الوجود وجودي، وجودنا فقط. أنا وأنت ونحن وأنتم الذين نصنع الوجود الحقيقي. حين أمنح الوجود صفة الإنساني، بارتباط بوجودي الكلي، أنقل الوجود من حال الهيولى إلى حال الصورة. لولاي لما كان هناك وجود إنساني، الأشياء والأكوان وجود لكن بدوني ليست وجوداً إنسانياً. حين جعلت الكون موضوعاً لتأملي، وخلقت الأفكار حوله، وأبدعت الأشعار والقصص، وأنتجت النظريات لأفسره وأفهمه، صار الكون إنسانياً. لا أحد بقادرِ على أن يمنح الوجود صفة الإنساني إن لم يجعل منه حقلاً من حقول ملاعبه. القرية التي أمضيت طفولتي فيها مخزونة في ذاكرتي، مكونة عالمي العاطفي، أحن إليها. القرية هذه حقل من حقول وجودي لا تعني شيئاً بالنسبة إلى أبني، أو إلى أمريكي أو إلى أي أحد لم يعش تجربتي أو تجربة مع القرية. عبثاً يحاول الإنسان أن ينقل وجوده الخاص المعيش إلى الاٌخر. إذاً هناك الوجود الخاص، والوجود الشخصي. هل أنا حر في أن أحدد وجودي وأرسم سوراً حوله على نحو حر؟ هل أنا قادر على أن أقرر ما ينتمي إلى وجودي وما لا ينتمي؟. يجمع العاقلون أن الإنسان ألقي في هذا الكون دون استشارة. إنه وجود مادي ممكن روحياً وأخلاقياً ومهنياً، هذا في الأصل، أقصد أصل كل واحد منا، لا أصل الإنسان الأول الذي هو أبن تفاعلات الطبيعة. وأنا من العاقلين. إن وجودي ينمو ويتطور، يغتني عبر التجربة وعبر شروط لا حصر لها، الشروط المادية والمعنوية والثانوية والمصادفية. وفي معنى أولي أنا كائن لست حراً في أن أحدد وجودي على نحو ما أنا عليه. أو قل: لست قادراً بالأصل على اختيار كل حقول وجودي الوطن، المدينة، القرية، اللغة، العادات، العائلة، الاسم، الكنية، المدرسة، المعارف، الأخوة، الأم، الأب، والأولاد…. الخ. أجل أنا لم أختر هذا كله. لقد تعينت على هذا النحو أنفاً عني. هذا وجودي الذي تحدد وفق علاقاتي الموضوعية بالعالم. غير أني وجود ممكن كما يقول فلاسفة الوجودية. ولهذا فإن الممكن هو حقل تحقق وجودي الإنساني الحر، وهكذا تمتزج حقول وجودي. ينتمي وجود العامة إلى النمط الأول من الوجود، في الغالب، فيما ينتمي وجود الأنا الفاعل إلى النمط الثاني. فالأنا حين يصير مركزاً لذاته، ويحدد وجوده حراً. دون أن يتحرر الإنسان من السمات المطبوعة، فإنه لا يتعين بوصفه أعلى شكل من أشكال الوجود الإنساني. فكل علاقة حرة أقيمها مع العالم – بوصفها موفقاً حراً -تحدد وجودي على نحو خاص. علاقتي بالخلق أجمعين، بالطبيعة بالإنسان، بالمعتقدات. كل علاقة-موقف تجعل من وجودي الإنساني أكثر ثراء واتساعاً وعمقاً. وكل المواقف: الكره والحب والقرف، والخوف والرغبة والإعجاب والحزن والفرح والاستحسان والآمال والأحلام، والتي هي مواقف متغيرة، تعبر عن وجودي الذي لا يثبت على حال. لا شك أني لا أفرح بقرار ذاتي كما لا أحزن حاملاً نفسي على الحزن، لكن ما يفرحني – أنا – مختلف عما يفرحك وما يحزنني يختلف عما يحزنك، وأن كنا نتفق على بعض ما هو مشترك في الفرح والحزن. من كل ما سبق ينتج أن صناعة وجودي عملية معقدة ومتشابكة الشروط والأسباب ودائمة العملية. وعبثاً نحاول أو يحاولون اختصار الوجود الإنساني في لحظة أو صفة أو قول أو رأي أو حالة. فالعالم جزء لا يتجزأ من وجودي الخاص، العالم كله الذي أراه وأفكر فيه وأعتقد على أساسه وأحسه وأمتلكه وأعيشه وأتخذ منه موقفاً. حتى ليمكن القول إن العالم الموجود هو العالم الذي يشكل جزءً من وجودي. قلمي أيها الفينيق النزق يا صاحب الدروب الكثيرة والكاره للصوى شكرا. حبري أيها الدمع الدم النبع اللغة شكرا. أوراقي نسائي اللواتي يحتفلن باغتصابي سجادة قلبي وصلاتي شكرا. لغتي يا بساط الريح وخاتم سليمان وفانوسي السحري شكرا. شكراً يا معاني وجودي.