لا حِياد في معرِض الدفاع عن قضيّة
استوقفني موقف بعض الأصدقاء العاملين في المنظّمات المحسوبة على الثورة أو المعارضة على مختلف أنواع أنشطتها وأخصّ منها “الإنسانيّة والحقوقيّة” القائم على حرصهم على إعلان الحياد المُطلق في تعاطيهم للقضايا الثوريّة المُلِّحة، وذلك من خلال تبنّي مبدأ فصل العمل الإنسانيّ والقانونيّ عن العمل السياسي، عبر تحاشيهم بيان موقفهم الثوريّ الحقيقي من النظام وأركانه أو من حلفائه، أو حتى التعرّض لمواقف بعض الدول التي تقوم بتغيير موقفها منه سواء كان تطبيعاً أو تساهلاً معه، خشية فقدان حياديّتها أو صفة الإنسانيّة أمام بعض الدول أو الجهات الداعمة أو المموّلة لنشاطاتها. ما يُعبّر عن فهم خاطئ لمبدأ الحياد.
فغالبيّة المنظمات والمؤسسات والهيئات تعمل باسم الثورة والمعارضة وإن صُنِّفت على أنّها منظمات إنسانيّة أو حقوقيّة غير ربحيّة، كون نشاطها يقتصر على المناطق المحرّرة والقضايا التي نشأت عن إجرام نظام أسد وحلفائه، وهذا يعني من حيث المبدأ أن الحكومات والدول والجهات التي منحت التراخيص القانونيّة والهبات والمِنح والتمويل لهذه المنظّمات تعلم عِلم اليقين خلفيّتها وخلفيّة العاملين فيها، ومآل التبرعات والمُساعدات، ومطارح صرفها مُسبقاً وبالتالي لا مبرِّرَ للخوف من عدم الحياديّة الذي لا يؤثِّر على وضعها القانوني، ولا على مصادر التمويل لأنّها تقوم بنشاطها وفقاً لوثيقة الترخيص.
وأنّ أغلب الناشطين وأبرزهم في هذه المنظّمات هم من الثوار أو من المعارضين الحقيقيّين لنظام أسد وبالتالي فهم أصحاب قضيّة، وقضيّة كل السوريين الأحرار هي الخلاص من نظام الاستبداد والإجرام باعتبار أن ذك حقّ تقرّه شرعة حقوق الإنسان كونه “حق تقرير مصير” وهو من حقوق الإنسان الأساسيّة، مما يشرّع لهم الوصول إليه بالطرق المشروعة كافة، وإن إعلان موقفهم “المُعادي” لنظام أسد وحلفائه أو من يتواطأ معه هو أقلّ ما يُمكن القيام به، ليصل حقّهم في مقاومته بكل الطرق المشروعة.
إنّ نظام أسد وحلفائه طرف في معادلة “النزاع السوريّ” وفق تعبير الأمم المتحدّة، وهذا يُحتِّم على المجتمع الدولي معاملتنا على سويّة واحدة معهم كوننا أطراف في نزاع داخليّ أو نزاع “مدوّل” وعليه – أي المجتمع الدولي – واجب التزام الحياد، وعدم التدخّل في شأن الثورة مثلما يتعامل مع النظام بمنتهى الحياد، وهذا الحياد الواجب على الأمم المتحدة بموجب قوانينها وأنظمتها الداخليّة يُعطينا الحقّ بالوقوف أمام أي انحياز لها إلى جانب النظام، سيما وأنّها تتعامل مع قضيّتنا من مبدأ الرعاية لا من مبدأ الحِماية، فدورها كراعية يستند إلى الفصل السادس ويقتصر على التركيز على البعد الإنساني وتسيير وصول الغوث الإنساني، وعمليات الوساطة وتقديم المبادرات السلمية ورعاية المفاوضات. بينما واجب الحماية يقتضي إلزام النظام قسريّاً بوجوب احترام القانون الدوليّ والقرارات الدوليّة ذات الصِلة بالقضيّة السوريّة، استناداً لأحكام الفصل السابع والذي لن تصل إليه الأمم المتحدة مادام النظام الروسي وحليفه الصيني يملكان حق النقض “الفيتو”.
ومن المعلوم بأن النظام السوريّ شريك في أنشطة جميع المنظمّات الإنسانيّة الدوليّة والإقليميّة التي تعمل في سوريّة على ضفتيّ الصراع سواء في المناطق المحررة ومناطق سيطرته، وله عدد معلوم من المراكز الوظيفية والإدارية في تلك المُنظّمات يتم تعيين مندوبيه وممثّليه وفقا لإرادته ولا تتدخّل إدارة تلك المنظّمات بذلك لا من قريب ولا من بعيد، وهؤلاء شركاء في إعداد الدراسات والمشاريع، وشركاء في تنفيذها، وشركاء في الرقابة، وشركاء في كل البيانات الخاصّة بعمل هذه المنظّمات، أو ببيانات ومشاريع المنظمّات “الشريكة” لها أو المتعاقدة معها لعاملة في المناطق المحرّرة. وهؤلاء الموظّفون يمارسون تشبيحهم على كل العاملين في هذه المنظمّات بكل وقاحة، ولا يخجلون من هذه الممارسات، ولا يُخفون حتى انتمائهم الطائفي والتعبير عنه بمنتهى الصفاقة دون أي محاسبة، فمن باب أولى أن يُعبّر الأحرار العاملين في هذه المنظمّات عن مواقفهم السياسيّة والأخلاقيّة والثوريّة والإنسانيّة في مواجهة هؤلاء الأرذال.
من هنا وبناء على ما سبق أتمنّى على الأصدقاء العاملين في المنظمات المحسوبة على الثورة أو المعارضة الذين يخشون التعبير عن موقفهم السياسي والثوري بحجّة الحفاظ على “حياد ومصداقيّة” المنظّمة أن يعيدوا النظر بمفهومهم لمبدأ الحياد. فإنّه لا حياد لصاحب قضيّة مُحقّة، ولا لوم على صاحب قضيّة فيما يقوم به من الترويج لقضيّته، أو ما يُدعِّم به قضيِّته، أو بما يقوم به من أعمال الدفاع عنها، فكل تلك الممارسات هي حقوق مشروعة لصاحب القضيّة، لا يحقّ لأحدٍ مصادرتها، أو لومه على ممارستها، أو مُعاقبته أو التضييق عليه لإجباره على التنازل عنها أو التفريط بها.
وإنّ العمل الإنساني والحقوقي والإعلامي هو أحد وسائل الثورة، ولا ينتقص من مصداقيتها أو مصداقيّة العاملين فيها عدم حيادتيهم اتجاه كل ما لا يخصّ الثورة وأهلها لأن نطاق عملهم ونشاطاتهم محصورة في مناطها، أو السوريين المهجّرين قسريّا في دول اللجوء مما يعني حصر مسؤوليتهم عن ذلك فقط.
الحياد المطلوب على مستوى تلك المنظّمات هو الحياد تجاه من يُقيم في مناطق عملها سواء في المناطق المحرّرة أو دول اللجوء ممن يستفيد من خدماتها ومشاريعها فقط، فالحياد هنا واجب في تقديم الخدمات بغضّ النظر عن الانتماء العرقي أو الديني أو المذهبي أو الطائفي أو المناطقي أو اللون أو الجنس للمستفيدين من تلك الخدمات في تلك المناطق الخارجة عن سيطرة النظام.