fbpx

قراءة في مبادئ أساسية لميثاق وطني عام

0 400

طرحت اللجنة التحضيرية لتيار “المؤتمر الوطني السوري المستقل” مسودة أوراق، قالت عنها، أنها أوراق ستُقدّم ل”لمؤتمر الوطني السوري”، الذي سيعقد في برلين في السابع عشر من نيسان عام 2020م.
وبيّنت اللجنة التحضيرية، أنها كلّفت لجنة خبراء ودراسات بتقديم أوراق أساسية حول كل ما يتعلق بالوضع العياني السوري. هذه القراءة تذهب إلى محاولة تسليط ضوء نقدي، غايته اغناء فكري لمسوّدة وثيقة “مبادئ أساسية لميثاقٍ وطني جامع”.
حين اعتمد واضعو مسودة المبادئ صيغة مفردة نكرة لكلمة مبادئ، كانوا يريدون القول أن هذه الورقة لا تزال قابلة للتعديل والتغيير والتطوير من خلال المؤتمر المذكور. وباعتبار أن هذه المسودة تخصّ مبادئ فوق دستورية، فهي يجب أن تكون من مخرجات تمثيل واقعي وحقيقي للمكونات السورية جميعها، ونقصد بالمكونات السورية “المكونات الإثنية، والدينية، والطائفية، والسياسية”. فهل يستطيع المؤتمر الوطني توفير مثل هذه التمثيلات الوطنية، أم أن الأمر للنقاش ثم للطرح في مؤتمر سوري أشمل بعد أن ينتهي الصراع الجاري في البلاد.
أشارت مسودة الوثيقة إلى تسعة مبادئ، تعتقد اللجنة التحضيرية أنها تكثّف ما يلزم السوريين من “مبادئ أساسية لميثاقٍ وطني عام”. ولعل المبدأ الأول في هذه المسودة، يذكر أن “الشعب السوري واحدٌ، عماده المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات، دون تمييز بين أبنائه بسبب اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو المذهب”. هذا المبدأ يلغي التمييز بين السوريين في المحددات المذكورة، وهو مبدأ يساعد على الاندماج الوطني، ولا تظهر نتائجه بغير تطبيق عملي فاعلٍ، ويحتاج بالضرورة إلى مؤسسات تؤمن بمحدداته، وتعتبرها غير قابلة للتغيير أو التجزئة.
وورد في المبدأ الثاني في مسودة مبادئ أساسية لميثاق وطني، التأكيد على حقوق الانسان، التي تتأسس بين السوريين، وكذلك الالتزام بالمواثيق والعهود الدولية لحقوق الانسان. هذا المبدأ يرسّخ حقوق الانسان المدرجة باللائحة الأممية لحقوق الانسان، ومن الطبيعي أن يكون ما ورد فيه مبدأً فوق دستوري.
إن الحقوق الواردة في هذا المبدأ هي حقوق ذات دلالات اقتصادية واجتماعية وسياسية ومدنية وثقافية وبيئية، كرّستها البشرية عبر كفاحها الطويل، وحين نقول ذات دلالات فنحن نعني أن تجد هذه الحقوق طريقها في القوانين والمؤسسات الحكومية الأهلية. لا أن تبقى قيد النصوص.
وعرض المبدأ الثالث من “مبادئ أساسية لميثاق وطني” تحديد “أن الشعب السوري حرٌّ وسيّدٌ على أرضه وفي دولته، وهما وحدةٌ سياديةٌ لا تتجزأ، أو لا يجوز التخلي عن أي شبرٍ فيها”. إن عبارة حر وسيّد على أرضه، تحيلنا إلى اعتبار أن الحرية هي ملك الشعب، وأن أي قرارات تتعلق بالحقوق تصدر عن الشعب، وليس عن هيئات حكومية، أو تمثيلات شعبية صورية، الأمر هنا يتطلب بناء قواعد قانونية واجتماعية وسياسية، ترسّخ حق الشعب بأن يكون حرّاً وسيّداً على أرضه وفي دولته، هذا الحق يجب أن لا يكون قابلاً للتجاوز من قبل أي سلطة، تحكم بموجب تفويض الدستور، وهي معنية بالحفاظ وباحترام المبادئ فوق الدستورية، التي لا تكون ضمن نطاق صلاحيات عملها.
وعرض المبدأ الرابع أهمية الحريات الفردية والعامة والجماعية، وطرح رؤيته حول ذلك بالقول: “تكفل الدولة الحريات العامة، بما فيها حرية الحصول على المعلومة والإعلام، وممارسة الشعائر، وحرية التظاهر والإضراب، والاعتصام السلمي”. من الطبيعي أن تكون هذه المبادئ جزءاً من فقرات الدستور الوطني، وهي بالطبع ترقى إلى مبادئ فوق دستورية، فالحريات هي جوهر الاجتماع الانساني في إطار سياسي واحد، وبدونها تتراجع أواصر هذا الاجتماع نتيجة تراجع ركائزه.
أما المبدأ الخامس من “مبادئ أساسية لميثاق وطني” فهو يعرض ضرورة أن ينصّ الدستور الوطني على “مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة، وإزالة كافة أشكال التمييز ضدّ المرأة”. وهذا يتطلب بالضرورة وجود مناخ يساعد على خلق سلسلة تشريعات وقوانين تمكّن المرأة من المشاركة الفعالة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. التأكيد على المساواة، يحتاج هو الآخر، لتغيير في بنية نمط التفكير والذهنية البعيدة عن جوهر الانسانية.
وفي المبدأ السادس لا تغفل مسودة “مبادئ أساسية لميثاق وطني” حقوق الجماعات الضعيفة كما تسميها المسودة. فتقول العبارة في المسودة، يجب ” التأكيد على احترام الدولة والدستور والقوانين للحقوق الأساسية للجماعات المستضعفة (النساء، والأطفال، وذوو الاحتياجات الخاصة)، وترى المسودة ضرورة أن تكون هذه الحقوق متفقة مع المواثيق الدولية بهذا الشأن.
وتقر المسودة في المبدأ السابع أن “الشعب هو مصدر الشرعية، والعدل أساس الحكم الرشيد. وترى المسودة أن هناك ترابطاً عضوياً بين الوطن والمواطن، فهذه علاقة جدلية بين الفرد وبين عقده الاجتماعي، بمعنى آخر لن يتحقق عدل ويكون الشعب مصدراً للسلطة والشرعية بغير وجود نظام سياسي جمهوري ديمقراطي، ضمن دولة مدنية ديمقراطية ذات دستور ينظم بنيتها، ويشكل عقداً اجتماعياً حقيقياً يعبر عن التوازن الاجتماعي والمواطنة.
في المبدأ الثامن الوارد في مسودة “مبادئ اساسية لميثاق وطني عام” يتم التعريج على مؤسسة الجيش، فترى المسودة، أن الجيش هو مؤسسة وطنية تحمي البلاد وتصون استقلالها وسيادتها على أراضيها، وتحرص على الأمن القومي، ولا تتدخل في النشاطات السياسية، وتحدد وظيفة أجهزة الأمن في نطاق حماية المواطن والوطن، واحترام الحقوق الانسانية الأساسية” شكّل غياب هذا المبدأ كارثة وطنية على السوريين، إذ تحولت مؤسسة الجيش إلى مؤسسة حكم خاصة، وتحولت أجهزة الأمن في البلاد إلى مخالب لهذه المؤسسة الحاكمة.
وتقرّ المسودة في المبدأ التاسع أهمية أن يتغير بناء نظام الحكم من صورته الرئاسية المطلقة، إلى بناء نظام دولة لا مركزية ديمقراطية إدارية، وهذا يعني توزيع جزء كبير من صلاحيات الحكم المركزي في مجال الإدارة والخدمات لمصلحة مجالس حكم المحافظات.
إن هذه المسودة ضرورة مقبولة على مستوى انتقال سياسي تدريجي في البلاد، فهي بنيت على مبادئ الحد الأدنى الذي يمكن أن تتقاطع به مكونات السوريين السياسية وغير السياسية.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني