fbpx

من دِهنُهْ قَلّيلُهْ

0 157

تعمل سلطات النظام السوريّ وعبر وزارة التنمية الإدارية على وضع خطّة «إنقاذيّة» لترميم النقص الحادّ في الموارد البشريّة التي تعاني منها المؤسسات الحكوميّة الناتجة عن سياسة النظام التي أدّت الى انشقاق الكثير من الموظفين بسبب عدم قبولهم الاشتراك في جرائمه ضد الشعب السوريّ، وتهرّب قسم منهم من التجنيد القسري في صفوف الميليشيات الرديفة، وهروب قسم آخر بسبب محدوديّة الأجور والرواتب وانخفاض القيمة الشرائيّة لليرة السوريّة.

ومن هذه الخطط على المستوى الإداري دعوة كبار الموظفين والاداريين المحالين على التقاعد خلال الخمس سنوات السابقة، تحت ذريعة الحاجة” للاستعانة بخبرات “عتيقة وعميقة ” حسب رواية اعلام النظام عبر آليّة توزيع استمارات من قبل النقابات المتخصّصة يمكن أن يملؤها المتقاعد الراغب بالعمل في الشأن العام، تتضمن معلومات وبيانات والسيرة الذاتيّة يشمل الشهادات والمواقع والتدرجات الوظيفية كل حسب الاختصاص الذي عمل به، بشرط اللياقة الصحية والبنية الجسدية التي تمكن المتقاعد الراغب بالتعاقد من القيام بالمسؤوليات المطلوبة منه.

وبحسب مؤسّسة التأمينات الاجتماعية أن هناك 750 ألف متقاعد مسجلين، جلّهم وفق قراءات الواقع ينشطون في أعمال وميادين شتى قد لا تكون من اختصاصهم ففي دراسة سابقة أجرتها الهيئة السورية لشؤون الأسرة والسكان، خلُصت إلى أن 95 بالمئة من المسنين يقومون بعمل إضافي بعد التقاعد لزيادة دخلهم، فيما كشف مكتب الإحصاء المركزي أن معظم المسنين يمارسون أعمالاً شاقة لأنها توفر دخلاً ممتازاً مقارنة بالأعمال الأخرى، في ظل معاناة معيشية قاسية تجمع الموظف والمتقاعد في آن، يضاف إليها الجانب المتعلق بفاتورة الاستشفاء والأدوية المزمنة للمتقاعدين.

ويعيش هذا النظام حالة من التخبط و العشوائيّة في اتخاذ القرار مما يجعله مصاب «بالزُحار التشريعي» فهو تارة يستدعي الاحتياط من العسكريّين ثم يفتح لهم باب التهرّب منها عبر قوانين الإعفاء منها مقابل دفعهم بدلاً نقديّا عنها، وعلى سبيل المثال قيامه بتاريخ /01/12/2023/ بإصدار المرسوم التشريعي رقم /37/ الذي عدّل بموجبه المادة /26/ من قانون خدمة العلم الصادر بالمرسوم التشريعي رقم/30/ لعام 2007 و أضاف إليها الفقرة الآتية: دافع البدل النقدي «ملتحق – غير ملتحق» الذي بلغ سن الأربعين من العمر مبلغاً وقدره «4800» دولار أمريكي أو ما يعادله بالليرة السورية وفق سعر الصرف الذي يحدده مصرف سورية المركزي بتاريخ الدفع، ويُخفض مبلغ «200» دولار أمريكي أو ما يُعادله بالليرة السورية وفق سعر الصرف الذي يُحدده مصرف سورية المركزي بتاريخ الدفع عن كل شهر خدمة يؤديها الملتحق، وتُجبر كسور الشهر.

وفي الوقت الذي يفتح الباب على التهرّب من الخدمة العسكريّة الاحتياطيّة نجده يقوم باستدعاء المتقاعدين منها للخدمة من جديد حيث أصدر رأس النظام القانون رقم «28» لسنة 2023 الذي أجاز بموجبه استدعاء الضباط حملة الشهادة الجامعية «الدكتوراه -الماجستير- الإجازة الجامعية» المحالين على المعاش للخدمة الاحتياطية لمدّة أخرى سنة فسنة حتى إتمامهم سن السبعين دون التقيد بالسن المحددة ويمكن خلالها منحهم صفة الضابط الاستشاري عندما تقتضي الضرورة ذلك وتعتبر وظائفهم مضافة حكماً على الملاك وذلك بقرار القائد العام بناء على اقتراح لجنة الضباط وحاجة القوات المسلحة. كما أجاز القانون ترقية الضابط الذي يحمل شهادة جامعية من رتبة عميد إلى رتبة لواء دون التقيد بالملاك المصدق إذا قام بعملٍ إبداعي أو حصل على براءة اختراع محكَّمة في أحد المجالات التي تخدم مصلحة القوات المسلّحة.

ومن خلال ما سبق نستنتج ما يلي:

على مستوى المؤسسات المدنيّة: أنّ النظام السوري في السنوات الأخيرة حيث قام بتوظيف وبشكل “عشوائي” عناصر الميليشيات التي يرغب بالتخلص منها والجنود الذين أمضوا تسع سنوات وما فوق في الخدمة والذين قام بتسريحهم من الجيش وتوظيفهم في المؤسسات الحكومية ذات الطبيعة المدنيّة والخدميّة، وهؤلاء لا يتمتعون بالكفاءات اللازمة للعمل المؤسساتي ذات الطابع المدني بالإضافة إلى أن هؤلاء تمرّسوا في الإجرام والتشبيح من خلال مشاركتهم بالأعمال الاجراميّة ضد الشعب السوريّ ما يجعلهم غير مؤهّلين لا نفسيّاً ولا أخلاقيا للتعامل مع المواطنين ما اضطر النظام للاستعانة بالمتقاعدين في الوظائف “المفصلية” الضرورية اللازمة لتسيير العمل، بعد أن صار الوضع في المؤسسات أكثر من كارثي.

إنّ هدف النظام من فتح المجال أمام المتقاعدين للعودة هو “ترميم وإنقاذ” ما تبقى من مؤسسات الدولة، بعد أن أسهمت قرارات النظام الأخيرة بانهيارها. التي أدّت الى انخفاض الموارد البشرية لرفد مؤسساته الحكوميّة بكوادر وظيفيّة كفؤة بعد أن قام بإجبار العاملين بالدولة للانخراط بالأعمال القتاليّة ضد الشعب السوري والحاقهم بالألوية والفيالق والميليشيات الطائفيّة الرديفة فقتل منهم من قتل وأصيب منهم من أصيب بعاهات دائمة، واستنكاف وانشقاق الكثير منهم، بالإضافة الى استقالة الكثير لأسباب اقتصاديّة ناتجة عن سوء الوضع المعيشي وتردّي قيمة الأجور وعدم كفايتها لسد أدنى الضروريّات وهروبهم خارج البلاد.

أمّا على مستوى الجيش:

أجازت المادّة «29» من قانون الخدمة العسكريّة المعدّلة بالقانون 26 لعام 2013، وبأمر من القائد العام في حالات استثنائية قبول التطوع لصالح بعض الوحدات العسكرية بموجب عقد تطوع مدته سنتان قابل للتجديد بناءً على رغبة المتطوع.

وحيث أنّ المادة 156 من قانون الخدمة العسكرية رقم /18/ لسنة 2003 نصّت على أن تنتهي خدمة العسكري بالإحالة على المعاش بأنواعه وإتمام السن القانونية. التي حدّدتها المادة 166منه بـ 62 سنة لحملة رتبة عماد أول و60 سنة لحملة عماد و58 سنة لرتبة لواء و56 سنة لرتبة عميد و54 سنة لرتبة عقيد و52 سنة لرتبة مقدم و50 سنة لرتبة رائد و48 سنة لرتبة نقيب و46 سنة لرتبة ملازم أول و44 سنة لرتبة ملازم و54 سنة لحملة رتبة ضباط الشرف. كم يمكن يجوز للقائد العام أن يستبقي الخدمة أي عسكري يرى ضرورة لبقائه فيها، بعد إتمامه السن المحددة في هذه المادة على ألا تتجاوز مدة الاستبقاء سنتين واستبقاء الضابط الذي يشغل وزير الدفاع أو منصب رئيس هيئة الأركان في الخدمة العاملة حتى إتمامه السبعين دون التقيد بالمدد القصوى المحددة لرتبته. واستبقاء الضابط الذي يشغل منصب وزير الدفاع في الخدمة العاملة مدة سنتين إضافيتين ودون التقيد بالمدة القصوى المحددة لرتبته.

كما أجازت المادة 170 منه إعادة العسكري المحال على المعاش أو المستقيل أو المنقول إلى وظيفة مدنية في الدولة إلى الخدمة العاملة في القوات المسلحة بالرتبة التي كان يحملها عند انتهاء خدمته على ألّا يكون قد مضى على انتهاء خدمته في القوات المسلحة مدة تتجاوز الثلاث سنوات ولا تدخل مدة الخدمة الاحتياطية الفعلية التي تتخللها في حساب الثلاث سنوات المذكورة.

وأجازت المادة 172 استدعاء بعض العسكريين المحالين على المعاش ممن اكتسبوا خبرة خاصة للعمل بالقوات المسلحة بأمر من القائد العام ويتقاضون في هذه الحالة مكافأة شهرية تعادل الفرق بين الراتب والتعويضات المخصصة لرتبتهم وبين المعاش التقاعدي المقرر لهم.

مما ذكر من نصوص يمكننا القول والحال هذه بأنّ نيّة النظام تتّجه فعليّاً الى تحويل الجيش إلى جيش احترافي يقوم على «التعاقديّة» بدلاً من «الإلزاميّة» مع الإبقاء على إلزاميّة الخدمة العسكريّة باعتبارها نصّاً دستوريّاً بشقيّها الخدمتين الإلزامية و الاحتياطية» مع فتح باب استبدالها بالبدل النقدي والذي وصل الى «8500» دولار عن الخدمة الإلزاميّة و «4800» دولار عن الخدمة الاحتياطية الأمر الذي يمكن من خلاله تمويل رواتب ومعاشات «المتطوّعين الاحترافيين» الجُدد مستغلّاً الفرق الكبير جدّاً بين مقدار الرواتب و بين بدلات الإعفاء من الخدمة اذ يبلغ اعلى راتب في الجيش وهو راتب الفريق ذيل الكلب «310990» ليرة سورية أي ما يعادل «20.7» دولار وراتب العماد أوّل 304035 ليرة أي ما يعادل «20.2» دولار وراتب اللواء 283715 ليرة سوريّة أي ما يعادل «18.9» دولار، أي أن بدل خدمة عسكريّ إلزامي واحد يكفي لسداد سداد رواتب 410.62 شهراً من خدمة الفريق أو سداد رواتب 420.79 شهراً من خدمة العماد أول أو رواتب 449.73 شهراً أي رواتب 37.5 سنة من خدمة اللواء من الألوية الذين سيتم منحهم هذه الرتبة بموجب القانون الجديد.

وأنّ بدل خدمة العسكري الاحتياطي الواحد يكفي لسداد رواتب 231.88 شهراً من خدمة الفريق «ذيل الكلب» أو سداد رواتب 237.62 شهراً من خدمة العماد أول أو سداد رواتب 253.96 شهر من خدمة اللواء أي رواتب 22 سنة من الألوية الذين سيتم منحهم هذه الرتبة بموجب القانون الجديد. وهكذا ينطبق على ما يقوم به النظام السوري المثل الشعبي القائل «من دِهنُهْ قَلّيلُهْ».

ويهدف أيضاً الى إنهاء حالة التعبئة العامة السريّة» التي كان النظام قد حوّل البلاد بشكل عام والقوات المسلحة بشكل خاص من حالة السلم إلى حالة الحرب من خلال تنفيذ التدابير والإجراءات التي أخضعت كل القوى البشرية غير المشمولة بالاحتياط وزجّها في الميليشيات الطائفيّة وما أسماه بالقوّات الرديفة، واخضع أيضاً بموجبها المنشآت الصناعية والخدمية ووسائط النقل والمعدات الهندسية والمواد التي تخدم المجهود الحربي من القطاع الخاص والعام والمشترك.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني