fbpx

براءة قيد الاحتيال

0 41

حين بلغت السادسة من عمري كان والدي يتركني وحيدا في دكانه أجلس كخيال المآتة، عندما يذهب للصلاة في جامع الساحة أو الجامع العمري، أو لقضاء بعض حاجاته، كشراء مواد من تجار الجملة المعروفين آنذاك أبناء البطل ومصطفى عرجة، والمسافة بين الدكان وتلك الأماكن حوالي 200 متر.

في يوم من أول أيام ربيع 1974 وكنت قد بلغت سن السابعة، وبدأت أبيع بعض الأشياء البسيطة، ذهب والدي لقضاء مقصدٍ من مقاصده المحدودة تلك.

كان مذياع دكان والدي منتشياً منذ عدة أشهر “بانتصار” حرب تشرين، يبث أغاني تمجيدية وتقارير حماسية وأخباراً وتبريكات تتردد يومياً من مئات الأسماء! إثر ذهابه جاءني زبون عمره بحدود الـ 30 عاماً طويل القامة ممتلئ الجسم وطلب علبة سجائر، أذكر أن سعرها كان 40 قرشا، انبرى يفتحها وهو يطلب أن أسجلها في دفتر الدين. ارتبكت لأني لم أكن قد رأيته في الحارة قبلا، ولم أك قد كتبت في دفتر الدين! أحس بارتباكي، وبكل ثقة أكد أن والدي يعرفه حق المعرفة. لم يخطر ببالي أن رجلاً بهذا القد قد يكذب، ولم أك قد وعيت الاحتيال والمحتالين، وربما أيضا غلبت لهفتي في أن أستعمل “دفتر الديّن” لأول مرة على حرصي!

قلت له: ما اسمك؟

فرد بكل ثقة: حسين حَصِلْ.

وبصعوبة هجأتها، وانتظر حتى كتبتها ثم غادر.

رجع والدي، وكان من عادته أن يسألني، فيما إذا سأل أحدٌ عنه، أو أرسل شيئاً، لكنني استبقت سؤاله هذه المرة، وبادرته بفرح من أنجز إنجازاً عظيماً، وفتحت الدفتر على الصفحة ووضعت إصبعي حيث كتبت اسم المشتري ونوع البضاعة المباعة وسعرها. حينما وقع نظر والدي على الاسم بقي هنيهة صامتاً، بينما لا أزال بنشوة كبرى أتبع الكلمات التي كتبتها بسبابتي الصغيرة. أربكني صمته وتسمّرتْ عيوني في وجهه علّي أقرأ فيه أو أسمع من شفاهه سبب صمته!؟ فك صمته بابتسامة خيبة، وقال: “هذا الرجل احتال عليك وسرق منك علبة الدخان”.

دافعت ببراءة عن جهلي وعن الرجل أيضاً، وقلت: “انظر؟! ها هو اسمه، كتبته هنا، “حسين حَصِلْ”!؟.

ابتسم بوِّدٍ هذه المرة وقال: “إن معنى اسمه، أنك لن تستطيع تحصيل ثمنها أبداً”!.

انصرف والدي يرتب بضاعة دكانه، بينما كان صوت حافظ الأسد يتردد من المذياع: “نريد أن نوفر للأجيال المقبلة ما هو حقها، أن نوفر لها العيش الرغيد والمستقبل الباسم المشرق، المستقبل الذي تنعم به في الحرية والأمن والطمأنينة والسلام”(!). أما أنا فجمّدتني الخيبة في مكاني ورحت أسرح مع المذياع بينما ذهني تحت وطأة “حسين حَصِلْ” الذي بات مختبئاً إلى اليوم في كل مفاصل حياتي وحياتكم!.

حرب تشرين كانت خسارة مذلة ولعبة دولية هدفها تثبيت حكم المجرمين في سوريا، ومنح إسرائيل آخر جبل في جنوب سهل حوران، جبل “أفيتال” أو تل أبو الندا وهو جبل كبير وليس صغيراً كما توحي كلمة تل!؟ وارتفاعه نحو 1220 مترا وفيه آبار ماء ومواقع أثرية مهمة ومتصل اتصالاً وثيقاً بهضبة الجولان ويشرف بالرؤيا على دمشق ذاتها.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني