fbpx

أنا إنسان

0 336

أنا إنسان، صرخة أطلقها طفل قدم من سوريا، اختبر الحروب واللجوء، شبّ في تركيا، وتعلّم لغتها، لتكون سلاحه في وجه مقت العنصرية.

ضجت مواقع التواصل الاجتماعي ولا تزال بصور ومقاطع فيديو وأخبار الشاب السوري أحمد كنجو، الذي تصدى لهجوم عنصري، شنته مجموعة من الأتراك على الوجود السوري في تركيا.

فكان أحمد ذو السبعة عشر عاماً لهم بالمرصاد بلغته الطليقة وجرأته وكرامته، التي حاولت رياح العنصرية النيل منها، مبيناً سبب وجود السوريين في تركيا والضغوط التي تمارس عليهم، مفنداً الصورة المتبناة عند بعض الأتراك، التي تظهر السوريين فارين من وطنهم، اتكاليين، محاطين بالرفاهية على حساب الشعب التركي كادعاء بعضهم بأنهم يتقاضون رواتب من الدولة، وأنهم معفيون من الضرائب وأن لهم الأحقية بالدراسة على حساب الأتراك.

أحمد الذي ترك دراسته رغم تفوقه بسبب العنصرية التي مورست عليه من قبل بعضهم، في بلد فتح أهله قلوبهم السوريين قبل بيوتهم ببداية لجوئهم جراء القمع الذي طالهم إثر مطالبتهم الحقة بالحرية والكرامة فكانت آلة القتل الأسدية متربصة بهم بدعم روسي/إيراني وبصمت دولي.

كانت تركيا الوجهة الأكثر أماناً للسوريين، حتى من الدول العربية الشقيقة، نظراً للتداخل الجغرافي والديموغرافي مع إخوة الدم والتراب فكان لها الحصة الأكبر من اللاجئين السوريين الذين استُقبلوا بالحفاوة والتكريم قبل أن يعلن العنصريين حربهم عليهم.

العنصرية التي يتعرض لها السوريون في دول اللجوء تختلف أسبابها باختلاف طبيعة الدول المضيفة، ففي الدول العربية التي لم يكن وضع السوري فيها أفضل مما هو عليه في تركيا، بل ربما أسوأ يلعب العامل الاقتصادي الدور الأهم باضطهاد السوريين بالإضافة للاتجاهات التي تتبناها الحكومات وموقفها من النظام السوري، تهم شتى ألصقت بالسوريين كاستحواذهم على فرص العمل القليلة أصلاً في تلك الدول بالإضافة للرواتب التي تقدم لهم على شكل معونات من الأمم المتحدة والتي يصدرها بعضهم على أنها حق لمواطني تلك الدول، وأزمة السكن التي سببها لجوء السوريين وغيرها.

أما في تركيا فلعل العامل الأكبر للتجييش العنصري ضد السوريين هو العامل القومي وانغلاق جزء كبير من الشعب التركي عن الثقافات الأخرى وبخاصة العربية بالإضافة لاستخدام اللاجئين كورقة ضغط سياسي من المعارضة واستقطاب أصوات الناخبين من خلالها.

وتجلت تلك الحملات بخطوات مهينة لكرامة اللاجئين ككتابة العبارات العنصرية على الجدران في الأحياء التي يقطنها السوريين والتضييق عليهم بالعمل والإيجارات والتنقل غير المسموح به دون إذن سفر غالباً يقابل بالرفض، وحدها كلمة (سوري) التي يستخدمها الأتراك للإشارة إلى أي شخص سوري تكفي لتشعره بكمية الإهانة والتحقير والعنصرية التي يحملها ضده.

فضلاً عن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لبث السموم العنصرية بهدف كسب تأييد الشارع للضغط على الحكومة واتخاذ قرار بترحيل اللاجئين بغض النظر عن مدى خطورة المناطق التي سيتم الترحيل إليها، فقد وصل عدد المشاهدات لفيلم قصير على اليوتيوب موجه ضد السوريين إلى نصف مليون مشاهدة خلال 24 ساعة، تلك الممارسات التي تسببت بقتل عدد من الشباب السوريين والاعتداء على الكثيرين، كان آخرها حتى الآن ركل المسنة السورية قبل فترة.

هذه الدعوات ليست جديدة وإنما هي نتيجة تراكمات سابقة أُضيف إليها تردي الأوضاع الاقتصادية وانخفاض سعر صرف الليرة التركية، التي يُحمّل السوريون وزرها، متغاضين بذلك عن الدور الذي يقوم به السوريون بدعم الاقتصاد التركي وتنشيط السوق وعدد من القطاعات الإنتاجية والخدمية وقد أكد على ذلك عدد من المسؤولين ورجال أعمال أتراك بردهم على تلك الافتراءات وبهذا السياق صرح نوري دوغان مدير عام شركة (إيجا آش) أنه لن تجد الشركات التركية موظفين لتشغيل مصانعها إن هاجر السوريون.

بالعودة إلى الشاب أحمد، الذي أثار ظهوره موجة من التعاطف تجاوزت السوريين لتصل إلى الشارع التركي الذي ورغم عنصرية بعضهم، إلا أنه من الإجحاف إنكار الدور الذي قام به الشعب التركي تجاه السوريين وإحاطتهم بالرعاية والود، تعاطف الأتراك مع قضية أحمد وندائه مطلقين على وسائل التواصل وسم أنا إنسان تعبيراً عن مساندتهم له.

لقد أثار أحمد بحديثه العفوي الصريح والجريء وجدان الأتراك وأطلق قضية اللاجئين لتصل بشفافية بمصداقية إليهم، وقد تجاوزوا الدعم المعنوي إلى مد يد المساعدة له لإتمام دراسته، وهذا يؤكد على دور اللاجئ السوري في إيصال مظلومية اللاجئين ومخاطبة الشارع المضيف بلغته الأم وتسليط الضوء على حقيقة وضع اللاجئ وطبيعة الحملات العنصرية التي تستهدفه.

هو جيل الثورة السورية جيل الألم الذي أنتج أمل وطموح وشجاعة وتحدٍ قادر على بناء سوريا جديدة تستحق الثمن الذي دفعه السوريين.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني