fbpx

طوفان الأقصى ومصالح الفلسطينيين الوطنية في مآلات الحرب الممكنة في مصالح قوى الحرب

0 50

أين مصلحة الفلسطينيين في مآلات الحرب الممكنة في سياسات القوى المتحاربة؟

هل يعطي نهج مقاومة الاحتلال أيّة قوة عسكرية/سياسية حصانة ضد النقد السياسي؟

في ضوء تجارب شعوب المنطقة، هل تتراجع في أولويات قيادات قوى المقاومة المصالح السياسية الخاصة لصالح القضايا الإنسانية والوطنية؟

بعيداً عن التخندقات الإيديولوجية، وبناء على أرضية عوامل واقعية، لنحاول إدراك طبيعة مصالح الفلسطينيين في المآلات الممكنة للحرب الراهنة على غزة، من خلال قراءة الأهداف السياسية المتوخاة للقوى المنخرطة مباشرة في الحرب – المقاومة البطولية التي تقودها عسكريا وسياسيا حماس، بسلاح مقاتليها وتضحيات ملايين الفلسطنيين، في مواجهة حرب شرسة، يقودها جيش الاحتلال الإسرائيلي واجهزته السياسية والامنية، المدعومة أمريكياً:

إذا كان واضحاً أنّ الهدف التكتيكي لحكومة الحرب الإسرائيلية هو تجيير عواقب هجوم طوفان الأقصى البطولي من أجل إحداث أكبر قدر من القتل والتهجير بين المدنيين الفلسطينيين، وتدمير شروط الحياة الإنسانية في سياق تحقيق أهداف استراتيجية، ترتبط بتقويض شروط قيام تسوية سياسية للصراع التاريخي التي باتت منذ مطلع 2020 استحقاقاً أمريكياً في سياق تقدّم خطوات التطبيع الإقليمي الأمريكية، سواء وفقاً لمشروع الجامعة العربية، الذي يقوم على أرضية القرار 242 لعام 1967، والمشروع العربي، أو وفقاً لاتفاقيات أوسلو وما عُرف بحل الدولتين، فما هي حقيقة الأهداف السياسية التي وضعتها قيادة حماس نصب عينها عندما أعدّت ونفّذت هجوم الأقصى البطولي؟ تحرير غلاف غزّة؟ تحرير معتقلين وأسرى فلسطينيين؟ احتجاز أكبر عدد من الرهائن لمبادلتهم بأسرى فلسطينيين؟ الضغط على الحكومة الإسرائيلية (والأمريكية – المجتمع الدولي) لفرض تسوية سياسية؟ وما هي طبيعة تلك التسوية التي تسعى إليها حماس؟

هذا ما نحاول، وينبغي معرفته، لفهم ما تسعى قيادة حماس لتحقيقه على المستوى السياسي وكيف ينعكس على مآلات الحرب:

أوّلاً: إذا أخذنا بعين الاعتبار طبيعة قيادة الحركة وعوامل سياق تحوّلها إلى قوّة مقاومة رئيسيّة، أوّلاً[1]؛ وحيثيات هجوم طوفان الأقصى الفلسطينية، المرتبطة باستمرار سياسات القمع والتهويد الإسرائيلية وما توجّبه من ضرورات المقاومة المسلّحة، ثانياً؛ وطبيعة الشروط الإقليمية ثالثاً،[2] واستمرار النزاع بين حماس والسلطة على تمثيل الشعب الفلسطيني، وما ينتج من خشية قيادة حماس ان يصل الإسرائيليون والسلطة إلى تسويات سياسية أو أمنية دون مشاركتها، ودون الأخذ بيعين الاعتبار قوتها العسكرية؛ فأين الغير طبيعي في أن تبادر القيادة السياسية لحماس بشكل منفرد ولحساباتها الخاصة[3] إلى شن هجوم عسكري كبير، غير مسبوق، يضع جميع اللاعبين أمام مخاطر حرب إقليمية، تؤكّد على ضرورة التعامل الجدّي مع القوّة العسكرية لحماس وأخذ وجودها، وقدراتها، ومصالحها في عين الاعتبار، والاعتراف بها كمحاور سياسي وأمني لا غنى عنه، ولايمكن تجاهله؟

بناءً عليه، وفي ضوء آليات ونتائج المفاوضات الجارية بين حماس وإسرائيل للوصول إلى صفقة تهدئة مؤقتة للهجوم الإسرائيلي على غزة، تعززها جهود الجامعة العربية، وأوراق الضغط الأمريكية والعالمية، وفي ظل استنفار حربي إقليمي غير مسبوق، وفرضية نجاح خطّة حماس على الصعيد التكتيكي في تركيز جميع أوراق القوة السياسية التفاوضية في يدها، كيف يمكن لنا قراءة مآلات الحرب من وجهة نظر مصالح الفلسطينيين المشتركة، الوطنية والإنسانية؟

1- بقاء سلطة حماس على ركام مادّي وبشري هائل، وتحدّيات إزالة آثار الحرب، وهي أبعد من إمكانيات سلطة أمر واقع ميليشياوية، نجحت تاريخيا فقط في تثبيت سلطتها المحلية في مواجهة السلطة الوطنية الفلسطنية من خلال إدارة لعبتي الاشتباك مع جيش الاحتلال، والتشبيك مع قوى محور المقاومة[4]، وتنجح راهنا في إدارة لعبة المفاوضات على هدنة إنسانية مؤقّتة، قد لا تعطيها كامل أوراق تمثيل الشعب الفلسطيني في مفاوضات سياسية قادمة، كما تريد.

أعتقد أنّ فهم جميع جوانب العلاقة الجدلية بين نهج المقاومة التي تمارسها حماس، ونهج الردع الإسرائيلي، خاصة المرتبطة بلعبة التخادم المتبادل، تساعدنا على فهم مكامن الخطر على مصالح الفلسطينيين في أن لاتؤدّي الجولة الراهنة، الأكثر تدميرا لشروط التسوية السياسية البشرية والمادية، إلى كسر قواعد الاشتباك الثلاثي، الحمساوي/الإسرائيلي/الإيراني المستمرّة لعبته منذ مطلع 2008 الذي تجيّره قيادة حماس من جانبها عسكرياً، وتعمل على تجييره، سياسياً، لتحقيق هدفها الحقيقي المركزي:

تثبيت سلطتها على غزة، وانتزاع شرعية تمثيلها للشعب الفلسطيني في إطار جهود تحقيق تسوية سياسية، تُدرك عقلية قيادة حماس البرغماتية أنّها أصبحت استحقاقاً إقليمياً وأمريكياً، وباتت خطوة رئيسية على طريق تحقيق أهداف مشروع التطبيع الإقليمي الناجز.

بناءً عليه، أعتقد أنّ بقاء سلطة مقاومة، تطمح للعب دور سياسي رفضته سابقاً، ويشكّل بديلاً للسلطة الوطنية الشرعية ولا يملك من وجهة نظر مصالح جميع قوى التسوية، المؤهّلات والشرعية، لا يساعد في تحفيز خطوات التسوية السياسية، بل ويمنع مسارات الحل السياسي بالتكامل مع جهود إسرائيلية، خاصة فيما يشكله من عقبة أمام إعادة توحيد غزة والقطاع تحت سلطة واحدة، تمثّل الطرف الفلسطيني المؤهّل لاستكمال خطوات تسوية حل الدولتين وبناء مشروع وطني.

إنّ بقاء سلطة حماس في ظروف نتائج الحرب الكارثية، واستمرار لعبة الاشتباك التي كانت قائمة منذ 2007 ومعادلات الهجوم، والهجوم المضاد، والتشبيك الإقليمي، تعزز عوامل صيرورة تدمير مقوّمات الحياة الكريمة، وتقطيع سبل أيّة مسارات تسوية سياسية، بما يجعلها الخّيار الذي لايقلّ سوءاً عن إعادة احتلال إسرائيلي مباشر، رفضته الولايات المتحدة بشكل صريح، بما يضعنا أمام سؤال المصير:

إذا كان في الخَيار الاوّل مصلحة واضحة لحماس ولسلطة الاحتلال وللعرّاب الخارجي الإيراني فما هو البديل، الذي يعطي الفلسطينيين الأمل بالتغيير إلى الأفضل؟ وما هي فرص وعقبات نجاحه؟

2- توفير شروط عودة السلطة الفلسطينية الشرعية، وإعادة السيطرة على غزة إلى الحالة التي كانت عليها قبل 2007، عبر مرحلة انتقالية، بمشاركة سياسية لحماس أو من دونها، ومن خلال قوات سلام عربية، تقوم بمهام سلطة انتقالية، تعمل على توفير شروط عودة السلطة الفلسطينية، وبالتالي فرض شروط إعادة إحياء عملية حل الدولتين في إطار مسار التطبيع الإقليمي، وفي مواجهة جميع إجراءات الاحتلال الإسرائيلي الإجهاضيّة.

ثانياً: لماذا هذا الخَيار ممكن، وما هي فرص نجاحه؟

أعتقد انّه في ظل العلاقات الخاصّة بين حماس والسلطة والفلسطينيين عموم، من جهة، وبين قطر ومصر، من جهة ثانية، يمكن، ويجب، عدم السماح لإسرائيل بفرض شروطها المتوخاة لنهاية الحرب، وتنسيق الوصول إلى خارطة طريق انتقالية، تضع الفلسطينيين وقياداتهم على مسار إعادة هيكلة وتوحيد السلطة الفلسطينية على غزة وكامل مناطق 1967، عبر التوافق على منظومة حكم ديمقراطية غير حزبية، توحّد موقف الفلسطينيين من القضية السياسية الرئيسية – التسوية السياسية التاريخية للصراع الفلسطيني/الإسرائيلي.

1- لأنّه يتوافق مع الطرح الأمريكي المُعلن لمسألة اليوم التالي وينسجم مع خطوات وإجراءات مشروع التطبيع الإقليمي الذي تقوده واشنطن منذ نهاية 2019؛ ولم يحرص الرئيس الأمريكي ووزير خارجيته فقط على التأكيد على ضرورة أن تفتح نهاية الحرب على غزة الطريق أمام مسار حل الدولتين، بما يعزز خطوات مشروع التطبيع الإقليمي، خاصّة على المسار السعودي/الإسرائيلي، بل واستخدم أيضاً ضغوطاً كبيرة على حكومة نتنياهو لحصر أهداف ووسائل الحرب المدمّرة على غزة تحت سقف الرؤية والمصالح الأمريكية.

2- لأنّه يتقاطع مع مصالح الأمن القومي المصري، ويتكامل مع طموح وسعي وإمكانات مصر للعب دور رئيسيّ في توفير ظروف المرحلة الأنتقالية، وخارطة طريق، خاصة على الصعيد ضبط الأمن وبناء السلطة الفلسطينية الجديدة، كما يمكن أن يحظى بدعم أردني/سعودي/أوروبي، فعّال ومباشر.

3- لأنّه لا يتعارض مع مصالح قطر ودور نظامها الوظيفي، بل على العكس يتيح لها فرصة لعب دور رياديّ على صعيد تمويل مشروع إعادة بناء القطاع، وتعزيز مرتكزات السلطة الفلسطينية بالكامل.

4- لأنّه أيضاً لا يتعارض مع مصالح النظام الإيراني كما قد يبدو، إذا أخذنا بعين الإعتبار تغيّر طبيعة علاقات السيطرة التشاركية الإقليمية في ظل استراتيجية التطبيع الأمريكي وتوافق نتائجه مع مصالح وسياسات جميع أنظمة الإقليم، خاصّة على مسار إعادة العلاقات الطبيعية بين أنظمة السعودية وإيران والولايات المتّحدة.

ثالثاً: ما هي طبيعة العقبات التي تواجه هذا الخَيار الوطني؟

ثلاث عقبات أساسية تعترض مسار وصيرورة الخَيار، الذي أعتقد أنّه الخَيار الوطني الفلسطيني:

1- على الصعيد الإسرائيلي

ترتبط جوهرياً برؤى ومصالح قوى اليمين الأصولية المتطرّفة (الصهيونية والدينية التي بدأت صيرورة صعودها السياسي وهيمنتها على السلطة خلال تسعينات القرن الماضي في موازاة تقدّم خطوات وآمال قيام تسوية سياسية للصراع التاريخي، وحقّقت خطوة نوعية في أعقاب اغتيال رئيس الوزراء الراحل أسحاق رابين، ووصول نتنياهو إلى السلطة. تبيّن لوحة السيطرة السياسية التي أنتجت التحالف الحكومي اليميني بقيادة نتنياهو القائم منذ نهاية 2022 طبيعة هذه العقبة الرئيسية التي تعترض مآلات توفير ظروف حل سياسي وفقاً لحل الدولتين.

2- على الصعيد الحمساوي

خطورة تعارض رؤى ومصالح وسياسات قوى اليمين الصهيوني المتطرف مع مآلات التسوية السياسية لاتقتصر على الصعيد الإسرائيلي. على المقلب الآخر، تبرز قوى داخل سلطة حماس، خاصّة على مستوى القيادة العسكرية الميدانية، ترفض مسار التسوية، وتعلن تمسّكها بالجهاد والحرب الدائمة حتى تحرير كامل فلسطين التاريخية، من البحر إلى النهر.

3- على الصعيد الأمريكي

صحيح أنّ الولايات المتّحدة هي التي قادت مشروع التسويات السياسة بين منظمة التحرير الفلسطينية والحكومات الإسرائلية المتعاقبة منذ مطلع تسعينات القرن الماضي، خاصة في محطّة أوسلو 1993، التي أنتجت السلطة الوطنية الفلسطينية، لكنّها لم تبذل ما يكفي من الجهد لتطبيقها بشكل كامل، وغضّت النظرعن سياسات اليمين الإسرائيلي الساعية لتقويض شروط التسوية (تسويف وقمع متزايد وتهويد وضم واستيطان وإضعاف السلطة الفلسطينية)، وغضّت النظر عن السياسات الإقليمية الداعمة لقوى اليمين الفلسطينية التي تلتقي مع أعدائها في اليمين الإسرائيلي عند هدف رفض التسوية وإسقاطها بالبندقية المقاتلة، وكان من الطبيعي أن تصنع سياسات الصراع المصيري بين الجبهتين طيلة عقدين حيثيات هجوم طوفان الأقصى في السابع من تشرين أوّل وتحدّد طبيعة أهداف وأدوات الرّد الإسرائيلي.

في أعقاب هجوم طوفان الأقصى، وعلى الرغم من إعلان الإدارة دعمها الكامل لحرب إسرائيل على غزة، لكنّها، في نفس الوقت، اشترطت ألا تؤدّي الحرب الى تهجير أو أضرار كبيرة بالمدنيين أو البنى التحتية، وأكّدت على لسان رئيسها ووزير خارجيته، أن من أولويات سياسات واشنطن في مواجهة عواقب طوفان الأقصى هو عدم السماح بتقويض شروط التسوية، والإصرار على أن تصل نهاية الحرب إلى عتبة مسارات التسوية، فإنّ من اللاموضوعية التعويل على مواقف واشنطن، وحتى على تقاطع مصالحها مع نتائج التسوية، ليس فقط في ضوء تجارب الفشل التاريخية، بل أيضا وبسبب الانتخابات الأمريكي المقبلة، 2024، وما توجّبه مصالح الديمقراطيين في ضرورة كسب رضى الرأي العام الأمريكي (الديمقراطي)، المؤيّد لإسرائيل، من عدم استخدام أوراق مواجهة رادعة لسياسات الحرب الإسرائيلية، الساعية لتقويض شروط الحياة الإنسانية لملايين الفلسطينيين، ناهيكم عن شروط التسوية السياسية.

في الختام، من نافل أنّ ما قدّمه الفلسطينيون من تضحيات، وأظهروه من بطولات في الدفاع عن حقوقهم المشروعة، تجعلهم يستحقون رؤية ضوء ما في آخر النفق، فلتكن رؤيتنا كقوى وطنية وديموقراطية واضحة، إذا كنّا حقا دعاة وأنصار قيام تسوية سياسية هي الأفضل في ظل موازين ولعبة الصراع القائمة، فلسطينيّاً وإقليمياً وأمريكيّاً.


[1]– حركة المقاومة الإسلامية ولدت 1987 في ظروف بطولات الانتفاضة الفلسطينية الأولى، وترعرعت، وتحوّلت إلى سلطة حاكمة في غزة 2007، في موازاة إضعاف السلطة الفلسطينية وصعود اليمين المتطرف لإسرائيلي، في سياق شروط مؤاتية، صنّعتها سياسيات حكومية وأمنية إسرائيلية محدّدة، وكان يمكن لمصالح وسياسات مختلفة أن تصنع مآلات سياسية وعسكرية متناقضة على الصعيدين الفلسطيني والإسرائيلي، وعلى صعيد العلاقات البينيّة. هي الحقيقة الأبرز التي لا ينبغي تجاهلها، إذا كنّا نبتغي الموضوعية.

بعد اغتيال بطل السلام الإسرائيلي، رئيس الوزراء إسحاق رابين 1995، اتبع خليفته، اليميني الإرهابي نتنياهو ومجموعته السياسية والأمنية المعارضة لمسار السلام مع الفلسطينيين، سياسات إجهاض شروط الحل السياسي، عبر تصعيد وسائل العنف العنصري ضدّ جميع أطياف قوى الشعب الفلسطيني وسياسات التهويد والضم وبناء المستوطنات وانتهاك حرمة الأماكن المقدّسة، وما توفره من بيئة جاذبة للتعصب الديني، والتطرف السياسي، وبالتالي تعزيز شروط إضعاف السلطة الفلسطينية وتقوية شروط صعود حماس، التي تقاطعت رؤيتها الإيديولوجية ونهجها السياسي مع أهداف وسياسات قوى اليمين الصهيوني المتطرف، الرافضة لقيام تسوية سياسية وفقا لمسارات أوسلو، وقد بررت، خاصة بعد 1993، وسائل المقاومة الحمساوية العنيفة ردود أفعال إسرائيلية انتقامية، متشابهة في النهج والأدوات، وضعت موضوعياً قوانين لعبة اشتباك سياسي وعسكري، خلقت شروط تساوق صعود حماس وتحوّلها إلى قوّة عسكرية وسياسية أولى في ميزان قوى الصراع بين إسرائيل والشعب الفلسطيني، وصعود اليمين المتطرف الإسرائيلي وتحوّله إلى العامل الرئيسي في صنع القرار الرسمي الإسرائيلي.

[2]– المرتبطة أوّلا بجهود التطبيع الإقليمي التي أعقبت اتفاقيات ابراهام للسلام خلال 2020، وما نتج خاصة عن منتدى النقب خلال 2022 من خطوات وإجراءات تطبيع شامل بين إسرائيل ودول سلام إبراهام، ثمّ تعثّر مسار التطبيع الإقليمي عند عقدة العلاقات السعودية/الإسرائيلية، وما تمارسه الولايات المتّحدة من ضغوط على الحكومة الإسرائيلية لفرض تسوية سياسية فلسطينية تلبّي شروط قيام تطبيع كامل مع السعودية؛ والمرتبطة ثانياً بتجاهل جميع المفاوضات السياسية والأمنية التي قادتها واشنطن في لقاءات عمان والقاهرة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية لوجود حماس، وتنكّرهم لأي دور سياسي/أمني يمكن أن تلعبه في إطار الصفقات السياسية الجاري ترتيبها برعاية أردنية مصرية، ودعم سعودي، سواء لجانب السلطة الفلسطينية أو كبديل عنها، وتجاهلهم لوقائع سيطرة حماس على غزة، وما تملكه من قوّة عسكرية، ودعم إقليمي، تجعل منها طرفاً رئيسياً في المفاوضات، ووضع ترتيبات تسوية سياسية.

[3]– هل نجحت قيادة حماس في تفادي الضغوط التي تمنع تنفيذ هجوم طوفان الأقصى، سواء من خلال عدم التنسيق مع شركائها في طهران والضحية البيروتية، أو من خلال مباغتة العدو؟ لقد ذكرت مصادر إيرانية رفيعة المستوى عدم معرفة القيادة الإيرانية بتوقيت وطبيعة الهجوم (وهو ما أكّدته تصريحات الرئيس بايدن)، كما أكّد السيد حسن نصر الله أن قرار الهجوم كان فلسطينياً.

[4]– لقد نجحت لعبة الاشتباك التي تُديرها مع جيش الاحتلال منذ مطلع 2008، وما تؤدّي إليه من نوبات متتالية من الحروب غير المتكافئة، في انتزاع شرعية سلطتها الفلسطينية على قطاع غزة، أكثر مما نجحت في تحرير وبناء شبر واحد من التراب الوطني الفلسطيني، كما ونجحت لعبة التحالفات- التشبيك التي نسجتها مع أنظمة المقاومة الإقليمية في تثبيت سلطتها في مواجهة السلطة الفلسطينية العميلة وبالتالي تعزيز شروط تقسيم الفلسطينيين بين كيانين سياسيين متصارعين على التمثيل السياسي الوطني، وبرّرت سياسات دولة الاحتلال الرافضة لقيام حل سياسي، وحرمت الفلسطينيين من بناء سلطة سياسية موحّدة، وسبل بناء مقوّمات مشروع وطني ديمقراطي محلّي يوفّر للفلسطينيين شروط الأمن والحياة الكريمة، وحصرت سقف حلم الفلسطيني بالعمل كأجير داخل الخط الأخضر. لقد أدّى ربطها لقضية الشعب الفلسطيني المركزية، الوطنية التحررية والديمقراطية، بمشروع إسلامي عابر للحدود إلى تهميش الطابع الوطني الديمقراطي للقضية الفلسطينية، وإضعاف روابط وشروط بناء الهوية الوطنية والقومية للفلسطينيين، وسمح للقوى الإقليمية الإسلامية بتجيير تضحيات الفلسطينيين وحقوقهم المشروعة لصالح أهدافها الخاصّة.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني