fbpx

أوهام تعويم الأسد

0 5٬326

بين فترة وأخرى وعلى امتداد سِنيّ الثورة تكثر التحليلات والتنبّؤات عن نِيّة أو قرار دولي وإقليمي بإعادة تعويم الأسد، ويمكن أن تستند تلك المزاعم على مقال في جريدة أو خبر في موقع، ويتلقّفه ويّضخّمه ويُروّجه أناس لأهداف مختلفة، منهم عدم معرفة أو إحاطة بسياقات الخبر والمقاصد منه، ومنهم من يُروّج ذلك عمداً لحصد مشاهدات ولايكات لأنّ هكذا أخبار تمّسّ صميم حياة السوريين في الشمال وبلدان الجوار، ومنهم من يستمتع بِجلد الذات وتجريم الضحية وخذلان الجميع لها، وبالطبع منهم من يحاول زرع فكرة اليأس وكسر الإرادة عند السوريين وإثبات فشل رهاناتهم وضياع تضحياتهم وبالتالي إعطاء هدايا النصر المجانية لرجل مهزوم ومنبوذ وإبقاء الحاضنة متماسكة خلفه كون أنّها سئِمت من انتصارات ردّدتها لسنوات أبواق النظام ولم تلمس ثِمارها على الأرض وبالتالي لم تعُد تُصدّقها.

ولكن أن تأتي الانتصارات من أبواق محسوبة على الثورة عندها يتم التعامل معها بطريقة أخرى، بمعنى إذا أتى الاعتراف بالهزيمة من العدو فلماذا لا نعترف نحن بانتصارنا، وهو بالضبط ما يريد ترسيخه نظام الأسد.

 وأعتقد أنّ نظام الأسد (بِجهله وجبروته) لم يترك خطّاً للرجعة سالكاً لا مع المنتفضين عليه ولا حتى مع المحيط العربي والدولي حيث بالغ وبدون أسباب موجبة بارتكاب ما لا يخطر على بال من مجازر ودون تعمّد إخفائها بل أحياناً هو من يُسرّب صورها وتفاصيلها،

وتلك أعمال لا يمكن تجاهلها وقد تمّ بناء قانون قيصر على إحدى تلك الجرائم، ظ

وبالطبع راود الأسد حلم الانتصار واعتقد أنّ المنتصرين لا يُحاسبون بل يتمّ محاسبة ضحاياهم وأظنّه كان واهماً بالاستناد إلى تحالفه مع إيران وروسيا وارتكابهما أبشع المجازر في سوريا، وبالطبع من سيحاسب موسكو؟ ومن سيحاسب طهران؟ وبالتالي ربط مصيره معهما، وقد يكون ذلك خياره الوحيد عندما بدأت الأرض تميد من تحت قدميه.

ولا أنطلق من اعتبار التطبيع مع الأسد مجرد اوهام من فراغ بل لابُدّ من التوقف عند النقاط التالية:

  1. يخلط كثيرون بين إعادة علاقات دبلوماسية مع دولة وبين اعتبار أنّ تلك الدولة طبيعية وبالتالي يتمّ الاعتراف بشرعية نظام الحكم فيها، حيث إنّ نظام الأسد مازال يشغل مقعد سوريا في الأمم المتحدة ويحتكر التمثيل القانوني للسوريين، ومع أنّ بعض الدول لها علاقات دبلوماسية معه فإنّ من يعتبر نظام الأسد طبيعياً لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة.
  2. لاشكّ أنّ إعادة علاقات دبلوماسية (وليس تطبيع) بين تركيا ونظام الأسد قد أصبح من الماضي رغم كل الجهود الروسية التي بُذِلت لتحقيق اختراق صوري في ذلك المسعى بحيث يُحسب تسجيل نقاط لموسكو على حساب واشنطن في حلبة صراع واحدة. حتى أنه لم تجرِ أي محاولة جديّة على الأرض لبناء الثقة بين مناطق المعارضة المدعومة من تركيا وبين مناطق نظام الأسد، ولازالت الجبهات تشتعل بين الفينة والأخرى بل إنّ خطوط القتال مُرشّحة للانزياح بِتغيّر موازين القوى على الأرض التي أنتجت تلك الخطوط وهنا أقصد الضعف والانحلال الذي يعتري روسيا وإيران في سوريا.
  3. لا يُمكن فهم طبيعة الصراع في سوريا وانعكاسه على مستقبل القضية السورية، دون إدراك انتهاء التفويض الأمريكي لروسيا بإدارة الملف السوري قبل وقوع الغزو الروسي لأوكرانيا بمدة ليست بالقصيرة، ثُمّ انقطاع أيّ تواصل بين موسكو وواشنطن بعد الغزو الروسي في كلّ الملفات بينهما ومنها الملف السوري، حتى إنّ قراراً لتمديد إدخال المساعدات الإنسانية لسوريا لم يتمّ الاتفاق على آلية لتمديده.
  4. الاستدارة العربية نحو دمشق كآخر أمل راود بعض العرب بإحداث شرخ بين نظام الأسد وإيران، ذهب هذا الأمل أدراج الرياح وأوقف العرب محاولاتهم الدبلوماسية اليائسة والخجولة، وترسّخت قناعة من حاول ذلك بأنّ الأسد ذيل إيراني منذ نصف قرن ولا يمكن إصلاح اعوجاجه بالقالب العربي. ولم يكن العرب غافلين عن فهمه إذ لم يُقدّموا له دولاراً واحداً، وانهارت الليرة الأسدية انهياراً مُريعاً بعد حضور الأسد للقمة العربية في جدة في أيار الماضي.
  5. يمتلك الأسد قُدرة هائلة على الإنكار المطلق لأي حدث رآه العالم بأعينه، ويملك مناعة قوية ضِدّ أي إصلاح قد يعتري بنية نظامه، لذلك سيّعطّل الأسد أي مسعى للتقارب معه، وكانت مقابلات الأسد الأخيرة التلفزيونية تُؤكّد ذلك إذ لم يُبدِ أيّ استعداد للاعتراف بأيّ خطأ بل قال إنّ الزمن لو عاد للوراء لتصرف بنفس الطريقة، ولأنّ الأسد منفصل عن الواقع فإنه غير مُستعدّ لمناقشة أيّ حل سياسي ويعتبر أنه غيّر الدستور وأجرى انتخابات رئاسية وبرلمانية وأصدر عدة قرارات لإخراج المعتقلين لديه، وبالتالي هو أنجز المطلوب منه في القرارات الدولية.
  6. يُدرك الأسد أنّ مشكلته الكبرى والأساسية مع الولايات المتحدة وحلفائها، وذلك في الموقف السياسي ومن خلال القوانين الأمريكية التي صدرت (أو التي في طريقها للصدور) وإنها العائق الرئيسي في عدم تعويمه، حيث لم تتمكن روسبا من ذلك في ذروة قوتها ونشوة انتصاراتها في سوريا، ولم تتمكن إيران من ذلك في ذروة تخادمها مع الولايات المتحدة بعد توقيع الاتفاق النووي، فكيف وقد اختلفت الظروف الآن.
  7. من المعلوم أنّ أكثر عقبة تُواجه تعويم النظام هي أنّه لا يُمثّل بمفرده عنواناً وحيداً لسوريا، بل إن كلّ القرارات الدولية تُعطي عنوانين للقضية السورية هما نظام ومعارضة شرعية مُعترف بها دولياً وتُمثّل جُزءاً مهماً من السوريين، وبالتالي إذا مثّل النظام الدولة السورية قانونياً في المحافل الدولية فإنه ليس شرعياً أو مُؤهلاً لتمثيل كلّ السوريين وتوجد الآن عملية سياسية ترعاها الأمم المتحدة مستندة لقرارات من مجلس الأمن، حيث يتمّ محاولة كتابة دستور جديد لتلك الدولة يشترك فيها خصوم النظام بإشراف دولي، وبالتالي لا يُمكن للنظام القفز فوق كل تلك الحقائق.
  8. فشل مسار أستانة الذي راهن عليه الروس فشلاً ذريعاً بإعادة تعويم الأسد عبر حلّ يتمّ تفصيله على مقاسه، وطي صفحة الحل الدولي، حتى إن ذلك المسار البائد قد لا يمنع من إدارة عملية الصراع بين القوى العسكرية الخارجية على الأرض السورية إذا ما شعر أحد الأطراف أنّ بإمكانه انتزاع أكثر مِمّا بحوزته.
  9. إنّ إصرار المبعوث الدولي بيدرسون على عقد اجتماعات الجولة التاسعة من اللجنة الدستورية في جنيف والتي رفضها الروس رفضاً مُطلقاً منذ عامين وعدم الموافقة على عقدها في أيّ دولة أخرى تضمّ بعثة رسمية للأمم المتحدة، أو عقدها في عاصمة توافق موسكو ونظام الأسد عليها (بغداد، مسقط) وتوجيه المبعوث الدولي دعوات رسمية في الزمان والمكان، قد يكون الهدف الأبعد منه إبعاد موسكو عن العملية السياسية وإجبار الأسد على عدم الحضور وإظهاره بمظهر الرافض للحل السياسي، ولا نعرف التسريبات التي تمّ تقديمها عن احتضان الرياض للاجتماعات وهل ستتحقق وتوافق المملكة على ذلك، ويبقى إن واففت الرياض على ذلك فإنه إرغام له على الحضور إلى مكان لم تختره موسكو ودمشق وتبقى الرياض صاحبة الدور الأكبر في إنشاء هيئة التفاوض السورية ولازال مقرّها موجوداً فيها.
  10. ما يُروّج عن مخاوف من خطة أممية لتفعيل برامج التعافي المبكر قبل انتهاء الصراع وينال نظام الأسد الحصة الأكبر منها ما هو إلا لترميم بعض البنى التحتية والمستشفيات والمدارس، لأن مُؤشّرات انهيار ما تبقى من مؤسسات خدمية للنظام هي مؤشرات كبيرة وخطيرة وأظنّ أنّ المجتمع الدولي لن يوافق على انهيار تلك المؤسسات الخدمية حيث كانت تجربة انهيار ما تبقى من مؤسسات الدولة العراقية بعد الغزو الأمريكي كارثية على المستويات كافة.

لذلك وبناءً على النقاط العشر السابقة لا أرى أيّ أمل لنظام الأسد في إرجاع عجلات الزمن للوراء وكأن شيئاً لم يكن.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني