fbpx

أستانا 21.. ما التوقعات المنتظرة في ظل جمود العملية السياسية

1 112

كان مفاجئاً أن يعلن النظام الأسدي والمعارضة عن انعقاد جولةٍ جديدة من مسار أستانا الثلاثي، الذي يضمّ كلاً من روسيا وتركيا وإيران، ويحضر اجتماعات هذا المسار نظام أسد والمعارضة إضافة إلى مراقبين من دولٍ مجاورة لسورية.

من طرف النظام سيرأس بسام صبّاغ نائب وزير الخارجية وفد الحكومة الأسدية، أما من جهة المعارضة فسيرأس أحمد طعمة وفد المعارضة السورية، علماً أن الروس قالوا إنهم لا يعارضون عقد هذه الجولة، ولكنهم كانوا يتمنون التحضير لها بصورة أفضل على أن تخرج بسقف اتفاقات ممكنة.

من جهته أكّد الدكتور أحمد طعمة رئيس وفد المعارضة إلى مسار أستانا، أنه والوفد المرافق له سيحضرون الجلسة الحادية والعشرين في العاصمة الكازاخية نور سلطان، وسيطالبون باستئناف عمل اللجنة الدستورية وحل مسألة المعتقلين لدى نظام أسد، وتثبيت وقف إطلاق النار بين قوات نظام أسد ميلشياته من جهة، والجيش الوطني السوري من جهة أخرى. كذلك سيطالبون بتوسيع إمدادات ومجالات دخول المساعدات الإنسانية بكميات كافية عبر منافذ عديدة. إضافة إلى استئناف عملية التسوية السياسية.

إن انعقاد الجولة الحادية والعشرين من مسار أستانا جاء نتيجة جهود بذلها المبعوث الدولي للملف السوري “غير بيدرسون”، والذي ذكر في إحاطته السابقة أمام مجلس الأمن ضرورة دفع المفاوضات الخاصة باللجنة الدستورية السورية، لكن هذه الجولة تأتي على ما يبدو استكمالاً للجهود الروسية التي تبذلها موسكو لتطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق، تلك الجهود اصطدمت بإصرار نظام أسد على انسحاب تركيا من الأراضي السورية، دون أن يقدم هذا النظام على تلبية متطلبات القراار 2254 ، وتحديداً بما يتعلق بعودة طوعية وآمنة للاجئين السوريين ضمن شروط البيئة الآمنة المطلوبة لعودتهم.

انعقاد هذه الجولة يأتي استجابة سياسية بصورة متفاوتة لأطرافها الثلاثة “روسيا وتركيا وإيران”.

الروس من جانبهم يأملون تحقيق تطبيع للعلاقات السياسية بين تركيا ونظام أسد، فهذا التطبيع سيتبعه بالضرورة تغييرات على الأرض، منها فتح الطريقين M4 و M5، وهذا يعني تنشيط اقتصاد النظام عبر الطريقين الدوليين المذكورين.

إضافة إلى ذلك يأمل الأتراك أن تطبيع علاقاتهم مع نظام أسد يجب أن يخرج باتفاق واضح على وقف هجمات قواته على المناطق الخارجة عن سيطرته في إدلب وشمال وغرب حلب، وهذا يعني منع أي حركة لجوء جديدة باتجاه الأراضي التركية، وتنفيذ رؤية أنقرة حول جعل منطقة الشمال السوري (درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام) منطقة استقرار وتنمية اقتصادية، لتصبح منطقة جذبٍ لعودة طوعية للاجئين السوريين إليها.

لكن الأهم من كلّ هذه التصريحات، هو البحث الجدي عن المخرجات الممكنة لهذه الجولة من مسار أستانا، فهذا المسار يعقد في ظلّ استمرار حرب إسرائيل على غزّة، ويأتي بعد تعديلات شكلية قام بها نظام أسد على صعد حزب البعث الحاكم، والقيام بتغييرات في مواقع قيادات أجهزته الأمنية، ليبعث برسائل أنه جاد في تغيير الوضع السوري.

إن نظام أسد المدعوم من حليفيه الإيراني والروسي لا يزال بعد ثلاثة عشر عاماً من الثورة السورية على موقفه العام من عملية انتقال سياسي في البلاد، بموجب القرارات الدولية “جنيف1 والقرار 2118، والقرار 2254”.

إذاً لا يمكن اعتبار أن الجولة الحادية والعشرين من مسار أستانا ستُخرج “الزير من البير”، أي من غير المتوقع، أن تشكّل هذه الجولة منعطفاً في مسار الحل السياسي في سورية، بموجب القرارات الدولية المذكورة، وهذا يعني أن مخرجات هذه الجولة قد تحلحل في الاستعصاء الخاص بضرورة خلق أجواء إيجابية بين نظام أسد والمعارضة المحسوبة على تركيا، سيما سبق هذه الجولة تصريحات لوزير الخارجية التركية هاكان فيدان، والتي قال فيها: أن أنقرة تسعى لمصالحة النظام والمعارضة، ومنع عودة القتال بينهم”.

هذه الجهود تتعارض مع جوهر القرار الدولي 2254، والذي ينص على انتقال سياسي حقيقي، وتشكيل هيئة حاكمة انتقالية تنتقل إليها جميع السلطات تتشكل من قوى الثورة والمعارضة، ومن شخصيات من النظام لم تتلوث أياديهم بدماء السوريين أو ارتكابهم لجرائم نهب وسلب وغيرها من جرائم انتهاكات حقوق الإنسان.

كما أنها تتعارض مع العقوبات الدولية المفروضة على نظام أسد، وتحديداً قانوني قيصر والكبتاغون الذين أصدرهما الكونغرس الأمريكي.

مسار أستانا يبحث في مصالح أطرافه الثلاثة، دون التفات حقيقي لمصالح الشعب السوري، الذي ثار على نظامٍ استبدادي إبادي، لا يزال يلقى الدعم من حليفيه الإيراني والروسي، كذلك فإن تجاوب تركيا مع الجولة الجديدة تأتي ضمن تكتيك الحكومة التركية في ظرفها الحالي، حيث هي في مواجهة انتخابات بلدية في نهاية آذار القادم، ولا تريد لهذه الورقة أن تُستخدم من قبل معارضتها الداخلية إضعاف موقفها أمام الناخب التركي، سيما وأن التضخم الاقتصادي المستمر يأكل قدرات فئات شعبية واسعة، يمكن أن تسخط على حكومة العدالة والتنمية بسبب كل هذه الظروف.

إن الجولة الحادية والعشرين من مسار أستانا لم يقل الأمريكيون بشأنها شيئاً، وهذا لا يعني أنهم موافقون على أن تكون بديلاً عن قرارات الشرعية الدولية الخاصة بالصراع في سورية وعليها، ولكن هم يراقبون اتجاهات هذه الجولة ومخرجاتها، فإذا جاءت هذه المخرجات متعارضة مع جوهر السياسة الأمريكية، فالأمريكيون في هذه الحالة يستطيعون عرقلة تنفيذ أيٍّ من هذه المخرجات.

والسؤال المهم، هل ستكون الجولة الحادية والعشرون من مسار أستانا بوابة لانعطاف في الحل السياسي للقضية السورية، على مبدأ لا يموت الذئب “الأسد”، ولا يفنى الغنم “المعارضة”.

إذا كان الجواب على هذا المنوال، ستكون أرواح مئات آلاف السوريين الذي قتلهم نظام أسد قد راحت هدراً، وأن عذابات مئات آلاف المعتقلين قد تمّ القفز من فوقها. فهل هذا ما ستوافق عليه المعارضة السورية “الائتلاف وهيئة التفاوض والحكومة المؤقتة” كمخرجات للحل؟ هل العجز البنيوي لهذه المؤسسات وصل طريقاً مسدود الأفق، بحيث صار من الممكن تسويغ العار على أنه انتصار؟

أسئلة يجب أن يقرؤها كل السوريين ليعرفوا إلى أين تقودهم معارضتهم “العتيدة”؟      

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني