثات تقصي الحقائق ولجان التحقيق الدولية للوصول إلى النتائج.

وقد توصّل الفريق الى النتائج الرئيسية التالية: حدّد الفريق المستقل الدولي أن القوات المسلحة للجمهورية العربية السورية هي الجناة في الحالات التالية لاستخدام الأسلحة الكيميائية في سورية:

–      ثلاث حالات في اللطامنة في آذار 2017 حيث استخدم فيها “غاز السارين وسلائف السارين والكلورين”.

–      حالة واحدة في مدينة سراقب في شباط 2018 حيث استخدم فيها “غاز الكلورين”.

–      حالة واحدة في دوما في أبريل 2018 حيث استخدم فيها “غاز الكلورين”.

يقدم الفريق المستقل الدولي تقارير منتظمة عن تحقيقاته ونتائجه إلى المجلس التنفيذي لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية والأمين العام للأمم المتحدة. كما يقوم بتقديمها إلى آلية التحقيق التي أنشأتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في القرار “71/248” لسنة 2016 وهي “آلية دولية محايدة ومستقلة للمساعدة في التحقيق ومقاضاة الأشخاص المسؤولين عن أكثر الأشخاص خطورة، عن الجرائم المرتكبة في سورية منذ آذار 2011”.

الإجراءات الواجب القيام بها بعد صدور التقارير الثلاثة:

بعد ثبوت إنتاج واستخدام السلاح الكيماوي من قِبل النظام السوري وتحديد أسماء وهوية المسؤولين عن ذلك، يتوجّب على المجلس التنفيذي لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائيّة إبلاغ الدول الأطراف بما توصّل اليه من نتائج تؤكّد إنتاج واستخدام النظام السوري السلاح الكيماوي “السارين وسلائف السارين، والكلورين” بعد تاريخ 2013/9/27 استناداً للفقرة “35” من المادة الثامنة من اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائيّة،التي أوجبت عليه عند النظر في أي قضية أو مسألة تدخل في اختصاصه وتؤثر على الاتفاقية وتنفيذها، بما في ذلك الشواغل المتعلقة بالامتثال وحالا ت عدم الامتثال، وعند الاقتضاء، إبلاغ الدول الأطراف ولفت انتباه المؤتمر إلى القضية أو المسألة.

وعليه أيضاً إبلاغ الجمعيّة العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدوليّ بذلك استناداً للفقرة “36” من المادة الثامنة من الاتفاقية، والتي توجب عليه عند نظره في الشكوك أو الشواغل المتعلقة بالامتثال وحالات عدم الامتثال، وفي حالات الخطورة والإلحاح بشكل خاص، عرض المسألة أو المسألة مباشرة على الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

واستناداً لإبلاغه من قبل المجلس التنفيذي يتوجّب على مجلس الأمن الدوليّ التحرّك وتفعيل المادتين “15و21” من القرار “2118” لعام 2013 والمادتين “6و7” من القرار “2209” لعام 2015 الذي اعتبر أنّ استخدام غاز الكلور كسلاح هو انتهاك لاتفاقيّة حظر الأسلحة الكيميائيّة، والّلتان تنصّان على وجوب فرض تدابير على النظام السوري تحت الفصل السابع، في حال عدم امتثاله للالتزامات الواردة في كلا القرارين، أو عدم التعاون مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، أو في حال ثبوت إنتاج وتصنيع واستخدام السلاح الكيميائي بعد تاريخ 2013/9/27 وهو ما أكّدته التقارير الثلاثة للفريق حيث استخدم السارين وسلائف السارين في اللطامنة واستخدام الكلور السام في كلٍّ من سراقب ودوما.

وعلى الجمعيّة العامة للأمم المتحدة أيضاً بعد إبلاغها من المجلس التنفيذي يمكن لها طلب عقد جلسة طارئة لتفعيل القرارين المذكورين عن طريق مجموعة الدول التي أنشئت في العام 2018 ما يُسمّى “الشراكة الدولية من أجل مكافحة إفلات مستخدمي الأسلحة الكيميائية من العقاب” والتي تضم “40” دولةً بالإضافة للاتحاد الأوروبي والتي حدّدت أهدافها بمكافحة إفلات جميع الجهات المتورطة في انتشار الأسلحة الكيميائية واستخدامها من العقاب. واستناداً للمادة “11” من ميثاق الأمم المتحدة بإمكان هذه الشراكة حشد اغلبيه من أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة لعقد جلسة طارئة، لإدانة روسيا بالتواطؤ والاشتراك في تنفيذ هذه الهجمات وخاصّة في مدينة دوما وفقاً لما ورد في التقرير الثالث، ولبحث آلية تفعيل آليات تطبيق القرارين خارج إطار مجلس الأمن تجنّبا لاستخدام روسيا أو الصين لحقّ النقض ” الفيتو”، وتطبيق المواد “39 الى 42” من الميثاق، في حال عجز مجلس الأمن الدولي عن اتخاذ أي قرار بسبب الفيتو.

الإمكانيات المتاحة للمحاسبة

1-     موجبات اللجوء للفصل السابع:

•       استخدام الأسلحة الكيمائية يعتبر تهديدا للسّلم والأمن الدوليّين: وفقاً لما ورد في ديباجة قرار مجلس الأمن الدولي رقم “2118” لسنة 2013 أن انتشار الأسلحة الكيميائية وكذلك وسائل إيصالها يشكل تهديدا للسلام والأمن الدوليين،

•       ارتكاب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانيّة والعدوان والإبادة يُعتبر تهديدا للسّلم والأمن الدوليّين وفقاً لما ورد في ديباجة نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائيّة الدوليّة الذي جاء فيه: ” وإذ تسلم بأن هذه الجرائم الخطيرة تهدد السلم والأمن والرفاء في العالم”.

•       ارتكاب النظام الروسي أعمالا تُعتبر من قبيل العدوان المنصوص عنه بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم” 3314″ لسنة 1974 من خلال قيامها بإرسال عصابات وجماعات مسلحة وقوات غير نظامية ومرتزقة من قبلها مثل منظّمتي ” فاغنر” و”الجيش الإمبراطوري” وغيرهما للقتال إلى جانب ميليشيات النظام، وتجنيد ميليشيات طائفيّة من أبناء الطوائف والأقليات السوريّة كمرتزقة تقاتل تحت قيادتها في سورية وفي أوكرانيا وليبيا وأرمينيا”.

•       ما يجري في سورية هو جريمة دولية: باعتبار أن الجرائم التي ترتكبها الأنظمة الثلاث ” السوري والروسي والإيراني ” تؤدي للإخلال بالنظام العام الدولي ” الإخلال بقانون الشعوب” كونها تضرب التعايش السلمي بين الشعوب الذي يعتبر الركيزة الأساسية للسلم والأمن الدوليّين. مما يُرتِّب اختصاص عالمي في إيقاع العقاب ويعطي كل دولة من الدول الحق بمعاقبة مرتكبي الجريمة الدوليّة بغضّ النظر عن جنسيّتهم أو مكان ارتكابهم الجريمة الدولية، ويمنحها محاكمتهم أمام محاكمها الداخليّة.

•       البيان الختامي الصادر عن قمة مجلس الأمن خلال الدورة “48” للجنة حقوق الإنسان لسنة 1992 الذي عالج فيه موضوع حقوق الإنسان بوصفه جزءا من السلم والأمن الدوليين والذي جاء فيه : ” يلاحظ أعضاء مجلس الأمن أن مهام الأمم المتحدة حول حفظ السلام قد توسعت في السنوات الأخيرة، فإن مراقبة الانتخابات والتحقق من احترام حقوق الإنسان، وتوطين اللاجئين كانت ضمن تسوية الخلافات بطلب أو موافقة الأطراف المعنية، فإنها قد أصبحت جزءا من عمل اكـثر اتساعا لمجلس الأمن يستهدف حفظ السلم والأمن الدوليين، وان أعضاء مجلس الأمن يرحبون بهذا التطور…”.

2-     الإجراءات المفتوحة أمام مجلس الأمن الدوليّ بموجب الفصل السابع

•       وقف الصلات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبريدية والبرقية واللاسلكية وغيرها من وسائل المواصلات وقفا جزئياً أو كليا وقطع العلاقات الدبلوماسية. المادة “41” من الميثاق.

•       استخدام القوات الجوية والبحرية والبرية للقيام بالأعمال اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولي أو لإعادته إلى نصابه.” المادة “42”.

•       الإحالة إلى المحكمة الجنائيّة الدولية من قبل مجلس الأمن الدولي وفقاً للمادة “41” من ميثاق الأمم المتحدة واستناداً للمادة “13/ب” من نظام روما للمحكمة الجنائيّة الدوليّة، وفي هذه الحالة لا تتعلّق الإحالة على توفّر الشروط الواردة في المادة “12” وهي ارتكاب الجريمة بمعرفة مواطني أحد مواطني دولة طرف أو على إقليم تلك الدولة، والشرط الوحيد هو وجود “تهديد السلام والأمن الدوليّين”. باعتبار أن الخضوع لهذه الإجراءات الدوليّة نابع عن القبول المُسبق من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة عند انضمامها وتوقيعها على ميثاق الأمم المتحدة عملاً بالمادتين “24و25” منه.

3-     المدّعي العام للمحكمة الجنائيّة الدوليّة:

•       يمكن دفع المدعي العام للمحكمة الجنائيّة الدوليّة للتحرّك من تلقاء نفسه من خلال تقديم “المعلومات والتقارير والملفات” من قِبل منظمة حظر الأسلحة الكيميائيّة، أو من قِبل الدول، أو أجهزة الأمم المتحدة أو المنظمات الحكومية الدولية أو غير الحكومية، استناداً للمادة “15” بدلالة الفقرة “ج” من المادة “13” من نظام المحكمة الأساسي. وفي هذه الحالة أيضاً لا يتوقّف أمر فتح التحقيق على توفّر الشروط الواردة في المادة “12”، وإنّما على إذن الدائرة التمهيديّة للمحكمة وفقاُ للفقرة “3” من المادة “15” منه.

4-     الجمعيّة العامة للأمم المتحدّة:

•       وحيث أنّ قرار الإحالة من مجلس الأمن يعتبر من القرارات الموضوعية فيحتاج لموافقة أصوات تسعة من أعضائه يكون من بينها أصوات الأعضاء الدائمين متفقة، بشرط أنه في القرارات المتخذة تطبيقاً لأحكام الفصل السادس والفقرة “3” من المادة”52″ يمتنع من كان طرفاً في النزاع عن التصويت. وتعتبر الإحالة ملزمة لقضاء “النظام” عملا بالمادة”103″ من ميثاق الأمم المتحدة إذا تعارضت الالتزامات التي يرتبط بها أعضاء “الأمم المتحدة” وفقاً لأحكام هذا الميثاق مع أي التزام دولي آخر يرتبطون به فالعبرة بالتزاماتهم المترتبة على هذا الميثاق.

•       ففي حال فشل مجلس الأمن من اتخاذ الإجراءات المذكورة أعلاه تحت الفصل السابع بسبب استخدام ” الفيتو” من قِبل أي دولة تملك حق استخدامه، يمكن للجمعيّة العامة للأمم المتحدة اتخاذها استناداً لقرارها رقم “377” لسنة 1950 المعروف بـ “الاتحاد من أجل السلام” وفقاً للإجراءات المنصوص عليها بالمواد “20” من ميثاق الأمم المتحدة والمواد “7و8و9و10” من نظامها الداخلي.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني