fbpx

أشعلت شمعة

0 77

مرّ الوقت دهراً، وهي ساكنة تكتم أنفاسها خوفاً، وفي أذنيها تدقّ نبضات قلبها كعصفور ينقر زجاج نافذة، وما تزال أصوات أناس ودمدمة رصاص يتردّد صداها بين الصخور، يعتقلها الخوف وحبّ الحياة، تنتظر، تتشبّث بأمل هارب، تتخامد حركتها، تتساءل، هل يلحقون بي؟! ويمرّ شريط سينمائي كيف خرجت تركض على غير هدى، لا تدري إلى أين، ساقتها قدماها إلى صخور التّلة القريبة حيث اعتادت أن تلعب الغميضة مع رفاقها ورفيقاتها، اندست بين الأحجار الصلدة، تعرف جيداً أيّها تحميها من عيون الآخرين، لم تبدِ حركة، تكورت على نفسها تحيط رجليها بيدين مرتجفتن، تدس رأسها بين ركبتيها. في أذنيها تضجّ أصوات صراخ وعويل، لم تعد تميّز أصحابها، تغمض عينيها، تتراقص أمامها أخيلة رجال ملثمين، والدها ملقى على الأرض، جسمه ينتفض، دمه ينداح على البلاط، يداه ورجلاه تتراقص، يضرب بها الهواء، يقاوم، تتباطأ حركتها، يطلق شخيراً، تجحظ عيناه، يرتجف الجسد، تتهامد حركته. يمسكون أخاها الكبير، يرمونه أرضاً، يعلو صراخ الأم، ترمي نفسها فوقه، أرجوكم اتركوه، اذبحوني، ارحموه ما زال صغيراً، يقبض على شعرها، يجرّها، ينتزعونه من يديها، يدوس على صدره، تطبق يده على فكيه، يكبّر، يتدفّق الدّم، تتفلّت من يديه، تقف، تبصق في وجهه، مجرم، جبان، تكبّ على صغيرها، يقلبها، يشرّع سكينه، يكبّر، لم تدرِ كيف مرّت من خلفهم كالبرق هاربة من الموت.

تسمع أصواتاً من بعيد، تقترب، تقترب، تتكوّم، يعلو نبضها متسارعاً في أذنيها، تتصوّر أشباحهم قادمة، تضغط يداها على جسدها أكثر وأكثر، تكاد تحسّ بأنفاسه، يركع، ينحني، يضع يداً على الصخرة، يدسّ الأخرى بين الأحجار، يتحسّسها، ينتشلها عصفورة تتخبط، لا تخافي يا صغيرتي، يعلو صوت: حمداً لله ما زالت حيّة، يتجمّعون، تتداولها الأيدي، تدور بها الدّنيا، تفقد الإحساس بما حولها و..

تناهى إلى سمعها صوت هامس: كيف تحمّلت هذه الصغيرة العيش ثلاثة أيام بلا طعام أو شراب؟! وكيف لم يلتقطها وحش شارد؟!.

فتحت عينيها ببطء، رأتهم يحيطون بها، صفقوا وهم يضحكون، حمداً على سلامتك، أشعلت خالتها شمعة.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني