fbpx

انتفاضة السويداء والدروس المستفادة

0 134

اثنان وثمانون يوماً مر على انتفاضة السويداء (حراك السويداء)، وبعد ذلك أعتقد أن الوضع أصبح على درجة من الحساسية والدقة؛ لما فيه من صعوبات جمة وظروف تحيط به: محلية، وسورية، وإقليمية، ودولية، ومفاهيم تحتاج لتعميق الوعي حولها.

تتردد أسئلة على السنة الكثير من الناس، هذه الأسئلة تنطلق من ضمائر حية، وتعكس رغبة الناس الحقيقية بالانتصار، والبدء بالتحولات السياسية الحقيقية للانتقال السياسي السلمي من أجل بناء دولة المواطنة. دولة الحق والقانون، الدولة العَلْمانية الديمقراطية.

من هذه الأسئلة هل بين المتظاهرين حالة انسجام؟ أعتقد أن ما يجمعهم هو الرغبة في التغيير والتمسك بثوابت أساسية، منها سوريا موحدة أرضاً وشعباً. ومنها تحقيق التغيير السياسي عبر القرارات الدولية الخاصة بالمسألة السورية بدءاً من جنيف 1 حتى 2254. ومنها الحرص على سلمية الحراك.

إنّ ما يجمع الناس الكثير الكثير من عوامل التماسك والانسجام، وما غير ذلك من اختلاف ليس عيباً بل يمكن أن يكون مفيداً لتنضج الأفكار، وتتحقق خطوات ملموسة على الأرض. الساحة تجمع رجل الدين، والسياسي، والمثقف، والإنسان العادي… وهذا التعدد غنى للحراك، وهو ما يجب الحرص عليه، وتوظيفه توظيفاً جيداً؛ ولكن لا بد له من حامل سياسي حقيقي جامع. وهذا الحامل ليس من الحراك إنما يستند عليه لأنه نقطة القوة.

أعتقد أن تشكيل تيار سياسي بعيد عن الإيديولوجيا الحزبية، وبعيد عن عقلية الإقصاء، أو التخوين، أو منح هويات وطنية من نوافذنا الضيقة المحدودة بعيداً عن الذاتية والتعصب بكل أشكالهما، هو ما يطمح إليه الجميع.

نحن، جزء من الشعب السوري، نعمل لكل السوريين، نعمل لأولادنا، لمستقبل منشود يكون به الخلاص من كبت الحريات، والخلاص من الاستبداد، وتأمين حياة كريمة، حياة يسودها الأمان والسلام والعيش الكريم، نحن لا نحيك عباءة لنا أو لأحد غيرنا. نحن ننسج عباءة وطن للجميع، لذلك لابد أن يجمعنا مبدأ أنا وأنت معاً يداً بيد، ولا قيمة لأحدنا منفرداً. حياتي ووجودي ومستقبلي مرتبط بوجودك وحياتك ومستقبلك. لنرمي بعيداً مبدأ يا أنا يا أنت، فتجربتنا على كل الأصعدة أثبتت خطأ هذه المقولة، وأنها مبدأ مدمر مفرق وليس مجمعاً، وهو ثمرة السلطات الاستبدادية وسياسة الحزب الواحد.

استناداً لذلك وبتقييم عقلاني منطقي موضوعي، الانتفاضة السورية بجبل العرب ـ ومن خلال ساحات الكرامة كلها ـ في مدينة السويداء ومدينتي صلخد وشهبا، وفي النواحي والقرى تمكننا من استخلاص دروس هامة، بعض هذه الدروس:

أولاً: دور وأهمية انتفاضة الريف ودعمه لأي حراك، فانتفاضة ريف السويداء بشبابه ورجاله ونسائه، وبكل فئاته الاجتماعية الشعبية والأهلية والمدنية والسياسية لها دور هام أعطى الانتفاضة زخماً وقوة.

ثانياً: إن رجل الدين يمكن أن يكون وطنياً بامتياز وهذا لا يتناقض مع روحانيته كرجل دين.

ثالثاً: أهمية مشاركة المرأة فيما يهم الوطن، هي مشاركة فعٌالة تستحق من الجميع الاحترام والتقدير لهذا الدور النبيل والوطني والأخلاقي بامتياز.

رابعاً: التغلب على الصعوبات وتجاوز الاختلافات أمام الاتفاق على الثوابت الأساسية، والأهداف الكبرى حتى الآن، ثم تجاوز حالات الاختلاف حول هذه الخطوة أو تلك، حول هذه الراية أو تلك، حول هذا الشعار أو ذاك. نعم نختلف والحوار مستمر، نختلف وإرادة العمل واحدة.

خامساً: إن ما يجري في سوريا ليس بين أقلية وأكثرية بل بين شعب سوري ـ على اختلاف مكوناته وطوائفه وقومياته وأينما وجد على الجغرافية السورية، وكل السوريين في الداخل وفي دول المهجر ـ مع سلطة صادرت حريات الجميع.

سادساً: تأكيد فكرة أن ثورة الشعب، أي شعب، مستمرة ما دام الاستبداد قائماً، وثورات الشعوب يتنوع نشاطها بتنوع الظروف والعوامل المحلية المحيطة بها. لذلك نؤمن بأن انتصارنا قادم لا محالة، وإرادة شعبنا لن تُقهر. بالتأكيد لا نستطيع أن نستخلص كل الدروس بمقال قصير. لكن مجرد إضاءة على بعضها.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني