fbpx

المخاوف التركية من صراع سوري مجمّد

1 1٬519

في العلاقات الدولية يمثّل الصراع المجمّد حالة تم فيها إنهاء الصراعات المسلحة الفعلية بدون التوصل لاتفاقات سلام أو أي إطار سياسي آخر ينهي الصراع بما يرضي الأطراف الفاعلة المحلية والخارجية، وهذه الحالة قد تؤدي لاشتعال الصراع من جديد إذا تغيّرت موازين القوى، أو تستمر حالة الهدوء النسبي وتثبيت خطوط القتال والتي ستستمر معها بيئة عدم حدوث الأمن والاستقرار. وستؤدي حتماً لمزيد من الاهتراء ومن المحتمل تحول الحدود بين الأطراف إلى حدود دائمة تكون مشروع لدويلات مستقبلية، وقد تجد القوى الدولية الفاعلة أن الحل المتاح والذي يضمن مصالحها ويحتوي شرور ذلك النزاع المجمّد في بيئة جغرافية بعينها هو تقسيمها إلى دول طالما أن الأطراف المحلية غير راغبة أو قادرة على التوصل لأي صيغة للحل بينها، ويمكن الاعتراف بذلك الواقع دولياً والأمثلة كثيرة، كحل الصراعات في البلقان التي أفضت إلى دول أو فصل جزء من الجغرافيا عن الوطن الأم كما حدث مع جنوب السودان وبعض الجزر في أندونيسيا.

وأكد وزير الخارجية التركي في لقاء جرى مؤخراً مع منظمات مجتمع مدني ورجال أعمال في ولاية هاتاي أكد على ضرورة إيجاد حل سياسي في سورية عبر التوصل لاتفاق بين النظام السوري والمعارضة استناداً إلى القرار الدولي 2254.

وقال إن بلاده تدعم وحدة تراب سورية وأنه يحب عدم السماح بتقسيمها مؤكداً على ضرورة إيجاد حل سياسي للقضية السورية، وأضاف، إن على النظام السوري والمعارضة، الاتفاق على دستور وخارطة طريق تشمل عملية انتخابية وفقاً للقرار الدولي، وأردف، هناك من ينزعج من هذا الطرح وقال، أخبرونا إن كان هناك حل آخر، وهل تقبلون أن تستمر الحرب الأهلية لمدة 50 عاماً أخرى؟ (وفقاً لما نقلته وكالة الأناضول شبه الرسمية عنه)، وكان واضحاً من كلامه الخوف التركي من إطالة أمد النزاع بتجميده دون حسمه.

وفي جلسة لمجلس الأمن عقدت يوم الثلاثاء 25 تشرين أول الجاري بخصوص سورية، طالب المندوب التركي في مجلس الأمن سينيرلي أوغلو، المجتمع الدولي بتكثيف جهوده كيلا تتحول سورية إلى منطقة صراع مجمّد مطالباً المجتمع الدولي بتكثيف جهوده للتوصل لحل سياسي.

ترى تركيا أنها أكثر المتضررين من وصول حالة الصراع القائمة الآن إلى التجميد الذي ترغب به الولايات المتحدة حيث لا خطة لديها لأي حل للملف السوري، ولا مانع من احتواء الصراع وتبريده، آملة من ذلك إنهاك الأطراف كلها وتدوير النتوءات أو الزوايا الحادة لمواقف تصدر عن الرؤوس الحامية، منتظرة مآلات الصراع في أوكرانيا والموقف النهائي من ملف إيران النووي وتموضع ميليشياتها في المنطقة، وقد تكون راهنت من جديد على ضعف آخر يعتري القيادة الإيرانية وهي تواجه احتجاجات شعبية عارمة دخلت شهرها الثاني.

لم تفض كل اجتماعات وتفاهمات أستانة منذ العام 2017 وما نتج عنها من تغييرات جوهرية في الخارطة العسكرية على الأرض السورية وضياع بوصلة الحل السياسي الأممي وفق المسار الذي رعته الدول الثلاث (روسيا – تركيا – إيران) الموجودة بقوة على الأرض، لم تفض كل تلك التفاهمات ورغم الإلحاح أو الضغط الروسي الذي مورس على أنقرة إلى تغيير موقفها من النظام السوري أو إجراء أي اتصالات معه، وكان هذا الاختراق لو نجح سيعد مكسباً مهما لموسكو في إطار القضية السورية ضمن خطتها موسكو الأكبر وهي استقطاب أحد أعضاء الناتو الرئيسيين إلى صفها ومشاريعها.

لكن الانعطافة التركية نحو النظام السوري بأسبابها الخارجية، يمكن أن نضعها في خانة إذا لم يرغب المجتمع الدولي بحل للقضية السورية فلن تقبل تركيا بتجميد النزاع فيها وقد ترى تركيا مخاطر تجميد النزاع تتجلى بأهم نقطتين تؤثرين على أمنها القومي.

كان من الممكن أن تقبل تركيا بحل جزئي ينهي مخاوفها الأمنية الملحّة بقضيتي حزب الـ PYD واللاجئين، عبر تلبية رغبتها بإقامة منطقة آمنة برعاية دولية أو بقوتها العسكرية عبر شنّ عدة عمليات عسكرية تكمل ما قامت به سابقاً بحيث تضعف من قوة الـ PYD وتتيح مزيداً من الأرض والأمان لعودة لاجئين سوريين من أراضيها إلى بلدهم، وقد رأت أنقرة بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا وانخراط الأعدقاء الروسي والأمريكي بها وبروز حاجة كل من طرفي الصراع لاستمالتها إلى جانبه، شعرت أنقرة أن هذه هي اللحظة الذهبية التاريخية التي تنتظرها والتي أهداها لها القدر، فأعلنت عن عملياتها بسورية قبل البدء بها على الأرض أو حتى إجراء الاتصالات السياسية بشأنها.

وبدا سقف الطموحات التركي بتنفيذ عملياتها العسكرية الضرورية لأمنها القومي يخفّ مع تلبّد الغيوم الروسية والأمريكية والإيرانية وغيرها بوجهها حتى وصل بها الطموح إلى منطقتي منبج وتل رفعت، ولم يتم منحها إذناً بذلك.

أيقنت أنقرة أن الولايات المتحدة لن تسمح لها بإضعاف قوات قسد شريكها الرئيسي على الأرض، وكان الفيتو الأمريكي واضحاً وقاطعاً على أي اندفاعة تركية إلى الشمال الشرقي السوري، وبما أن محاربة تنظيم داعش حجة أو مسمار جحا لا ينطلي على أحد، فإنه من المرجح أن أهم سبب للتموضع الأمريكي في سورية هو تجميد النزاع بأقل تكلفة والعمل على تمكين قوات قسد على الأرض وتجذير إدارتها الذاتية المدنية تمهيداً لبلورة واقع عسكري ومدني يكون حليفاً قوياً للولايات المتحدة (كما إقليم كردستان العراق)، وذلك سعياً لدسترة ذلك بأي عقد اجتماعي أو دستور يضمن وضعاً خاصاً لتلك المنطقة بمسميات فيدرالية أو لامركزية… إلخ.

كما أن تجميد النزاع سيؤذي أنقرة باستمرار بقاء حوالي 4 مليون لاجئ سوري على أراضيها وما يزيد عن هذا العدد في مناطق الشمال السوري والذي يخضع للحماية والإدارة التركية والذي لا يلقى أي دعم دولي حقيقي لما يسمى بإعادة الاعمار ويقتصر الدعم المقدم للمنطقة على مبادرات فردية تقوم بها بعض الدول عبر منظمات مجتمع مدني وجمعيات إغاثية، ولا يدخل للمنطقة من المساعدات الأممية النظامية إلا الجزء اليسير، حيث يذهب أغلب الدعم إلى النظام السوري.

وفي السنتين الاخيرتين ومع ظهور بوادر أزمة اقتصادية ومالية تركية، ومع قرب الانتخابات العامة والرئاسية، بدأت تظهر دعوات عنصرية وكراهية تجاه اللاجئين السوريين وتحميلهم سبب الأزمة الاقتصادية، وبدأ استغلال تلك الورقة من قبل أحزاب المعارضة كبرنامج انتخابي يطعنون به حزب العدالة طعنة نجلاء كونه الحزب الذي كان في السلطة منذ بداية الثورة السورية وعليه تقع تبعات مشكلة اللجوء كلها.

إن استمرار تجميد الصراع في سورية سيفاقم من مشاكل اللجوء السوري في الداخل التركي ويحمّل أنقرة أعباء إضافية بسبب تكلفة وجودها العسكري في الشمال السوري مادياً وبشرياً.

يبدو أن خيار أنقرة لمواجهة خطر تجميد الصراع البدء بانفتاح على النظام السوري والتنسيق معه لمحاربة أي مشروع انفصالي كردي ترعاه الولايات المتحدة والغرب، والمساعدة في تخفيف أعداد اللاجئين في تركيا عبر إنجاز ملفات تسوية لبعضهم والوصول لهدنة شاملة حقيقية طويلة تضمن بيئة آمنه تغري اللاجئ السوري بالعودة إلى الشمال.

لكن ما يواجه القيادة التركية من عقبات هو عدم الرغبة لدى النظام في أي بحث جدي في الملفات العالقة، وقد يكون مرد ذلك، انتظار نتائج الانتخابات المقبلة وعدم تقديم تلك الورقة لحزب العدالة في الحملة الانتخابية أملاً في فوز المعارضة وخسارة العدالة والتنمية، إذ لا يخرج موقف النظام السوري من الانفتاح ضد قوات الاحتلال التركي من الأراضي السورية ووقف أنقرة لدعم المعارضة المسلحة.

ليس من المستبعد أيضاً أن تكون كل السياسات التركية المستجدة حيال الملف السوري كتحريض أو تحريك للحل الدولي الدائم الذي لم تنضج عوامل إخراجه بعد، ولكن لن تقبل أنقرة بنزاع سوري مجمّد، وستبذل كل جهودها للنجاة من تأثيراته السلبية عليها.

1 تعليق
  1. Md khaleefa says

    أستانا أفقد تركيا قوة القرار في الملف السوري ،
    حيث تبنّت خاطئة فكرة حدودها الآمنة وأمنها القومي ، ولم تستطع الربط بين أهمية موقع المعارضة على الأرض وبين أمن حدودها .

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني