fbpx

وما زال السؤال معلقاً

0 120

تحبس الدمعة، امرأة في العقد الثالث من العمر، عينان عسليتان تشيان بحزن دفين يحرسهما سيفان، وأنف تستدق أرنبته وتكلل فلقتي حبة كرز، تجلس صامتة، تنظر في الوجوه وعيناها ترقب باب القاعة، وقف الجميع احتراماً للقاضي، العيون معلقة به حتى جلس، وارتفع صوت: محكمة.

نُودي على الأسماء، جاء دورها.. نهضت.. ومتهيّبة تقدمت من المنصة ببطء، وقفت ووجنتاها تصبغهما حمرة خفر. سألها القاضي: لِمَ تدعين على أخويك؟.

– سيادتكم، قرأت السبب؟.

– وأريد سماعه منكِ.

– وهل يتسع صدركم لسرده؟

– نعم، لا تخجلي

– يا سيدي ورثت وأخوتي وأمي عن المرحوم والدي داراً وقطعتي أرض زراعية، وبعد حصر الإرث لم نقتسم احتراماً لرأي الوالدة، كنت أسكن وأخي الصغير معها، ونعيش مستورين، تزوّجت من ابن خالتي، ولم يمضِ شهران تقريباً استدعي للخدمة احتياطاً في عزّ الأحداث، وعاد إلينا بعد شهر ملفوفاً بعلم فعدت أرملة إلى بيتنا؛ لكن القدر لاحقني ثانية وثالثة. أصيب أخي الصغير وهو عائد من الجامعة بشظية آثمة، وبعد أسبوعين ارتقت روحه لبارئها. كظمت والدتي حسرته في قلبها، ولحقت به بعد ثلاثة أسابيع. أصبحت وحيدة أتفرس في الجدران… ولم يمضِ وقت طويل حتى جاء أخي الكبير، وقال: نريد وكالة لأحدنا لنكمل معاملة حصر الإرث للوالدة وأخي، وعن حسن نية وافقت.

– وماذا بعد؟

– اكتشفت مصادفة عن طريق صديقة موظفة في مديرية العقار ما فعله هذان الواقفان أمامكم، لقد استغلا التوكيل وسجّلا كل ما نملك باسميهما. راجعت مديرية العقار، واستخرجت بيان قيد عقاري لما نملك فلم أجد لي اسماً، ولما سألتهما كان الجواب: لا حاجة لك، يكفي أنكِ ما زلت تسكنين هنا، ومرتبكِ يكفيك مؤونة. قلت: والأمانة، وحقي الشرعي أين؟ فجاءني الرد: أولادنا أحق بهما منكِ، وهدداني بالطرد من البيت، فلجأت إلى القضاء، ولعدالتكم لتنصفني، وتبطل ما فعلاه.

– وكّلي محامياً.

– يا سيدي، ليس لدي مال للتوكيل، لوكنت أملك المال ما رأيتني هنا وتساقطت الدموع على وجنتيها. استدارت ومشت نحو الباب. استوقفها شاب، يا سيدتي، أرجو أن تعتبريني أخاً أصغر، أنا وكيلك، وخرجا معاً.

مازال ذاك الموقف ماثلاً في ذاكرتي بتفاصيله كلها، ومازلت أتفكّر بموروثنا، وأتساءل.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني