fbpx

الكرامة الإنسانية

0 17

ونكتب مرة أخرى عن الكرامة الإنسانية، هذا المصطلح الذي بات عزيزاً على الإنسان العربي بعد تجربة طويلة من فقدانها في عدد كبير من بلداننا، بفعل الدكتاتوريات العسكرية والأمنية. ودون الدخول في المفهوم الفلسفي للكرامة، نقول: كرامة الإنسان هي الحفاظ على حقه الطبيعي والمدني والاجتماعي، وبخاصة الحق في حرية إرادته.

أجل، من أهم معايير الكرامة أن تفعل ما تمليه عليك ذاتك بإرادة حرة، دون خرق حق أحدٍ من الناس أو الاعتداء على حق آخر، سواء كان هذا الحق طبيعياً أو قانونياً. وأن تغضب حين تُحمل على فعل ما لا تريد.

وهذا تأكيد على أن هناك ترابطاً وثيقاً بين الكرامة والحق والحرية والإرادة. ولا يمكن أبداً أن نعزل عنصراً من هذه العناصر المشكّلة لبنية الكرامة. حتى إن حرمان الإنسان من أحد هذه العناصر لا يعني سوى الاعتداء عليه، قولاً واحداً. ولو توقفنا عند كل عنصر من عناصر الكرامة الإنسانية، من حيث النتائج المترتبة على سلبه، لأدركنا دون عناء الأسباب العميقة لتمرد الناس وثوراتهم.

فإن لم تُشبع حاجات الإنسان البيولوجية وتلك التي تساعده على البقاء، والحاجات التي صارت أساسية للعيش الكريم، فإن الإحساس بالمهانة يصل إلى حد ارتكاب أنماط عنفية من السلوك. ثم إن كل سلوك غير حر ناتج عن ضغط الحاجة لتلبيتها يقود إلى إيذاء الكرامة. وكل حالة إهانة للكرامة البشرية تولد حالة من الوعي العدواني.

فضلاً عن ذلك، فإن سلب الحق في تلبية الحاجات لأي سبب من الأسباب، من قبل قوة خارجية، بوصفه سلباً للكرامة الإنسانية، يجعل من هذه القوة الخارجية موضوعاً لغضب مؤجل.

وإذا قلنا إن ثورة الشعب السوري هي ثورة كرامة، فإنما نعني ثورة ضد ما لا يُطاق من سلوك مناقض للإرادة، وتحرراً من إيذاء تلبية الحاجات التي خدشت الكرامة.

ولهذا، فإن الغضب الثوري هو عملياً: غضب ممن سلب حق الكرامة، وغضب من الذات التي خنعت لهذا السلب بصور شتى، وغضب حفاظاً على الذات من الخنوع.

ومن الطبيعي في حال صراع كهذا، بين شعب ثار من أجل الحق في الكرامة وجماعة سَلبت هذا الحق، أن يكون لدينا خطابان: خطاب الكرامة وخطاب الخنوع. وإذا كان خطاب الكرامة واضحاً وصريحاً وشجاعاً ومصدر فخر لصاحبه، فإن خطاب الخنوع متعدد الأوجه، يختفي وراء الشعارات الزائفة، ويتوارى وراء علمانية فقيرة، متجاهلاً النداء العلماني الحقيقي الذي صدحت به الحناجر: “الشعب يريد إسقاط النظام.”

“الشعب يريد” تعني كل الشعب، وباشتراك كل الشعب، والبديل هو كل الشعب دون فرق بين أفراده. وخطاب الكرامة لا ينفصل عن خطاب “الشعب يريد”، عن خطاب الإرادة الحرة والمشيئة الحرة. فيما خطاب الخنوع هو خطاب الجماعات الضيقة وعياً وانتماءً.

ومن أخطر الخطابات التي تنال من الكرامة الإنسانية، تلك التي تختفي وراء الكرامة القومية الزائفة. والكرامة القومية الزائفة هي أيديولوجيا فاقدة للارتباط بالواقع، بل هي أيديولوجيا قومية وممارسة غير قومية، ممارسة طائفية. فيكون الدفاع عن الدكتاتورية المعادية للكرامة الوطنية والقومية عبر الاتكاء على أيديولوجيا زائفة. فنحصل على خطاب معادٍ للربيع العربي وثوراته التي أعلنت الكرامة هدفاً نبيلاً وبذلت النفس من أجله.

والحق إن الكرامة الفردية، بوصفها حقاً إنسانياً، لا تنفصل إطلاقاً عن الكرامة الوطنية. والكرامة الوطنية هي أساس صلب للكرامة الفردية.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني