fbpx

ضرب إسرائيل للمنشآت النووية الإيرانية.. بروباغندا إعلامية أم حقيقة ستحدث؟

0 119

‎يبدو أن الملف النووي الإيراني لا يزال قيد المراقبة دولياً، وليس هناك ما يشير إلى إمكانية حدوث ضربة عسكرية لمنشآت إيران النووية خلال فترة قصيرة، رغم أن إسرائيل لا تزال تعتقد كما يصرّح مسؤولوها أن اليقين الوحيد بشأن إزالة المخاوف من خطر النووي الإيراني هو القيام بتدمير هذه المنشآت.

‎إسرائيل الخائفة من امتلاك نظام الملالي الإيراني للقنبلة الذرية تقول إن تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية في شهر شباط/فبراير عام 2023 جاء فيه: أن الوكالة عثرت على جزيئات من اليورانيوم تمّ تخصيبها بنسبة 83.7%، وهو مستوى أقل بقليل من نسبة 90% اللازمة لإنتاج قنبلة نووية في منشأة فوردو الإيرانية.

‎خوف إسرائيل من القنبلة النووية الإيرانية المنتظرة يرتكز أساساً على خوفها من امتلاك أي دولة إقليمية في الشرق الأوسط للسلاح النووي، لأن ذلك الامتلاك يهدّد تفوقها العسكري في المنطقة، ويهدّد في الآن ذاته وجودها، وهذا ترفضه، وكانت قد منعت من قبل وجود أي برامج نووية مجاورة لها، مثل ضربها للمفاعل النووي العراقي قيد الإنشاء في السابع من شهر حزيران/يونيو عام 1981، وكذلك ضربها لمنشأة الكُبر في محافظة دير الزور عام 2007.

‎إن انسحاب الإدارة الأمريكية في عهد دونالد ترامب من اتفاقية النووي الإيراني في أيار/مايو عام 2018 كان انسحاباً فردياً، وترافق الانسحاب مع إعادة فرض العقوبات الاقتصادية على نظام طهران، وهنا تظهر حقيقة التباين العميق في النظر إلى المشروع النووي الإيراني من قبل الجمهوريين والديمقراطيين، حيث يعتبر اتفاق 5+1 الموقع في فيينا عاصمة النمسا في الرابع عشر من تموز 2015 إنجازاً قامت به إدارة باراك أوباما الديمقراطية، في حين اعتبرته إدارة ترامب الجمهورية بأنه اتفاق إذعان للإيرانيين وهذا ما يجب إنهاؤه و خاصه بعد فضح ارسال طائره معبئة بأموال إيران المصادرة. التباين ما بين الرؤيتين والموقفين (الجمهوري والديمقراطي) في الولايات المتحدة لا يزال يفعل مفاعيله لدى إدارة جو بايدن الديمقراطية. فالديمقراطيون راهنوا من قبل على تقييد المشروع النووي الإيراني ومنع انتقاله إلى مستوى إنتاج القنبلة الذرية، في وقت كشفت فيه تحريّات وكالة الطاقة النووية، إن نسب تخصيب اليورانيوم تشير إلى إرادة نظام طهران بامتلاك برنامج نووي عسكري سرّي. وهذا الأمر دفع الولايات المتحدة وحلفاءها على الإصرار على تفتيش المواقع النووية المعلنة وغير المعلنة، وهو أمر عملت إيران على التملص منه ورفضه، على اعتبار أن المواقع المطلوب تفتيشها هي مواقع عسكرية، ما يعني انتهاكاً للسيادة الإيرانية.

‎إن اعتماد الديمقراطيين على سياسة الاحتواء للبرنامج النووي الإيراني هي سياسة ترفضها إسرائيل، وتعمل على تغييرها من خلال الضغوط عبر اللوبي الإسرائيلي في واشنطن، ومن خلال العمليات السرّية العسكرية ضد المنشآت الإيرانية دون تبنيها.

‎لقد ثبت لدى إدارة جو بايدن أن الانتظار طويلاً لعقد اتفاق صريح وواضح مع إيران يمنع أي نشاط نووي عسكري الغاية هو اتفاق لن يثمر الأهداف التي تتوخاها الإدارة الديمقراطية، وبالتالي لا بدّ من وضع استراتيجية بديلة، وهو أمرٌ قد يكون شكّل دافعاً لإعادة انتخاب بنيامين نتنياهو وحزبه الليكود في إسرائيل، فهذا الرجل لن يكون مرتاحاً قبل أن ينفّذ عمليات تؤكد تدمير برنامج إيران النووي.

‎ولكن، هل لدى إسرائيل خطة عملية لضرب منشآت إيرانية النووية المخيفة لها؟

‎لقد قال نتنياهو في هذا الباب: “إنه أقرّ خطةً للتعامل مع الملف النووي الإيراني في الفترة المقبلة، وإنه أطلع الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وألمانيا على استعداد إسرائيل لشنّ هجوم على إيران لوحدها”.

‎خطط إسرائيل لشن ضربات عسكرية تقلق إدارة بايدن من احتمال نشوب حرب إقليمية في الشرق الأوسط، تكون فيه دول الخليج وسوريه والعراق، والآن الأردن بعد تعزيز الوجود العسكري الأميركي فيه، ساحه حرب واسعه. ولكن ما قيمة هذا القلق إذا كان الأمر يتعلق كما يقول اليمين الإسرائيلي بوجود إسرائيل، وهو ما يعني الذهاب بعيداً في استنفار أدوات الضغط الإسرائيلية في الولايات المتحدة والغرب، سيما وأن تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية يساعد اليمين الإسرائيلي على تبرير هجماته العسكرية المحتملة ضد المنشآت النووية الإيرانية. ولكن الإعلان حديثاً عن عودة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران يطعن بالحلف الخفي غير المعلن الذي حاول نتنياهو بناءه وبلورته لعزل إيران وتعزيز احتمال الهجوم عليها وإحداث إكبر ضرر لبرنامجها النووي. ولكن هذا أيضاً قد يكون مناوره من السعودية لإبعاد نفسها عن المقدمة والرجوع للصفوف الخلفية عند تنفيذ الهجوم العسكري على إيران ما يجعل احتمال تنفيذ إيران لهجوم انتقامي عليها في أدنى الاحتمالات، وهذا بالمحصلة يحد من فرص احتمال نشوب حرب إقليميه وواسعة ويجعل عملية الضربة الهجومية على إيران محصورة بينها وبين إسرائيل ومن خلفها داعمها أمريكا. 

وإذا كان هذا بالفعل ما سيحدث ويتوقع حدوثه، فإنه سيكون من مصلحة الجميع وحتى أمريكا والمجتمع الدولي عدم توسع هذا الهجوم إقليمياً بما يهدد الاقتصاد العالمي والملاحة البحرية وأمن واستقرار دول الخليج الغنية بالنفط والغاز ومصادر الطاقة.

إن المراقب لتطور الملف النووي الإيراني يستنتج ببساطة، إن إيران تراوغ في اكتساب الزمن حتى حافة الهاوية، وذلك لصناعة قنبلتها الذرية.

‎إن امتلاك إيران للقنبلة النووية يعني تغييراً عميقاً واستراتيجياً في ميزان القوى في منطقة الشرق الأوسط وعلى المستوى الدولي، فوجود قنبلة ذرية إيرانية يعني ردعاً عسكرياً خطير المحتوى لمن يفكر بمواجهة مع إيران، كذلك امتلاك إيران لهذه القنبلة سيؤدي إلى تآكل النفوذ الاسرائيلي في الشرق الأوسط، وبالتالي فقدان الأهمية لمشروع اتفاق أبراهام.

‎من جهة أخرى وفي ظل عدم وجود مشروع عربي للتنمية المتكاملة، فإن امتلاك إيران لقنبلة ذرية يعني تحويل محيطها العربي المجاور إلى جزر تابعة لحكم وسيطرة طهران، وهو بالمعنى الاستراتيجي ليس خسارة لإسرائيل فحسب، بل تهديداً للمصالح الغربية في هذه المنطقة.

‎وفق هذه الرؤية لا يمكن القول إن تصريحات القادة الإسرائيليين بشأن ضرب منشآت إيران النووية هي عبارة عن بروباغندا إعلامية إسرائيلية، فالأمر يتعلق بوجود مهدّد وبهيمنة تساعد على استقرار هذا الوجود.

إن ضرب المنشآت النووية الإيرانية في ظل نظام الملالي هو هدف مطلوب داخل إيران وخارجها، فالنظام الإيراني لا يهمه سوى تنفيذ رؤيته المتخيلة ببناء دولته الصفوية الكبرى، وهذا يعني خطراً على شعب إيران الذي ينتفض في ثورة سلمية عارمة ضد مشروع تصدير الثورة والحكم الإلهي المطلق لما يسمى (مرشد الثورة وكيل المهدي المنتظر وفق الأسطورة الشيعية) وإن ضرب المنشآت سيفتح حرباً في المنطقة مع غالباً تحييد لدول الخليج، ولكن نتائجها لن تكون البتة لصالح نظام طهران الذي تستنزفه الثورة الداخلية وأعباء تدخله في الجوار العربي.

‎فهل ستحدث الضربة العسكرية الإسرائيلية قريباً والتي طال انتظارها؟. وهل ستكون ضربة متعددة الأطراف أمريكياً واسرائيلياً وربما أوربياً؟.

‎الجميع في انتظار انقشاع الغباشة عن الحقيقة المنتظرة التي من دون شك ستغير خارطة نفوذ المنطقة.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني