fbpx

قراءة في كتاب “جاسوس من أجل لا أحد”

1 3٬471
  • الكاتب: باسل محمد روحي صنيب
  • الناشر: النخبة للطباعة والنشر والتوزيع
  • ط1، PDF، 2017م.

باسل صنيب مواطن سوري، خدم في سلك المخابرات السورية لعشرين عاماً، منذ تسعينيات القرن الماضي حتى قيام الثورة السورية ربيع عام 2011م، حيث انشق عن النظام والتحق بالثورة السلمية ثم مع الجيش الحر في حمص، اعتقل حوالي ستة أشهر ثم أُفرج عنه، وانشق ثانية من الجيش وهرب إلى تركيا ومنها إلى ألمانيا عبر البحر، استقر هناك وكتب تجربته في المخابرات السورية.

يعتبر نفسه مخترقاً لجهاز الأمن السوري، وأنه عرف الكثير عن النظام وبنيته، وأنه كان يعمل قدر إمكانياته لخدمة الناس المظلومين في سوريا.

ها هي حكايته..

باسل ابن مدينة حمص، كان مازال في المرحلة الابتدائية عندما علم عبر أهله والمحيطين به بما فعله النظام المستبد المجرم في سوريا وفي حماة بشكل أساسي عام 1982م، عندما قام بالقضاء على حراك الإسلاميين الطليعة المقاتلة والإخوان المسلمين والقوى الوطنية الديمقراطية، وقوى المجتمع المدني والنقابات المهنية، بالعنف الأمني الاعتقال والعنف المسلح قتل وتدمير حماة وجسر الشغور وغيرهما في أغلب المدن السورية.

أدرك باسل منذ طفولته حال النظام المستبد وطائفيته، وأنه يعتمد بشكل أساسي على تجييش واستخدام واستهلاك الطائفة العلوية، مستفيداً من شبابها في السلك الأمني والجيش لقمع الشعب السوري واستغلاله واستعباده وإذلاله لسنوات طويلة.

باسل يرى أن الضحية الأكبر لظلم النظام هم الأغلبية السنية من مكونات الشعب السوري، وهذا صحيح جزئياً، فالضحية كل الشعب السوري، والمستفيدين من النظام هم الطبقة الحاكمة والعصبة التي تلتف حولها مع الانتهازيين والمنتفعين منها من كل فئات الشعب السوري.

زرع باسل في نفسه هدفاً كان يبدو طفولياً متهوراً، وهو أن يعمل ضد هذا النظام ويسقطه أيضاً، لكنه لم يدرك كيف؟.

استفاد باسل من الظرف الاجتماعي المحيط به حيث اطّلع على كنز من الكتب المتنوعة عبر صديق له سكن جوارهم، كان والده ضابطاً في الجيش، وكان ككل ضباط الجيش يستثمر موقعه فيحصل على الرشاوى والمكتسبات من كل صنف ونوع، ومنها الكتب حيث قرأ باسل كثيراً، وأصبح مدركاً لكثير من حقائق التاريخ والمجتمع والفلسفة وكتب الجاسوسية والاستخبارات، وكانت كلها تزيد شغفه في موضوع اختراق النظام السوري المجرم وإسقاطه.

كبر باسل وكبر معه طموحه، وأدرك أن هدفه في إسقاط النظام لا يمكن أن يقوم به لوحده، لابد من تنظيم سري مسلح، وهذا يتطلب منه توسع دائرة الذين يريدون اختراق النظام وإسقاطه.

بدأ يدرس أصدقائه في المدرسة وهو في المرحلة الثانوية، ليعرف من هو المؤهل لأن يبدأ معه رحلة في بناء التنظيم السري المطلوب، بدأ بأحمد صديقه المقرب له، واقترب من الموضوع وأهدافه ووجد أن صديقه يعيش ذات معاناته ومتوافق معه فيما يفكر فيه، وبدؤوا يصنعون شبكة من الأصدقاء يدرسونهم بدقة ويكسبون ثقتهم ثم يدعونهم للتنظيم، ولم يمض وقت طويل حتى توسع التنظيم، عندها قرر باسل بالاتفاق مع أحمد أن يتطوع بالمخابرات بعد حصوله على شهادة البكالوريا، وأن ذلك سيكون مقدمة لاختراق هذا الجهاز الذي يمثل هو والجيش حماية النظام والقوة الباطشة له.

تعب باسل كثيراً في إقناع والده ووالدته، اللذين لم يستسيغا ذلك ابداً، خوفاً عليه من جهة، ولقناعتهم بأن النظام يستحوذ على الأمن والمخابرات لأبناء الطائفة العلوية، الذين اصطنع منهم جيشه الطائفي الحامي والمستفيد والمنتفع من سلك الجيش والاستخبارات.

كان إصراره كبيراً وحصل على قبول أهله، واستفاد من وسائط ومعارف للعائلة، وتمكن من الالتحاق بدورة تطوع بالمخابرات ليكون بعدها صف ضابط في الاستخبارات العسكرية التي تعتبر أقوى جهاز أمني سوري، ويوجد أيضاً المخابرات الجوية وشعبة المخابرات العامة ومخابرات أمن الدولة.

التحق بالدورة التي كان تعدادها 1200 إنسان، هو الوحيد من المذهب السني والباقي كانوا من العلويين.

كان ذلك عام 1994م، كانت الدورة قاسية جداً ويتدرب بها العناصر على أسوأ أنواع الحياة، كان باسل قد جهز نفسه جسدياً بالتدريب والرياضة وشحن نفسياً بإيمانه بقضيته وهدفه بعيد المدى، كان متميزاً دوماً وكان الاول في دورته.

تخرج باسل من الدورة، وجاء فرزه إلى الاستخبارات العسكرية في حماة. وقبل التحاقه بالفرع المفرز له، التقى بأصدقائه أحمد والآخرين في التنظيم ليعلم أخبارهم، لكنه وجدهم قد أهملوا الموضوع وتراجعوا عنه، خوفاً أو قلة وعي وحيلة، خاب ظنه بهم وقرر أن يتابع عمله لوحده لعل الله يؤمن له ما يساعده لتحقيق هدفه بالقضاء على النظام الطائفي القمعي الظالم.

توجه باسل إلى حماة حيث فرز إليها ليكون في قسم المعلوماتية في الاستخبارات العسكرية، وتم فرزه ليتابع الشأن الاقتصادي للفاعليات الاقتصادية في مدينة حماه.

علم باسل مقدار السلطات التي تمنح لعنصر الاستخبارات، التي يستخدمها ليؤمن لنفسه الرشاوي والمصالح وليبتز الناس ويخيفهم، كان الناس قد استكانوا منذ عقود لسلطة النظام وأجهزته الأمنية، وأصبحوا يقدمون الخوات والرشاوى طوعاً دائماً للمخابرات خوفاً من الاسوأ؛ الاعتقال أو مصادرة الأملاك أو الاتهام بالعمل المعارض، إخوان مسلمين وغيره، وكلها تؤدي للتهلكة.

أدرك باسل مقدار القوة التي يستحوذها، حارب نفسه كثيراً خوفاً من الانجراف وراء مصلحته الخاصة والابتعاد عن هدفه الأصلي، نجح في ذلك، ثم اعتمد على دراسة الواقع الاقتصادي الحقيقي للمؤسسات ولكل ما يوكل إليه. وأدى هذا لأن يقدم دراسات أمنية دقيقة نادرة المصداقية قياساً بغيره. ما جعله مثار إعجاب مسؤوليه إلى درجة حصوله على وسام من رئيس الجمهورية.

وهذا يؤكد حرص النظام على معرفة المعلومة الصحيحة ويعرف كيف يستخدمها، ويحتفظ بها ملفاً يفتحه متى شاء لكل أبناء النظام عندما يقرر التخلص منهم أو ابتزازهم.

تفاجأ باسل بحصوله على الوسام وزادت ثقته بنفسه وأمله بتحقيق أهدافه التي نذر عمره لها.

كما كان باسل على تواصل مع كثير من الفعاليات الاجتماعية والاقتصادية الحموية الذين وثق بهم ووثقوا به وساعدهم قدر إمكانه حيث احتاجوا إلى ذلك.

كما قام بدور مهم في تقصي واقع أحداث الثمانينيات في أرشيف الفرع وقام بإعادة غربلة المعلومات وتحريف بعضها، وساعد في رفع المظلمة عن الكثيرين، رغم مضي أكثر من عشرين عاماً على تلك الأحداث.

من حسن حظ باسل وجود مسؤوله الضابط برتبة عقيد واسمه محمد الشاعر، كان مسؤولاً عن كثير من الجرائم التي قامت بها الاستخبارات تحت قيادته، لذلك كسب ثقة رؤسائه رغم كونه من السنّة، وكان يحمي باسل في الصراعات التي تحصل بين الضباط والعناصر في الفرع نفسه ومع الفروع الأخرى.

دام عمل باسل في الفرع أكثر من عشر سنوات، كان قد مات حافظ الأسد وجاء بعده ابنه بشار، وقبلها مات باسل الأسد في حادث سير، وحصلت تغييرات أمنية أدت لنقل العقيد محمد الشاعر إلى مكان آخر، حاول أن يصطحب معه باسل لكنه رفض لأنه كان قد تزوج واستقر في حماة ولأنه وطّد علاقته مع أهلها وناسها، وهو مقتنع بدور إيجابي يقوم به معهم.

كان لنقل العقيد الشاعر من الفرع دور في التضييق على باسل حيث بدأ رئيس الفرع العلوي بتجميد باسل وتقليص صلاحياته، وسجنه في الفرع إدارياً لمدد طويلة دون سبب مباشر.

ومع طول الوقت وزيادة الإساءة، يئس باسل من إمكانية فعل شيء ضد النظام، وحتى أن يحمي نفسه، كذلك حاول بعض العناصر والضباط تلفيق اتهامات بحقه تودي بحياته، لذلك قدم طلب استقالة من الاستخبارات وألحّ به، والاستخبارات تمنع ذلك، فالعنصر أو الضابط مستمر في مهمته ودوره مدى الحياة، أو أن يرى المسؤولون غير ذلك.

استطاع باسل بإصراره أن يقنع اللجنة الأمنية التي التقته من أجل طلب استقالته، ونقل للجيش ليكمل حياته عسكرياً عادياً برتبة صف ضابط.

وما إن جاءت أحداث الربيع العربي ووصلت إلى سوريا في ربيع 2011م حتى وجدها باسل ثورته الخاصة. حيث شارك فيها بالتظاهر السلمي في حمص، وتعاون مع الجيش الحر، ثم قرر الانشقاق وعمل مع آخرين ضباط وعناصر ليحصل ذلك. لكن قبض عليه قبل ذلك واعتقل وعذب لمدة ستة أشهر شاهد فيها كل أصناف التعذيب والقتل واغتصاب للنساء، وخرج بعد ذلك بمحاكمة صورية، وقرر الانشقاق ثانية، وغادر حمص مع عئلته متوجهاً إلى تركيا مستفيداً من هويات أمنية كان يحتفظ بها من أيام عمله بالاستخبارات.

وصل إلى تركيا ومنها توجه إلى ألمانيا واستقر هناك، حيث تسنى له الوقت ليكتب تجربته في اختراق النظام استخباراتياً والعمل للثورة عليه. هنا ينتهي الكتاب.

في التعقيب عليه أقول:

لقد أوضح الكتاب أن سيطرة النظام على سوريا وشعبها لخمسين عام مضت، ليست سحراً وصدفة بل نتيجة عمل استخباراتي دائم، طال كل تلافيف حياة الناس أفراداً وجماعات وفئات وأعمال اقتصادية وغيره.

يكاد يكون كل إنسان في سوريا يولد وأرشيفه الأمني يولد معه.

هذا الرصد الأمني المعلوماتي مع القوة الباطشة الظالمة للنظام جعلته يهيمن على الشعب السوري ويستعبده لخمسين عاماً، وإلى ما لا يعلمه إلا الله في المستقبل.

كما لا أستطيع إلا أن أحترم وأثمن وأعتز بالدور والجهد والإصرار والإيمان بالقضية العظيمة التي آمن بها وعمل لها باسل صنيب، وأنه كان من المفروض أن يكون مثله الكثير في سوريا وثورتها. وبالفعل أثبت الشباب والشعب السوري أنهم شعب عظيم عندما قاموا بثورتهم الرائعة في ربيع 2011م. وقدموا الغالي والرخيص ليسقطوا نظام الاستبداد والقمع والطائفية والاستغلال والظلم والتبعية للأعداء.

صحيح أننا كشعب لم ننجح للآن بثورتنا وأن نحقق أهدافها بالحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية وتحقيق الحياة الأفضل، لكن ليس لسبب يتعلق بالشعب بل بالعوامل السياسية الاقليمية والدولية ومصالح الدول المتحكمة بالسياسة عالمياً ضد شعبنا في سوريا.

أمريكا وروسيا وإيران والغرب عموماً، غير راضين بربيعنا لذلك تركونا ضحية القتل والتهجير والاعتقال وتدمير بلادنا دون أي تدخل حقيقي لمساعدتنا.

كما لابد من توجيه نقد لما يطرحه الكاتب حول التقسيم الطائفي السوري وأن النظام علوي وهذا فيه كثير من الصحة، وإن الضحية هم السنة وهذا أيضاً فيه كثير من الصحة، لكن الحل لقضية سوريا هو ليس بالاصطفاف الطائفي السني في مواجهة علوية النظام، بل الحل يكون وطنياً ديمقراطياً.

بالعودة للمواطنة المتساوية وإسقاط الاستبداد ومحاسبة كل من أوغل في الدم السوري، من أي طرف كان.

بناء الدولة الوطنية الديمقراطية دولة العدالة والقانون والمساواة والحرية هدف لكل السوريين.

1 تعليق
  1. د.جورجينا عبد الله says

    من يصف الجريمة وصف منصف ، ومن يروي الحقائق كما هي وبتجرد ودون تجميل أو مجاملة ، هو ليس شريك في تلك الجريمة ، ولا يمكن اعتباره مذنب لأنه صدق الوصف ، وأجاد النقل ، الكاتب هنا باسل صنيب وصف حقائق يعلمها جميع السوريين بكل أنواعهم وأطيافهم حول طائفية نظام المجرم أسد في سوريا ، وذلك لا يعني أنه شريك في ذلك أو يطلب مقابلته بمثله كما اعتبر الناقد هنا !! ناقل الكفر ليس بكافر . كفى نختبئ وراء أصابعنا ، وكفى مواربة وخوف من الحقائق ، وكفى محاولات لحجب نور الشمس بغربال ، أنا أحيي هذا الكاتب على شجاعته الأدبية وصدقه وشفافيته ، وأشكره على شهادته التي تشكل مع غيرها من أمثالها وثائق ربما ستقودنا يوماً إلى العدالة المنشودة في سوريا …….

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني