fbpx

إدلب والطابور الخامس!!

0 1٬482

لا تتوقف بعض التكهنات والتحليلات بالوصول إلى نتيجة مفادها أن منطقة إدلب سيتم تسليمها للنظام السوري، ليس بسبب وجود هيئة تحرير الشام (التي قامت بأدوار مماثلة في أماكن أخرى وظروف مختلفة)، وزاد من أسهم تلك التوقعات، وجود الرغبة التركية بتحسين العلاقة مع النظام السوري، وعقد عدة اجتماعات أمنية على مستوى قمة قيادة الاستخبارات (حقان فيدان – علي مملوك)، ومثل هذه الاجتماعات تشكل مجالاً خصباً لاستنتاج ما يريد الكاتب أو المتحدث توصيله للرأي العام، بغض النظر عن مقصده من ذلك.

ولا يتوانى الذباب الإلكتروني للنظام عن ترويج ذلك عبر منصاته على وسائل التواصل الاجتماعي، الأمر الذي يتناقض كلياً مع أمن واستقرار الحاضنة الاجتماعية البسيطة، حيث لايروق لبعضهم ما تعانيه من ضنك العيش وفقدان الأحبة والديار، بل يريدون إضعاف ما تبقى من عزيمة لديها والترويج لأنهم سيكونون عربون صفقة كبرى بين النظام وتركيا.

لذلك أرى لزاماً علي تقديم وجهة نظري وقراءتي السياسية للمشهد، راجياً من الله أن أكون صادقاً مع أهلي وأبناء بلدي.

نقطتا التحول الجوهريتان في مسار الثورة السورية اللتان أثّرتا على سياسة التعاطي التركية مع الملف السوري هما كما أعتقد:

  1. تشكيل التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، الذي أظهر للعلن أن الهم الأول للولايات المتحدة هو تشخيص الإرهاب الذي يتوجب محاربته، تنظيم داعش فقط مع الاكتفاء بالإدانة الكلامية لكل الأعمال الإرهابية التي يقوم بها النظام السوري وحلفاؤه من الميليشيات الطائفية متعددة الجنسيات.

تم ذلك عملياً في شهر آب من عام 2014 وكانت بدايته الحيلولة دون سقوط عين العرب بيد تنظيم داعش.

إن اعتماد التحالف الدولي على ذراع أرضية من نواة صلبة من حزب الـ (PYD) مع قوات عربية وتشكيل ما عرف بعد ذلك بـ “قوات سورية الديمقراطية، قسد” الأمر الذي يعني الاستغناء عن جهود فصائل الثورة السورية مع الجيش التركي من حيث الإمساك بالأرض بعد طرد داعش منها.

  • بعد التدخل العسكري الروسي المباشر في نهاية أيلول 2015، بات من المؤكد أن إسقاط أو سقوط النظام السوري أصبح من الماضي، (بعد أن كان قاب قوسين أو أدنى)، وبالتالي لابد من درء ما أمكن من مخاطر الحرب في سورية عن الدولة التركية.

كان متوقعاً أن يلجأ الروس والأتراك والإيرانيون إلى مسار أو آلية تؤدي إلى منع التصادم المباشر بين قوات المحور الداعم للنظام والقوات التركية، وإدارة المشهد العسكري للحرب بشكل يؤمن مصالح الدول الثلاث، فتم اختراع مسار أستانة.

ويبدو أن الاستراتيجية التركية حيال الحرب السورية وضعت نصب عينيها تحقيق أمرين في غاية الأهمية ويمسّان جوهر الأمن القومي التركي وهما:

  1. الحيلولة دون قيام دويلة كردية في الشمال السوري محاذية للحدود التركية.
  2. وقف تدفق المزيد من اللاجئين إلى داخل الأراضي التركية.

بدأ التخادم التركي – الروسي يعطي ثماره، فقد نفذ الجيش التركي مع فصائل من الثورة السورية عملية تحرير ما عرف بمنطقة درع الفرات من تنظيم داعش الإرهابي، وبذلك تم قطع الممر الكردي بين عين العرب وعفرين.

ذروة التخادم الروسي – التركي تجلّت في عام 2018، بعملية غصن الزيتون، حيث تم طرد الميليشيا الانفصالية من أهم معاقلها في الشمال السوري.

وفي عام 2019 أنجز الجيش التركي مع فصائل من الجيش الوطني السوري عملية نبع السلام، التي وضعت قدماً في قلب المشروع المراد تنفيذه على الأرض شرقي الفرات، واتفقت القوتان العظميان على وقف العملية التركية دون تحقيق أهدافها.

وما يهمني في هذا المقال إلقاء الضوء على العملية العسكرية التركية الرابعة التي تمت في بدايات 2020 باسم درع الربيع.

عملية درع الربيع وأبعادها

تمتاز تلك العملية بعدة نقاط لابد من إلقاء الضوء عليها، فقد أتت بعد سلسلة تفاهمات واتفاقات بخصوص منطقة خفض التصعيد الرابعة، غالباً ما يتم خرقها من الروس استناداً إلى فائض القوة العسكري والسياسي الذي يمتلكونه في الساحة السورية، وبشكل خاص انكشاف التخادم الدولي مع الروس في عملية تسليم الجنوب وقبله الغوطة إلى النظام وحلفائه، وفي تلك المناطق يبدو التأثير التركي ضعيفاً جداً وقد يكون معدوماً.

بعد سيطرة الروس على غوطة دمشق والجنوب السوري لم يبق منطقة رخوة إلا إدلب، وبعض أرياف حلب وحماة، حيث المبررات الروسية متوفرة ومن أهمها (وجود هيئة تحرير الشام).

أبدى الروس بعملية اجتياز نقاط المراقبة التركية الـ 12 وتركها محاصرة من قبل قوات النظام نيّة مبيّتة (وأظنها نيّة معلنة أو سر معلن)، أنهم يريدون إنهاء الحالة في إدلب كما أنهوها في مناطق خفض التصعيد الأخرى وقاموا بقتل 34 جندياً تركياً بغارة على نقطة تمركزهم في جبل الزاوية على أمل تخويف القيادة التركية من صدام مباشر بمعنى الوصول لحافة هاوية.

يعلم الجميع معركة الـ 36 ساعة التي جرت، وكيف نأى الروس بأنفسهم عندما لمسوا إصراراً تركيا على عدم التراجع، وتم تدمير منظومة دفاع جوي روسية بحالة العمل وتصويرها ونشر الصور، وتم تدمير معدات كثيرة لميليشيا النظام وقتل جنود واستهداف لميليشيا حزب الله في أماكن بعيدة عن خط الجبهة.

فهم الروس الموقف بأن الأتراك سيخوضون حرباً ويطيحون بكل التفاهمات السابقة معهم بل وبالمصالح الاقتصادية التي تربط بين البلدين، لذلك يمكننا اعتبار تلك المعركة هي الصدام الأول (ومن المرجح أن يكون الأخير) بين دول محور أستانة على مدى سنيّ الحرب السورية الطويلة، التي آثر بها الفرقاء جميعاً تجنب الاحتكاك المباشر والاكتفاء بالحرب عبر الوكلاء.

أخذ الأتراك وقتاً ثميناً بعد تفاهمات 5 آذار في موسكو، بين الرئيسين التركي والروسي، حيث تمكنوا خلالها من إدخال المزيد من العتاد (وهو بالآلاف) والجنود إلى إدلب.

ولا يسعنا إلاّ تحديد أهمية إدلب للجيش التركي بالنقاط التالية:

  1. تشكل سلسلة الجبال المؤلفة من جبل الأكراد وجبل التركمان غرباً، وصولاً إلى جبل الزاوية ومن ثم لبداية الأرض السهلية في سراقب ومعرة النعمان (طريق m5) مانعاً طبيعياً مهماً جداً، ومشرفاً على الأراضي التركية خلفه، وقد تمكن الجيش التركي بفضل وضعه خطاً أحمر على مرتفعات الكبينة، من منع سقوطها رغم المحاولات العديدة التي تمت لاحتلالها من قبل ميليشيا النظام وسلاح الجو الروسي.
  2. نعلم جميعاً عدم وجود تنظيم الـ (PYD) مسبقاً في إدلب، بل وعدم وجود قرى يقطنها أكراد في المنطقة، من الممكن أن تكون حاضنة مستقبلية لأي تنظيم كردي انفصالي يهدد الداخل التركي، الأمر الذي يجعلنا نستنتج أن الأمن القومي التركي الآن وفي المستقبل المنظور يهدده تدفق اللاجئين إلى الداخل التركي.

إن الشريط الحدودي الواقع خلف جبل الزاوية وصولاً للحدود التركية يضم أكثر من مليوني نازح تم تهجيرهم من أنحاء سورية كافة.

  • طبيعة الوجود العسكري التركي في إدلب، تختلف عن غيرها من المناطق، حيث توجد فيها نقاط أو قواعد عسكرية متناثرة تقوم بحماية المنطقة.

أما في إدلب فيوجد جيش تركي بالمعنى الحقيقي، بقوام فرقة عسكرية، بأسلحة ثقيلة وأنظمة دفاع جوي واتصالات.. الخ.

  • تم نشر الجيش التركي في إدلب بحيث يتواجد الجنود في الخط الأول، وأي عملية اختراق ستؤدي للاصطدام مع الجيش التركي نفسه،وهذا يعطي رسالة واضحة سهلة الفهم للخصوم.

أما ما يشاع عن تسليم إدلب أو غيرها من المناطق الخاضعة للحماية أو النفوذ التركي، فأراه من طابور خامس موجود بيننا يستند إلى تصريحات تركية لإصلاح العلاقة مع النظام أو إعادة لتجارب سبقت بقيام هيئة تحرير الشام بافتعال معارك وهمية مع النظام أو منع محاولات التصدي له لتبرير تسليم مناطق، وكان ذلك في ظروف مختلفة وسياقات مختلفة وقد تمت بالفعل.

لا أعتقد أن الجيش التركي سيتراجع متراً واحداً عن خطوطه الحالية (أياً كانت الحكومة في أنقرة)، ويتخلى عن إنجاز حققه قبل ترتيب نهائي يضمن المصالح التركية التي أشرنا إليها، وذلك الترتيب سيمتد لسنوات، وهو مرتبط بتسوية شاملة للملف السوري، ولا يعقل أن ترمي أنقرة بأوراقها التي امتلكتها على مدى أكثر من عقد من تدخلها في المسألة السورية، مجاناً (وهي غير مضطرة) وتسلمها لنظام سوري عدو أملت الضرورات السياسية التركية أن تبيح محظورات التعامل معه.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني