fbpx

تعدّدت الدوافع والمآل واحد

0 191

شهدت مدينة السويداء حراكاً عنيفاً قاده عدد من شباب المحافظة ضد النظام المجرم بعد العديد من الأحداث التي شهدتها المحافظة من قتل وخطف واعتقال تعسفيّ، وسرقة ونهب، وجاء تدهور الوضع الاقتصادي في المحافظة وباقي مناطق النظام ليُكمل المشهد المأساوي الذي تسبّب فيه هذا النظام، فاقتحم الشباب مبنى محافظة السويداء وقاموا بحرق المبنى وتمزيق ووطء صور كل من المقبور حافظ أسد ووريثه المجرم بشار لتقوم عصابات الأسد بإطلاق النار عليهم ما أدّى إلى مقتل شابّين من المتظاهرين، ومقتل عنصر من شبيّحة النظام، وما زالت الأجواء في المحافظة تشهد حالة من الاحتقان والترقّب.

عندما تكون قدراتنا محدودة وطاقتنا ومهاراتنا يمكنها أن توصلنا إلى حد معيّن لا نستطيع تجاوزه، علينا أن نعرف قدراتنا وننتقي معاركنا بعناية , وعلينا أن نفكِّر بالتكاليف غير المنظورة للمعركة كـ “خسارة الوقت وهدر الرصيد السياسي والشعبي، وأن نفكّر بثمن انتقام العدوّ…” عندها يكون من الأفضل الانتظار وعدم الدخول في المعركة المباشرة، والتحوّل للحرب السريّة ضد العدو، ويمكن القول أننا على صعيد الثورة نعيش هذا الحال فالأطراف الدوليّة تحيط بنا عسكرياً من كل جانب، وخارطة الصداقات والتحالفات تشهد تحوّلات مفصليّة، وتغييب قسري للقرار الثوري المستقِلّ، وتربّص الجميع بالثورة، مع وجود حاضنة ثوريّة تعاني من أزمات اقتصاديّة، وأزمات نفسيّة تنعكس على الثقة بينها وبين قوى الثورة، مما يُضعف القاعدة الأساسية للثورة.

وعلى الجانب الآخر من المعركة نجد أنّ النظام يشهد انهياراً مستمراً في بنيته المؤسّساتيّة، وتفكّك في بنيتها البشريّة، وتدنّي مستوى الحالة المعيشيّة للحاضنة الشعبيّة للنظام، التي تعاني من الفقر والفساد والظلم وغياب الأمن وانحلال المجتمع وانتشار الدعارة والمخدرات، وتسلّط الميليشيات الطائفيّة والمرتزقة الأجنبية، مما يُشكِّل الخاصرة الرخوة للنظام وأن توجيه أيّة ضربات عليها “تؤلمه وتؤلمها” ما يزيد في مشكلاتها وتعميق الفجوة بينها وبين النظام ما يؤدّي إلى الانفجار.

ليس من مصلحتنا الثوريّة تسفيه أي حراك ضد عصابات الأسد في مناطق سيطرته، مهما كانت دوافعه، حتى لو لم تجمعنا وإياه قيم الثورة، لأنّ أي حِراك هو في النهاية عامل من عوامل إسقاط ما تبقى من أنقاض هذا النظام ’’ الفقراء، الجوعى، الخائفون، المتوجِّسون، المخدوعون…..” كل هؤلاء قنابل موقوته قابلة للانفجار في وجه النظام في أيّ لحظة، الأمر الذي يفرض علينا نزع صمّامات الخوف من صدورهم، ليتمكّنوا من الانتفاضة بقوة عندما يجدوننا في ظهورهم مساندين، مواكبين لانتفاضتهم، لأن الجميع سيشعر بحجم الكارثة التي سبّبها تقاعس الكثير من هؤلاء عن اللحاق بركب الثورة والمساهمة في إسقاط النظام وتوفير الكثير مما عانوه، وبالتالي التأكيد على صحة وسلامة خيار الثورة وسمّو قيَمها ورفعتها.

التفكيك من الداخل هو أحد أهم أساليب الجيل الخامس من الحروب، ويكون عبر إثارة القلاقل بين الحاضنة والسلطة المستهدفة، والغريب عند بعض أهل الثورة، رُغم أنّنا نعاني من هذا الأسلوب منذ أكثر من عشر سنوات من خلال الاختراق، والحرب النفسيّة، والإعلامية، ونشر الأكاذيب، والتخوين، وتشويه قيم الثورة، فإننا لم نُحسن استخدامها ضد عدوّنا.

وبناء عليه يمكن استغلال هذا الحِراك وغيره في تفكيك النظام من الداخل عبر تحريض حاضنة النظام وتأليبها عليه واعتقد بأنّه أحد الخيارات المهمّة في مواجهته، من خلال تفعيل عوامل القلق في نفس حاضنته، إذ أنّ القلق يدفع لفقدان آخر ما تبقّى من الثقة به، وفقدان الثقة يؤدي إلى الخوف والانكفاء، والانكفاء يؤدّي إلى التمترس، والتمترس يؤدي إلى الصراع والصدام، والصدام يؤدي إلى المواجهة المباشرة، والمواجهة المباشرة تؤدي إلى إسقاط كل الحواجز عندها تبدأ حركة التمرّد بالدوران، فعند الوصول بها إلى الثورة عليه نكون قد كُفينا مؤونة الخسائر البشرية وإطالة أمد الصراع.

ويمكن الاستفادة مما يجري في السويداء على أنّه دليل إضافي دامغ في مواجهة المجتمع على أنّ بشار لم يَعُد أسداً يُعوّل عليه في إعادة بناء دولة سوريّة قادرة على تحقيق السلم الأهلي من خلال سياسته القمعيّة التي واجه بها هؤلاء المحتجّين ’’ من الأقليّات ” من حاضنته والمُفترض أنّه ’’ حاميها ’’ وإطلاق الرصاص الحيّ عليهم وقتلهم وأنّ هذه العقليّة الاستبداديّة الوحشيّة طبع متأصِّلٌ فيه لا يمكنه التخلّي عنه أو نزعه منه، وبالتالي لا يمكن التعويل عليه في حفظ السلم والأمن الدوليّ لأن استمرار الحرب في سوريّة، وتفاقم الأوضاع المعيشيّة سيزيد من احتمالات الهجرة والتهجير القسري إلى دول الجوار وبالتالي تصدير الأزمات إليها.

وإنّ كل محاولات إعادة إنتاجه أو تأهيله غير نافعة، وإنّما هي خسارة في الجهود ومضيعة للوقت، وزيادة في عمر مأساة الشعب السوري، وأنّ كلّ من يحاول التطبيع معه سيدفع ثمن الفشل الحتمي الناجم عن تعويله على “أنقاض نظام” لا قدرة له على الوفاء بالالتزامات التي تفرضها العلاقات الدوليّة.

وعلى كل جميع السوريين أن يوقنوا أنّ هذا النظام لابُدّ أنّه زائل، والدليل على ذلك ما تشهده حاضنته من فقرٍ وضنكٍ وتشبيحٍ وفسادٍ وإجرامٍ، وقتلٍ واعتقالٍ، اليوم نشهد حركات ’’ مطلبيّة ’’ لتوفير الحد الأدنى من الغذاء والدواء والماء والمأوى فكان مصير أصحابها الموت برصاص عصابات الأسد، وغداً سيخرج آخرون بمطالب أخرى وسيكون مصيرهم الموت والقتل وهكذا هي دورة حياة كل من يخضع لهذا النظام، فمهما كانت المطالب مُحقّة وعادلة لن يُقدّمها النظام لأهلها، لأنه يريد استعبادهم ويقتل أبنائهم ويستحيي نسائهم فمهما “تعدّدت الدوافع فالمآل واحد” وهو الموت أو الاعتقال أو التعذيب، لذا عليهم أن يحسموا أمرهم ويُحدّدوا خياراتهم، والعمل على التخلّص منه كونه السبيل للخروج من دائرة الموت التي يدورون في فلكها.

وأخيراً وكوننا ثوار ونحمل قيم ثورة نبيلة ومؤتمنون عليها، فمن الواجب علينا أن نُظهِر “التفوّق الأخلاقي” على أعدائنا من خلال التعاطف ودعم الفئات “المُستضعفة” المُهمّشة “ضحيّة” الفقر وضيق ذات اليد وضحيّة “تشبيح” عصابات الأسد، وتفكيك عُرى “تحالف الأقليّات” ونقض ذريعتهم في هذا التحالف مع النظام المُجرِم باعتباره “حامي الأقليّات”، وأنّ ثورتنا لكل السوريين، وهي ثورة حقّ وعدالة، ضد نظام مستبدّ مجرم لم يسلم من إجرامه لا عدو ولا معارض ولا حليف ولا موالي له فهو كتلة من الشرّ أينما حلّ سفك الدماء واستباح الحرمات ونهب الممتلكات، ونشر الرذيلة والسفالات.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني