fbpx

تهافت النظام العربي لاستعادة الديكتاتور التائه!  

0 76

مع اندلاع ثورات الربيع العربي عند مطلع العشرية الثانية من القرن الحادي والعشرين توجس النظام الرسمي العربي منها وخشي امتداد عدواها في عموم المنطقة فعمل على كسر موجاتها والتآمر عليها بأساليب شتى كون انتصارها سيشكل تهديداً جدياً لبقاء هذا النظام السقيم والمتماهية أطرافه بالكثير من الصفات المشتركة خصوصاً أن الدوائر الغربية لا تجد لها ثمة مصلحة في أي إصلاح سياسي جاد ينهي حقب الاستبداد والفساد في منطقة رانت فيها سطوتيهما لقرون ولم يتم تمكين شعوبها من نيل الحرية والعبور بها نحو الديمقراطية وبناء دول تحكمها المؤسسات حيث تبين على أرض الواقع أن خطاب الغرب بخصوص الديموقراطية ما هو سوى قول حق يراد به الباطل بل أن الغرب استثمر في تجيير هذه الثورات خدمة لأجنداته المرسومة لمنطقة لم تنجز مشروعها الوطني الديموقراطي المأمول بعد تحقيق الاستقلال السياسي الشكلي في خمسينيات القرن المنصرم و تبين أن الغرب (الولايات المتحدة على وجه الخصوص) قد وجد في انتفاضات الشعوب المتعطشة للحرية ضالته للعبث بمساراتها من أجل تنفيذ مشاريع فوضاه المدمرة لرسم خرائط جديدة للمنطقة وإعادة هيكلتها حيث دعم قضايا الديموقراطية إعلامياً بداية وحين انتفضت الشعوب أدارت الإدارات الأمريكية المتعاقبة ظهرها بل بدأت تدير الصراع بما يخدم أجنداتها وما زلت.

لقد ارتاب النظام العربي من العصف الذي انطلق من تونس فعمل على احتواءه وتخميده من خلال ركوب موجته وادعاء تبنيه وتمكينه إلا أن الوقائع على الأرض لاحقاً أعطت نتائج معاكسة تماماً وهذا أمر طبيعي حيث لا يعقل أن تقف أنظمة قروسطية مستبدة ومعادية للديمقراطية إلى جانب الشعوب وطموحاتها في التغيير.

إن انطلاقة الثورة السورية شكّلت علامة فارقة في مخاض الربيع العربي حيث كانت النخب السياسية تأمل قبل انطلاقتها بسنوات أن يبادر الأسد الابن إلى القيام بخطوات جدية لإصلاح سياسي يعيد انعاش الحياة السياسية إلى سوريا بعد تصحر قد طال كثيراً إلا أن حسابات الحالمين انتهت بأغلبيتهم في العودة من جديد إلى السجون التي خرجوا من غياهبها بالأمس القريب في حينها ورغم الجراح والاحتقان والتاريخ الحافل بجرائم النظام الهمجي لم يجعل شباب سوريا الذي فجّر الثورة ينحرف ببوصلته الوطنية الجامعة بل كان شعارهم المدوي: واحد واحد واحد، الشعب السوري واحد، قد قضّ مضاجع المافيا الأسدية الحاكمة مما جعلها تلجأ لفائض القوة لديها وتخوض بدماء طلاب الحرية بوحشية لا مثيل لها في التاريخ.

لقد فشل بشار أسد بالحفاظ على سوريا وشعبها بعد سقوط بغداد ولم يرتق لمصاف رجل دولة يعمل على تجنيبها من الكوارث التي أحدقت بها بل ذهب بخياره الأمني والعسكري إلى نهاياته ليرتكب الجرائم المهولة بحق شعب أبي كل ذنبه أنه انتظر وأكثر من عقد إصلاحات جدية كان يأملها إلا نظام المافيا قد خذله وحين لجأ للحراك السلمي كان الرد بالحديد والنار والمعتقلات والتهجير والتدمير للحواضر السورية.

لقد وقفت دول الخليج العربي بداية مؤيدة للثورة السورية (عدا سلطنة عمان) وشاجبة لممارسات الأسد ما فوق الوحشية ضد الشعب السوري الأعزل وطمعاً في احتواء النفوذ الإيراني وتطويقه بما يمثله من خطر وجودي مباشر عليها إلا أن المواقف اخذت بالتبدل لاحقاً خصوصاً من قبل دولة الإمارات التي انطلقت من مواقف أيديولوجية نابعة من توجسها لركوب الإسلام السياسي موجات الربيع العربي خشية على النظام الرسمي لدول مجلس التعاون.

لقد كانت اندفاعة دولة الإمارات وما زالت تثير الكثير من التساؤلات حول حماستها لتعويم نظام مدان عالمياً بارتكاب جرائم حرب غير مسبوقة ومفروضة عليه عقوبات أمريكية معروفة للجميع إلا أن حكام الإمارات حاولوا الالتفاف عليها منذ عام 2013 فغدت مواقفهم من النظام السوري غامضة وخجولة في البداية حول إعادة نظام أسد المجرم إلى الصف العربي هكذا وبكل بساطة رغم أن الداعين هم شهود عيان على الكارثة السورية وعلى حمامات الدم وتلال الجماجم للأبرياء العزل الذين حلموا بانتقال وطنهم لضفاف الحرية والمواطنة ودولة المؤسسات وطي صفحة التوحش والهمجية في سوريا التاريخ والحضارة.

تالياً خطت الإمارات خطوة أخرى للأمام حيث تم فتح سفارة أبو ظبي يوم 27 ديسمبر 2018 تحت عنوان “حرص حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة على إعادة العلاقات بين البلدين الشقيقين إلى مسارها الطبيعي بما يعزز ويفعّل الدور العربي في دعم استقلال وسيادة الجمهورية العربية السورية ووحدة أراضيها وسلامتها الإقليمية ودرء مخاطر التدخلات الإقليمية في الشأن العربي السوري”! ونعتقد أن هذا جاء مناكفة لتركيا حينها بسبب تردي العلاقات بين البلدين تركيا والإمارات العربية المتحدة.

تلا ذلك زيارة عبدالله بن زايد إلى دمشق في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2021 وهي الزيارة الأولى لمسؤول إماراتي منذ اندلاع الثورة السورية من أجل “التعاون في القطاعات الحيوية خصوصاً وتعزيز الشراكات الاستثمارية في هذه القطاعات”.. حيث علقت مصر على الزيارة مشجعة السعي العربي لعودة دمشق إلى مقعدها في الجامعة العربية! إلا أن الموقف الأمريكي جاء سريعاً ليذكّر المهرولين صوب دمشق بالتفكير مليا في “الفظائع” التي ارتكبها الأسد وأن الإدارة الأمريكي لن تقدم أي دعم للساعين لتطبيع العلاقات مع الديكتاتور الوحشي مما خففت هذه التصريحات من الاندفاعة الإماراتية مؤقتاً. ثم جاءت زيارة رأس النظام إلى الإمارات عبر الأبواب الخلفية في آذار من العام 2022 وكأن النظام الإماراتي أراد من هذه الزيارة أن تتم في الذكرى الحادية عشرة لاندلاع الثورة السورية مما شكّل موقفه سابقة خطيرة وخروجاً على قرارات الجامعة العربية وخرقاً للعقوبات الدولية والقرارات الأممية بخصوص الانتقال السياسي في سوريا خصوصاً القرار 2254 ذو الصلة ومكافأة لنظام مجرم دمر الحواضر السورية واستخف بدماء مليون شهيد سوري وتهجير الملايين في جهات الأرض الأربعة وتغييب مئات الألوف من المعتقلين في أقبية سجونه.

إن تهافت أبو ظبي تجاه النظام الأسدي المعزول لا مبرر له تحت أية ذريعة حيث هذا النظام مغلول اليدين بسبب سطوة إيران وهيمنتها على الوضع في سوريا فهي لها اليد العليا على كل إرادة أو سيادة في سوريا الجريحة وإيران هي أسوأ الاحتلالات الجاثمة على التراب السوري وواهم كل من يظن ان التقارب مع هذا النظام سيبعده خطوة واحدة عن نظام الملالي الذي يحتل اليوم أربعة عواصم عربية وعينه على عواصم الخليج والذي يرفض بالمطلق تسميته بالخليج العربي.

لقد اخترقت إيران بنية النظام السوري منذ الأسد الأب وبعد انطلاقة الثورة السورية أمعنت أكثر في تدخلاتها بمفاصل هذا النظام حتى غدت الآمرة والناهية وأن رأس النظام لا حول ولا قوة له.

ولذا نرى أنه من المفيد للنظام العربي أن يكون واقعياً في مساعيه لإعادة العافية للوطن السوري المدمى وذلك من خلال إجماع عربي للضغط على النظام من أجل القبول بالانتقال السياسي لتطبيع الأوضاع في سوريا لاحقاً وذلك عبر تحقيق العدالة الانتقالية وعودة المهجرين والشروع بإعادة إعمار سوريا المدمرة وبالتالي إعادة سوريا إلى الصف العربي عبر نظام رشيد يجمع عليه السوريون كافة ومغادرة الإيراني وكل الاحتلالات الجاثمة على الأراضي السورية بدل شراء الوقت على حساب المعاناة المهولة للشعب السوري المنكوب.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني