fbpx

‎مسيّرات إيران إلى روسيا.. حرب غير معلنة ضد الغرب

0 217

‎ناقش مجلس الأمن الدولي منذ أيام انتهاك إيران للقرار الدولي 2231/2015 الذي تمّ من خلاله تأييد الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة خمسة+1. فإيران تقوم بإرسال طائرات مسيّرة إلى روسيا لاستخدامها في حرب الأخيرة ضد أوكرانيا وحلفائها الغربيين، كما أنها أرسلت خبراءها إلى شبه جزيرة القرم لتدريب الروس على استخدام هذه المسيّرات.

‎موقف إيران هذا يعني انحيازاً واضحاً للروس في حربهم ضد أوكرانيا، وهذا يرتّب عليهم مسؤوليات عديدة دولياً وغربياً.

‎إن انحياز إيران للروس في حربهم ضد أوكرانيا قد يعطي مؤشراً على سلوك أو دور الحليف الاستراتيجي، إضافه لكونه يشكل شكل من أشكال تبادل المنفعة. فالإيرانيون يزودون روسيا بطائراتهم المسيّرة، وفي الوقت ذاته يقومون بملء الفراغ الذي يحدثه انسحاب القوات الروسية من سوريا.

‎إيران تعتقد بهذه الممارسة أنها تستنزف الغرب في أوكرانيا، ما سيدفع هذا الغرب إلى محاولة تحييد إيران عن هذه الحرب مقابل تنازلات أمريكية وأوربية بشأن برنامجها النووي، وقبول الصيغة التي تناسبها لتتمكن من صناعة قنبلتها الذرية.

‎إن ما يجري من مظاهرات في إيران ضد نظام ما يسمى “المرشد”، إنما هو انتفاضة شعبية تريد التحرر من نظام حكم مطلق أولاً، وتريد استثمار الثروات البترولية وغيرها من أجل تنمية وطنية شاملة، وليس لتصدير “التشيّع السياسي” عبر أذرع طائفية في البلدان المجاورة، لهذا وجد الغرب في انتفاضة الشعب الإيراني فرصة ثمينة في زعزعة هذا النظام، عبر دعم التظاهرات وفرض العقوبات على منتهكي حقوق الإنسان، وتزويد القوى المنتفضة في إيران بخدمات ومساعدات عديدة، مثل تقديم خدمة الإنترنت الفضائية، ما يجعل يد النظام الإيراني عاجزة عن منع تدفق المعلومات المتعلقة بالانتفاضة داخلياً ودولياً.

‎إيران التي تقايض طائراتها المسيّرة مع الروس وتريد مقابل ذلك ملء الفراغ الروسي في سوريا، إنما هي تذهب لمواجهات أوسع مع الدولة العبرية، فنقل تكنولوجيا عسكرية متقدمة إلى سوريا تصنيعاً وتخزيناً تجد فيه إسرائيل تهديداً خطيراً لها.

‎هذا التهديد الإيراني لا يمكن أن تقبل إسرائيل ببقائه، ولهذا فهي تشنّ غاراتها على المواقع الإيرانية ومواقع حزب الله اللبناني في سوريا، وعلى كل المواقع الخاصة بالنظام الأسدي، التي تخزّن أو ترعى صناعة المسيرات والأسلحة في مقراتها العسكرية.

‎التهديد الإيراني لا يمكن لإسرائيل أن تقبل به، ولهذا، فهي تحاول أن تستخدم تقانتها المتطورة لدعم حكومة زيلينسكي في كييف، هذه التقانة ستقف بوجه مسيّرات إيران التي تستخدم في الحرب ضد أوكرانيا. لكن هذا يصطدم مع التحذير الروسي بتجنب فعل ذلك وإلا فستواجه إسرائيل عواقب وخيمة وتبعات، مع وضعها على اللائحة السوداء كعدو لروسيا حسب قول ديمتري ميدفيديف نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي، وهذا ما ينقل المواجهة العسكرية بصورها المختلفة بين إيران وإسرائيل و\إسرائيل وروسيا إلى ساحة جديدة هي أوكرانيا

‎إن الغرب وتحديداً الولايات المتحدة الأمريكية، الذي يشاهد بعينيه انحياز إيران لصالح الروس في الحرب الدائرة في أوكرانيا، يتوجس من هذا الانحياز، ويدرجه في احتمالات تشكّل حلف دولي جديد، يضمّ الصين وروسيا وإيران وغيرهم من الدول القريبة من سياساتهم، ما يهدد التوازن العسكري والسياسي والاقتصادي القائم حالياً على المستوى العالمي.

‎لهذا لا يمكن للولايات المتحدة الاستمرار في ممالأة إيران في التفاوض حول برنامجها النووي، وتقديم تنازلات لها في هذا التفاوض، ما يزعزع الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط ويهدّد المصالح والوجود الأمريكي في هذه المنطقة.

‎الولايات المتحدة الأمريكية معنية بإعادة النظر بسياساتها التي رسمها بريت ماكغورك، التي أبعدت حلفاء الولايات المتحدة التقليديين، لمصلحة إيران وحزب العمال الكردستاني الذي تصنّفه بالإرهابي، ومعنية ببناء علاقات ثقة مع هؤلاء الحلفاء وتحديداً المملكة العربية السعودية ومصر وتركيا، فوجود تناقضات سياسية بين الولايات المتحدة وهذه الدول يخدم فعلياً إيران المنحازة للصين وروسيا وحلفهم.

‎لهذا يجب تصحيح السياسة الأمريكية، وإبعاد بريت ماكغورك عن منصبه، لأن مواجهة روسيا والصين تحتاج أن يقف حلفاء أمريكا التقليديين إلى جانبها وليس الانتقال إلى الضفة الأخرى من الصراع. والسيد بريت ماكغورك هو عدو توثيق تحالف الولايات المتحدة مع حلفائها التقليديين وخاصةً السعودية وتركيا لذلك توجب إزاحته واستبداله بشخصيه كارزماتية قادرة على توثيق هكذا علاقات، وهو أبعد ما يكون على تحقيقها.

نستطيع أن نستنتج من رسالة إرسال المسيرات الإيرانية لدعم حرب روسيا على اوكرانيا، ان محمد بن سلمان كان على حق باتخاذ موقف سلبي ضد إدارة بايدن بعدم الاستجابة لضخ مزيد من النفط لإضعاف موقف هذا الأخير والذي يهدف لإرضاء الإيرانيين في المفاوضات النووية معهم على حساب السعودية وحلفاء أمريكا في المنطقة والذي يقوي من النفوذ الايراني. هذه المسيرات ارسلت رسالة داعمه لموقف محمد بن سلمان والذي يؤكد على خطورة النظام الإيراني ونواياه ضد أمريكا وأوكرانيا والغرب والسعوديه والمنطقه لا بل العالم بأسره. يبدو أن هذه المسيرات أيقظت بايدن من أحلام التوصل لاتفاق نووي مع هكذا نظام إرهابي يزعزع الأمن الدولي. والسؤال الآن هو هل ستستفيق إدارة بايدن وعلى رأسها السيد بريت ماكغورك وتتدارك أخطاءها وتعيد تحالفها الوثيق المعهود مع السعودية؟.

‎لهذا يمكن القول إن إيران التي بدأت المظاهرات بإنهاك سلطتها السياسية، ستجد من الصعوبة بمكان الذهاب أبعد فأبعد في إدارة هيمنتها السياسية والعسكرية في بلدان الجوار مثل العراق وسوريا واليمن ولبنان، وهذا يجب أن تلحظه السياسة الغربية بعمومها، ما يجعل إيران في ذات الموقع الذي وجد النظام الأسدي نفسه فيه، وهو يقمع بوحشية مظاهرات سلمية تطالب بالحريات والكرامة ودولة القانون، حيث ساهمت إيران عبر قتيلها قاسم سليماني في استخدام العنف المفرط وانتهاك حقوق الانسان بحق المتظاهرين المدنيين السلميين.

‎الولايات المتحدة ومعها أوربا الغربية معنيان باستثمار حقيقي للمظاهرات في إيران والتي إن لم تسقط نظام الملالي فستضعفه وتجبره على تقديم التنازلات بشأن برنامجها النووي، وبشأن ضرورة انسحابها العسكري والسياسي من دول المنطقة.

‎وباعتبار أن نظام “المرشد” يريد تبرير قمعه المفرط بحق شعبه، فهو ادعى أن داعش انتقلت إلى بلادهم، وقامت بتفجيرات في المراكز الدينية، هذا التصريح يكشف أن ما جرى إنما هو جزءٌ من سيناريو ينفّذه نظام الملالي لتبرير قمعه الشديد للمتظاهرين ولانتفاضة الشعب الإيراني، حيث يعتقد هذا النظام أن الناس يجهلون دور إيران في صناعة ما يسمى “داعش”.

‎إيران في ورطة كبيرة، وهي ومع اشتداد أزمتها مع المجتمع الدولي ومع شعبها لا تزال تمارس لعبة الهروب إلى أمام، والسؤال إلى متى سيستمر ذلك.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني