fbpx

القابلية للاستعمار

0 60

تبلغ المسافة بين جرابلس وجسر الشغور 225 كم وهي قطر الأرض التي باتت حكماً تحت الحكم التركي وخارج سيطرة النظام السوري بموافقة روسية وإيرانية وعجز حكومي تام.

وتبلغ مساحة هذه الأراضي التي عهدت إلى الأتراك من جرابلس إلى جسر الشغور ثم نزولاً إلى مورك وخان شيخون 11.420 كم مربع وهي مساحة تزيد عن لبنان وتبلغ اثنين من اللواء السليب وعشرة من الجولان المحتل ولا زال النظام يقول إنه انتصر!.

أما الأراضي التي باتت تحت العلم الأمريكي فهي أكثر من ذلك بكثير وهي تشمل شرق الفرات وجنوب سوريا إلى مناطق خفض التصعيد إلى أعماق الريف الحلبي الجريح.

أما العلمان الروسي والإيراني فهما علمان (صديقان) ولا مانع أن يرفعا على مباني الدولة نفسها في دمشق وطرطوس واللاذقية.

لا أكتب هذا المقال بدافع الشماتة بسيادتنا الوطنية من أحد، فليس هناك سوري يستحق أن يشمت بشيء بعد أن صرنا جميعاً مشموتاً به منصوباً وقع عليه فعل الفاعل، أو مضافاً مجروراً أو لا محل له من الإعراب.

أكتب للذين يتصدرون المشهد اليوم في النظام والمعارضة، لقد صارت بلادنا أوضح صورة للقابلية للاستعمار تداعت عليها الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها وتثير شهية القوى العظمى ويندفع إليها اللي يسوى واللي ما يسوى.

الشيطنة التي مارسها النظام والمعارضة في خطابين استئصاليين متقابلين، أعمت عيوننا عن النظر في المصالح المشتركة وعززت لدى الجميع القناعة بأن الشر كله في الجانب الآخر ولا ينفع معه إلا الاستئصال.

الظروف التي تشهدها سوريا اليوم هي أوضح صور القابلية للاستعمار بل الجاذبية للاستعمار، وفي سوريا اليوم ستة جيوش نظامية وقد بات وجودها أمراً لا مفر منه لمئات الآلاف من السوريين بحيث لو انسحب أي جيش من الجيوش الستة فستعقبه سلسلة مآس ومذابح واجتياحات تصدر الموت في كل اتجاه.

تماماً كما كان الأفغان يمسكون بدواليب الطائرة الأمريكية ويلقون حتوفهم على (كاوتشوكها) يتوسلون إليها بالبقاء فالمشهد نفسه اليوم في الجيوش الأجنبية التي نزلت بسوريا، فلكل جيش منها فريق يتوسله ويستعطفه، وليس من حقنا أن نصف أياً منهم بالخيانة فالجميع استقوى بالأجنبي والجميع بات محتاجاً لحمايته وجيشه ولعل من أشد أشكال التصريح مرارة أن نعترف بأن بقاء هذه القوات ضروري للحفاظ على حياة آلاف من الناس بات مصيرهم مرهوناً ببنادق الجيوش الأجنبية.

وهذا التوسل يشترك فيه النظام الذي استعان بالجيوش الإيرانية والروسية والمعارضة التي استعانت بالجيش التركي والدعم الخليجي، وكذلك الفصائل التي اتخذت طابعاً من النصرة عابراً للحدود ورحبت في فصائلها بمقاتلين شيشان وتوانسة وفرنسيين يسهمون في حرب مجنونة لا تبقي ولا تذر.

بالطبع سيعارضني كثير، وكثير منا من هو مستعد لتخوين الآخر وتكفيره بسبب استعانته بأجنبي مع أنه قد ارتكب الخطيئة نفسها، حتى أولئك الذين لم يستجيروا بأجنبي فليس لهم الحق أن يتهموا الكل بالعمالة والخيانة، فهذه الكوارث هي نتيجة الحروب الأهلية وتداعياتها، وحينما يعجز أبناء البلد عن حل مشاكلهم فمن الطبيعي أن يأتي الغريب.

يمكن شرح المسألة بعبارة أقرب، فالمشهد السوداني اليوم يعصف بالكارثة الماحقة، والعسكري السوداني اليوم مأمور أن يقصف مقدرات جيشه ومواقعه الحصينة التي أقسم أن يدافع عنها، والتي كان بالفعل قبل شهرين مكلفاً بحمايتها بروحه، ولكنه اليوم بات مكلفاً بقصفها والشماتة بمن يموت تحت أنقاضها.

لا أعتقد أن أي عاقل يشاهد هذه الكارثة السودانية وعجز السودانيين المخجل عن حل مشاكلهم، إلا وينتظر تدخلاً ووصاية أممية تنقذ هذا الشعب المسكين من بطش قادته وأنانيتهم وفجورهم بعد أن صار الموت هو الخطاب السائد في لعبة الجنون هذه.

إنها شعوب قابلة للاستعمار والاحتلال، بل هي تستدعي الاستعمار وتجذبه وتقدم له المبررات الوطنية والإنسانية والأخلاقية ليحل بجيوشه في أرض السودان العظيم.

يصر النظام السوري على خططه في الانتصار على المعارضين ولو كلفه ذلك إفقار الشعب السوري كله وإعلان البنك المركزي نفسه أن الدولار الواحد بات بقيمة 9900 ليرة ما يعني أن الليرة السورية فقدت 98% من قيمتها وبات الشعب السوري أفقر شعوب الأرض.

أما المعارضة فتصر أيضاً على السقوط في وحل الحرب الطاحنة ولا تتيح أي فرصة لحوار أو خيار لا يموت فيه الذئب ولا يفنى الغنم، ولا زلنا نحرس بغبائنا وأنانيتنا أشهر حقل في العالم يجذب الاستعمار ويقدم له التبرير الأخلاقي والإنساني الكامل.

بعد اثني عشر عاماً من الثورة الكئيبة في سوريا، ألم يحن الوقت لمراجعات عميقة واعترافات وتنازلات تحفظ ما تبقى من سوريا التي ذبحت من الوريد إلى الوريد.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني