fbpx

قراءة في رواية “لمار”

1 214
  • الكاتبة: ابتسام تريسي
  • إصدار: مكتبة الدار العربية للكتاب
  • ط1، ورقية، 2015م

ابتسام التريسي روائية سوريه نستطيع تسميتها راوية الثورة السورية وإحدى أهم اصوات الحرية في المجال الأدبي في سوريا، ما قبل الثورة وفيها أيضاً، كتبت في صميم الثورة مدن اليمام. وها هي روايتها الثانية لمار، تضع بصمتها باقتدار مؤرخة – روائياً – للعائلة الحاكمة، كاشفة المستور وفاضحة اهل الحكم الاستبدادي القاتل في سوريا، إنصافاً للإنسان السوري عموماً ومنتصرة للثورة أيضاً.

تبدأ الرواية متتبعة سليمان – في ثلاثينيات القرن العشرين – الهارب بعائلته، زوجته وابنته من ثأر يلاحقه كقاتل مأجور في تركيا، وأصلاً إلى جبال اللاذقية ملتجئاً لإحدى بيوت الحسنة فيها يعيش على هامشها. في القرية ينظر للغريب بارتياب ويتم التعامل معه بحذر.

يعيش في أرض تابعة لعائلة إقطاعي مات الأب والابن الأصغر وبقيت الأم وحيدة مع خادمتها والابن الأكبر هاجر تاركاً الأم للحسرة.

سليمان رجل قاس كتوم لا يشارك احدا ما في نفسه. خطف زوجته من اهلها وتزوجها. دمه ودمها مطلوب من عائلتها، يعامل زوجته بازدراء وقسوة، أنجبت له ابنته الأولى لمار، وهي حامل من جديد، هددها إن لم تأتي بالولد الذكر له سيقتلها.

سليمان بدأ يدخل في تلافيف القرية والحياة ويتقرب من صاحبة البيت الكبير سليلة الاقطاع (أسما)، ومحاولاً صناعة زعامة ما، دعمها استقباله للفرنسيين المحتلين وخلق جو من الراحة لهم عبر السكر واستدعاء النوريات (القرباط) للترفيه والدعارة أيضاً.

سليمان كان أحد الوجوه التي وقعت على طلب تشكيل دولة العلويين في الساحل السوري أيام الاستعمار الفرنسي، التي بقيت لفترة زمنيه ولم تنجح، لمار ابنة سليمان وريثة جدتها الفارسية تكبر وتتزوج مرتين ولا تنجب، تطلق، تعود لبيت والدها لترعى أخاها الصغير علي، علي الذي كان أمل والده بصناعة مجد ما له، علي الذي تتبناه المرأة الإقطاعية (أسما) وتعلمه وتعوض به عن فقدانها لابنها.

علي ترعاه لمار أيضاً، ويكبر علي ويتزوج وينجب ويكون له أولاد عدة وأهمهم صخر الذي كان تحت رعاية عمته لمار، صخر سيحب شفق حفيدة أسما العائدة مع والدها من غربتهم، ولكنها ستزدريه وسيعامل سليمان وأولاده بصفتهم خدمهم.

ستوجه لمار نظر صخر إلى ضرورة البحث عن السلطة والقوة وهي التي ستولد الغنى، ويكون الطريق عبر الالتحاق بالجيش في سوريا المتحررة حديثاً من الاستعمار الفرنسي، سيلتحق صخر بالجيش ويكون منتسباً لحزب سري يعمل للوصول للسلطة (البعث)، سيتزوج من ابنة قريته الموسرة (أسينة) التي تخلى عنها حبيبها بعد علاقة جنسيه يخاف أهلها أن تفتضح، وسيأخذها للمدينة ويعيشا سوية، هو في الجيش طيار عسكري طموح، لمار تلقنه الإصرار على الهدف وزوجته تتقبل حياته وأنها ستكون زوجة رجل مهم في يوم ما، لكن صخر يسرح من الجيش في ظروف سوريا التي مرت في الوحدة السورية المصرية، ونقله لمصر مع عسكريين آخرين.

وسقوط الوحدة وعودته موظفاً عادياً أيام الانفصال، هنا يعود الحبيب السابق لأسينة (غيث) الضابط في الجيش للظهور في حياتها ودورة في إعادة زوجها للجيش بعد استلام البعث للحكم، كما عادت علاقة أسينة بغيث مفتوحه وحتى جسدياً، بعودة صخر للجيش وبالتوافق مع غيث يبدأ بالتغلغل في الجيش والهيمنة عليه، ويصل صخر لمنصب وزير الدفاع، سيتعرف صخر على (أمين ثابت) البعثي الثري، ويتم الاتفاق بينهما على إيصال صخر للسلطة شرط ضمان مصلحة (إسرائيل)، فأمين ثابت جاسوس إسرائيلي، سيكتشف بعد فترة ويقتل سريعاً قبل كشف حقيقة صخر ومن حوله، ستأتي حرب 1967، وسيقدم صخر كوزير دفاع أول دفعات الولاء لـ (إسرائيل) عبر الانسحاب من الجولان وتسليمها لهم، ستمر الهزيمة ولا محاسبة، وسيختلف صخر مع مغيث في تسيير أمور الحكم خاصة بعد التدخل السوري في الأردن أيام ضرب الثورة الفلسطينية هناك في 1970، وسيعتقل مغيث مع الرئيس الأتاسي وأغلب القادة السياسيين وسيودعون في سجن المزة حتى الموت، لصخر أسبابه في الانتقام من مغيث الذي سيعرف بعلاقته بزوجته وخيانتها له وشكه بنسبة ولده الثالث الذي سيكون رئيس البلاد القادم، في 1970 سيسيطر صخر على السلطة بالمطلق، وسيكون مساعده بذلك رجله وتابعه الجنرال.

سيعطي لأخيه صلاحيات بناء قوة عسكريه خاصة، سيواجه صخر كل المتغيرات ويواجه كل العواصف المحيطة به، في الثمانينيات ومحاولة أخيه أخذ السلطة منه أيام مرضه، وقدرته على عزل أخيه وإخراجه من سوريا، سينجب ابنته البكر شبيهة عمتها لمار، وابنه مجيب الذي سيجهزه ليكون وريثه في الحكم، سيشركه في كل شيء ويسلمه كل ملفات البلد، ويرسل ابنه الثالث لدراسة الطب في بريطانيا، الابن الذي يعي أنه منبوذ من والده ولا يعلم لماذا، سيموت ابنه مجيب في حادث سيارة يعتقد أنه مفتعل، وسيجهز الابن الثالث زياد ليكون الرئيس القادم لسوريا، في سنوات محدودة سيعلم كل فنون السياسة والحكم ويقدم لكل حلفاء صخر، سيأتي يوم يموت فيه صخر القائد الذي اعتقد أنه سيعيش إلى الأبد، الذي هدر إنسانيته أولاً ثم هدر إنسانية شعب كامل، واستلم الحكم بعده ابنه (زياد ابن ابيه)، الذي سيؤسس لدولة رعب نعيش اليوم حصاده من خلال دماء الشعب المهدورة ودمار البلاد.

للرواية مسار آخر، انه المعتقل في 2013، بعد سنتين من الثورة.

حيث يلتقي يونس والأستاذ، يونس الكاتب الذي تورط وكتب رواية تؤرخ للأسرة الحاكمة، يونس الشاب ابن المعتقل السياسي من الثمانينيات الذي مات في السجن، يونس الذي كان رفيق أمه لزيارات والده التي تركت في عقله وقلبه الغصة، سيتلقفه الجنرال ويطلب منه كتابة سيرة القائد، وستنسب لكاتب أجنبي مغمور يتحدث عن عظمة القائد، يونس في المعتقل يعرف أنه اعتقل ليقتل، طلب من الأستاذ أن يسمع منه بين وجبة تحقيق وأخرى جزء من روايته، وأمنه أن يكتبها عن لسانه وينشرها لعل روحه ترتاح من ظلم وقهر وموت فظيع سيصيبه، سنرى كل أنواع التعذيب الوحشي بالشبح والدولاب وبساط الريح والقتل بالمثقب وكل ما لا يخطر على بال بشر، سيكمل يونس سرد روايته وسيقتل بالمثقب في رأسه وقلبه، وسيخرج الأستاذ من السجن لينشر الرواية.

وليعود إلى جبل الزاوية ويلتقي بالثوار طلابه وأبناء قريته، سيكتشف أميتهم السياسية والعسكرية، ويكتشف أنهم بحاجه لعقلنة الثورة وتنويرها ووضع الإنسان المناسب في المكان المناسب، وأن جزء من مشكلة الثورة في داعميها، سيكون واحداً من الثوار ومعهم ويعمل لتصحيح المسار والعمل للانتصار.

هنا تنتهي الرواية..

أما عن قراءتها، فالرواية تحتاج لسبر عميق، فهي تأريخ لعائلة الحكم بطريقة أدبية، تغيير الأسماء لا يغطي الحقائق، فصخر والجنرال ومغيث ومجيب وزياد معروفون كلهم ومن هم كأشخاص حقيقيين، تكشف المعتقدات العميقة لهم كعائلة وطائفة من خلال رواتها النساء اللواتي يتحكمن بالمسار وبعلمهن للتاريخ السري للعائلة الحاكمة.

الرواية لا تلقي الضوء المطلوب على دور الحاكم بإدماج الطائفة العلوية في السلطة وخاصة الجيش والأمن وكل مفاصل الدولة، وجعلهم كلهم أدوات سلطته والمنتفعين منها أيضاً.

وهذا ما يفسر الارتباط المصيري بين العائلة والنظام والعائلة، الرواية تفضح النظام وهو أصبح مفضوحاً بأعماله التي قتلت مئات الآلاف وشردت الملايين ودمرت أغلب البلاد، واستحضرت كل احتلالات الدنيا، وأعادت سوريا إلى الخلف عقوداً كثيرة، وما زالت سوريا في عين العاصفة ولا بوادر بحلول قريبه.

الثورة مستمرة، وأسبابها المشروعة ما زالت قائمه، مظلومية طالت كل شيء في حياة الناس، أضيف إليها مئات آلاف الشهداء والاحتلالات ودعوات التقسيم ومازال الشعب السوري يناضل لتحقيق الحرية والكرامة الإنسانية والعدل الاجتماعي وبناء الدولة الديمقراطية والحياة الأفضل، كل ذلك بعد إسقاط النظام ومحاسبته.

1 تعليق
  1. ماجد مرشد says

    في الرواية تبسيط لكثير من القضيايا رغم صعوبة الغوص فينفوس أكثر الشخصيات واستكناه أهدافها ومراميها وأساليبها… على جمالية الرواية حكائيا تعاني من خلل سردي في غير موضع….
    عافاك الله ووفقك صديقي الجميل

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني