fbpx

في قوّة منطق الحقائق.. وحقيقة المنطق التبريري!

0 84

يبدو أن انفصال الوعي السياسي “النخبوي” عن الواقع هو حالة مرض معند، يتحكم بقوة في عقول السوريين، ولا ثمة أمل بالشفاء!.

تجليات وأعراض المرض، التي استفحلت في ممارسات وقراءات المشهد السياسي السوري طيلة سنوات الصراع الماضية، تبدو اليوم أكثر خطورة في تقييم سياسات النظام التركي!.

يقف هذا الوعي السياسي والثقافي النخبوي (المثالي او الطائفي أو الانتهازي) عاجزاً أمام فهم طبيعة المصالح والسياسات الإقليمية التركية، ولا يجد أمامه سوى سلاح مناشدة “المجتمع الدولي” – الوهمْ الذي صنعته الدعاية الأمريكية – أو العودة إلى “التاريخ”، لتبرير منطقه!.

يتجاهل جهابذة هذا الوعي الذي يحاول فبركة الرأي العام السوري، أن الحق هو ما تشرعنه القوة، في ظل غياب القانون العادل، وأن “القانون الدولي” ومؤسساته، في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، هو لخدمة منطق القوة ذاته الذي خلقت موازينه القنابل النووية الأمريكية في نهاية الحرب العالمية الثانية، وتصنعه اليوم – وطوال حقبة ما بعد نهاية الحرب الباردة، خلال فترة الثمانينيات وحتى اللحظة – حقيقة الهيمنة الأحادية القطبية الأمريكية على مراكز النظام الرأسمالي العالمي الإمبريالي – بعد خسارة “الكتلة الاشتراكية”، النقيض – ولم يكن أبداً لصالح السوريين، ولا هو الآن، ولا يوجد مؤشرات إيجابية في المدى المنظور!.

بغض النظر عن المواقف غير الموضوعية، أعتقد أنه من مصلحة جميع “نخب” السوريين، الداعمين للموقف التركي أو المعارضين له، لأسبابهم الخاصة، (وهي بمجملها خارج سياقات مصالح السوريين المشتركة، وقضية الحل السياسي “العادل والشامل” الذي يقوم على أرضية مصالح السوريين الوطنية والقومية العادلة)، إدراك طبيعة المصالح التي تحكم سياسات النظام التركي تجاه الصراع على سوريا:

منذ 2011، مصالح تركيا، ومنطقها السياسي واضح، وهو الأقرب لمصالح جميع السوريين، لأنه يتقاطع مع مصالحهم المشتركة في الحفاظ على وحدة سوريا الجيوسياسية؛ وهو كذلك بغض النظر عن طبيعة مواقفنا الخاصة، ومبرراته الذاتية:

“إذا كان هناك حل سياسي للصراع على السلطة ودور سوريا الجيوسياسي الإقليمي، فمن مصلحتنا التعامل مع حكومة مركزية، وقد بذلنا جهوداً لا يستطيع أحد إنكارها طوال العام 2011/2012 للوصول إلى حل سياسي للصراع، ينال موافقة معظم السوريين، ويقطع مسارات الحرب، ويحمي بالتالي مقومات الدولة، وقدمنا، مع بعض شركائنا في الجامعة العربية، خطط سلام، عمل الإيرانيون على تفشيلها ميدانياً، والأمريكيون والروس على تفشيلها سياسياً، ولم ننجح لأسباب تتعلق بمصالح الآخرين، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة والنظام الإيراني، ومازلنا كما ترون على تناقض مع سياسات الولايات المتحدة السورية حتى اللحظة، وندفع نحن، والسوريون، اثمان ذلك النهج الأمريكي/الإيراني، المدعوم روسياً وإسرائيلياً، المعادي للديمقراطية والساعي لتفشيل الدولة السورية!”.

يتابع المنطق التركي:

“إذا لم يكن من الممكن قيام حل سياسي وطني، يحافظ على مقومات الدولة السورية، ويؤدي إلى قيام سلطة مركزية (وهو ما تعمل الولايات المتحدة وروسيا وإيران على عدم تحقيقه منذ 2015)، فنحن أحق من روسيا وإيران والولايات المتحدة بالحصول على “حصة”، كافية لحماية مصالحنا القومية، في بلد يشكل موقعه الجيوسياسي أهم وأخطر مواقع حماية أو تهديد أمننا القومي، ونحن على استعداد للدفاع عن مصالحنا وسياساتنا بكل ما نملك من قوة؟”.

إذا نظرنا إلى موقع سوريا الجيوسياسي اليوم في ضوء الوقائع التي تكرست بعد الاستقلال السياسي عن فرنسا، التي اعترف بها السوريون، وجميع الحكومات السورية بعد الاستقلال، (ونتحدث عن الوقائع، وليس عن “الدعاية”!)، ومن وجهة نظر مصالح سوريا الوطنية العليا، الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، (خاصة فيما يتعلق بالحدود والمياه ومصادر الطاقة من نفط وغاز)، أليست تركيا هي الدولة الأقرب لتحقيق مصالحنا عموماً، وعلى وجه الخصوص، بالمقارنة مع أصحاب المشاريع المتنافسة للسيطرة الإقليمية الولايات المتحدة وإيران وإسرائيل، وحتى السعودية؟ ألا يوجب علينا تقاطع مصالح السوريين المشتركة مع مصالح تركيا، وضعها على رأس قائمة أولويات علاقاتنا الخارجية والبحث عن المشتركات السياسية معها، عوضاً عن تحويلها إلى عدو، كما يناسب مصالح وسياسات جميع القوى المنافسة لها في صراعات السيطرة الإقليمية؛ وطوابيرهم السورية؟.

يبرر بعضهم منطقه “العدائي” بالعودة إلى التاريخ، متجاهلاً حقائق الحاضر، وضرورات الحاضر والمستقبل!.

لو كانت أحداث التاريخ وصراعاته – التي صنعت الواقع الجيوسياسي لجميع دول العالم، وليس فقط لسوريا، ودول الإقليم – هي التي يجب أن تحكم سياسات الدول القائمة اليوم، ووعي نخبها السياسية، لكانت حكومات بريطانيا والولايات المتحدة، أو بريطانيا والهند، في حالة صراع مستمر، لن يتوقف إلى أبد الآبدين!.

بخلاف هذا المنطق التبريري الذي يتقنه بعضهم للّعب بالمشاعر، وفبركة رأي عام مناسب لمواقفه، دعونا نتعلم من صناع التاريخ الحقيقيين!.

في 6 أيلول، 19743، استضافت جامعة “هارفارد”، المُصنع الأهم للقيادات السياسية الأمريكية، حفلاً خاصاً لمنح شهادة الدكتوراه الفخرية لونستون تشرشل، رئيس وزراء بريطانيا العظمى، الذي كانت بلاده تحتل أمريكا في حقبة تاريخية سابقة، وخاض الأمريكيون ضدها حرب استقلال دموية.

كانت الدعوة لتشرشل بواقع كون بلاده صديقا للولايات المتحدة وليست “عدوا تاريخياً”، كما ودعا تشرشل الولايات المتحدة ليس فقط للانخراط في السياسات الأوروبية، بل ولوضع قواعد السياسات الدولية، والحفاظ عليها، من منطلق مصالح راهنة، وليس على أرضية عداء تاريخي!.

إذا كان من مصلحة الولايات المتحدة وروسيا وإيران تغييب حقائق السياسات التركية، التي تتقاطع مع مصالح السوريين المشتركة، فما هي مصلحة السوريين، كردا وعربا، وما هي مصلحة الدولة السورية الموحدة، جيوسياسياً؟.

هل ثمة إجابات مقنعة من قبل النخب السياسية والثقافية السورية التي تتجاهل هذه الحقائق في الصراع على سوريا، كما تجاهلت غيرها، لخدمة أهدافها الخاصة؟

المشكلة عندنا، نحن النخب، الذين شكلنا، في سذاجة وعينا أو مثاليته، أو انتهازيته أو طائفيته، (ولا فرق، من حيث النتيجة) طابوراً خامساً لجميع أعداء المشروع الديمقراطي، وليست في مكان آخر!. فهل نملك شجاعة النقد الذاتي؟.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني