هل مِن وَساطة سعودية إماراتية بين قسد والأسد؟
نقل موقع المونيتور الأمريكي عن مصادر كردية قولها إنّ السعودية والإمارات تلعبان دوراً بين “قوات سورية الديمقراطية ” ونظام الأسد، وأوضحت المصادر التي لم يُسمها الموقع أنّ “الإمارات والسعودية شجعتا دمشق على دمج قوات سورية الديمقراطية في الجيش السوري كجزء من جهود ردع النفوذ الإيراني”.
وأضافت المصادر إنّ هذا الأمر تمّ “بموافقة ضمنية أمريكية” وأضاف أنّ “مثل هذه التحركات تتعارض مع مصالح أنقرة كذلك”.
بالتأكيد كان للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة علاقات سابقة بدعم قسد، بذروة سوء العلاقات بين الرياض وأبو ظبي من جهة وأنقرة من جهة أخرى أثناء الحصار العربي على قطر، وكانت زيارات الوزير السعودي ثامر السبهان الثلاث لمناطق في شرق الفرات معلنة بل تعطى أهمية وتُسلّط الأضواء عليها أكثر من قيمتها الحقيقية، وكان ذلك الدعم من باب المناكفة السياسية مع أنقرة، حيث شهدت العلاقات بين العاصمتين الخليجيتين تدهوراً كبيراً في تلك الفترة، وكانت الساحة الليبية مجالات للتنافس أيضاً بينهما فكانت أنقرة تدعم حكومة طرابلس فيما دعمت الرياض وأبو ظبي الجنرال حفتر.
وبالطبع جوهر التوتر الخليجي التركي كان دعم أنقرة الغير محدود للدوحة والذي ادّى لإنشاء قاعدة عسكرية تركية ضخمة فيها كانت رادعة لأي محاولات طائشة من التحالف العربي الرباعي (أبو ظبي، الرياض، القاهرة، المنامة).
أيضا بالملف الخلافي بين تركيا من جهة واليونان وقبرص من جهة ثانية في الصراع البارد الدائر في بحر إيجة وشرق المتوسط ومن ضمنه حقوق تركيا في التنقيب عن الغاز والنفط في مياه اقتصادية مُتنازع عليها، وما أعقب ذلك التنافس وقتها من إنشاء مِنصّة غاز شرق المتوسط ومركزها القاهرة، كانت تَضمّ الدول المعنية بدون تركيا وكانت الرياض وأبو ظبي داعمتان للدعاوى اليونانية القبرصية.
وبالطبع كانت وقتها علاقات أنقرة مع طهران جيدة بالتنسيق بملفات عديدة في سورية وغيرها وكان ذلك يُغضب أبو ظبي والرياض كثيراً، ولاشكّ أنّ ذروة الخلاف السعودي التركي انفجر من خلال مقتل الصحفي جمال خاشقجي في 2 تشربن أول 2018، وما أعقب ذلك من تداعيات معروفة.
كان الدعم السعودي الإماراتي (الذي لم يكن كبيراً ولا مؤثرا ًفي ظِلّ دعم أمريكي لقوات قسد) كان مفهوماً في تلك الفترة وهو استغلال أوراق ضغط مشروعة تلجأ إليها الدول في ذروة الصراع ببنهم، لكنه دعم تكتيكي ولا مصلحة حقيقية لدولتان عربيتان في دعم مشروع انفصالي كردي في دولة عربية، وأيضا قد يَصبّ ذلك الدعم في باب مغازلة أبو ظبي والرياض لواشنطن لإضفاء بعض الشرعية العربية على قوات أو بالأحرى مشروع انفصالي تم تأمين غطاء عربي له من سكان المنطقة لتمريره ولا مانع من واشنطن بدعم عربي خليجي له تحت مزاعم شتّى منها مثلاً دعم العشائر العربية في الجزيرة السورية المنخرطة في مشروع الإدارة الأمريكية مع قسد بحجة أواصر القربى مع القبائل العربية التي تحكم في الخليج.
كان زلزال خسارة ترامب وفوز بايدن يُلقي بظلاله على منطقة الشرق الاوسط، وكان من ضمن سياسات الرئيس الجديد في حقبة أوبامية ثالثة، حيث لم ينسَ مرارة الحقبتين الأوباميتين السابقتين لا العرب ولا الترك.
كانت حملة بايدن الانتخابية واضحة وصريحة بأنّ العودة للاتفاق النووي مع إيران هو جوهر أو أولوية سياستها الشرق أوسطية، إضافة لتقليبه المواجع السعودية بقضية الخاشقجي وقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية المرأة، وتعهّده بجعل السعودية دولةً منبوذة، وبالطبع كان الرئيس السيسي هدفاً لسهام المرشح بايدن والذي كان يصفه بالديكتاتور المصري، ولم يُخفِ بايدن رغبته في عدم مشاهدة الرئيس التركي يَحكم لولاية ثالثة وتعهّد بإسقاطه ديمقراطياً عبر دعمه لتحالف المعارضة ضده.
في هذه اللحظات بدأت مراجعات إقليمية للحلفاء المحسوبين على الولايات المتحدة والذي سيتعرضون لسهام إدارتها الديمقراطية الجديدة لمدة أربع سنوات قادمة، فتمّ إعادة تقييم تلك الخلافات والعمل على إنهائها أو تجميدها أو فصل ملفات الخلاف عن بعضها والتعاون في ملف وتجميد آخر، وبدأت التموضعات والتخندقات السابقة بالتداعي والسقوط التدريجي فتمّ إنهاء الحصار على قطر وكسر الجليد بين أبو ظبي والرياض والقاهرة (بدرجة أقل) مع أنقرة استعداداً لمواجهة الحقبة الأوبامية الجديدة بقيادة الرئيس بايدن أحد أهمّ صانعيها.
وكان أن اقدمت المملكة العربية السعودية تمهيداً للاستدارة نحو أنقرة في نهايات عام 2020 (بعد حسم الانتخابات الرئاسية الأمريكية) على قطع دعمها لقسد والإدارة الذاتية للكرد والتي تُصنّفهم أنقرة مجموعات إرهابية مرتبطة بحزب العمال الكردستاني المحظور في تركيا.
حيث أمهلت السلطات السعودية ممثل الإدارة الذاتية في الخليج شفان خابوري عدة ساعات لمغادرة أراضي المملكة.
وتبادلت القيادات السعودية والتركية والإماراتية الزيارات على أعلى المستويات، وتمّ توقيع العديد من الاتفاقيات التجارية والاستثمارية مع أنقرة ومُؤخراً تم التصديق على اتفاق الشراكة التجارية التركية الإماراتية الشاملة، وأودعت حكومة المملكة بآذار الماضي وديعة بالمصرف المركزي التركي بقيمة 5 مليار دولار في محاولة لمنع تدهور الليرة التركية وإعطاء الثقة للاستثمارات الأجنبية للبقاء في تركيا، وبالطبع حينها صَبّ ذلك بطريقة غير مباشرة بدعم الرئيس التركي بحملته الانتخابية.
والتوجّه التركي المقبل بعد فوز الرئيس أردوغان بحملته الانتخابية هو المزيد من التعاون الاقتصادي بين تركيا ومصر والإمارات والسعودية لبناء أسُسْ علاقة متينة مع فصلها عن تباين وجهات النظر في ملفات مشتركة ومن المتوقع قيام الرئيس التركي بزيارة للمملكة ومصر في المدى القريب.
وبعد غياب طويل للمملكة عن الملف السوري بقطع دعمها أو علاقتها مع المعارضة السورية مُمثّلة بهيئة المفاوضات السورية وعدم امتلاكها لأوراق مُؤثّرة على الأرض تكون أدوات لها للتأثير بمجريات الحالة السورية، ولأنها خسرت الكثير من مصداقياتها وثقلها المعنوي لدى الثورة السورية وجمهورها بارتكابها الإثم العظيم أو اكبر الكبائر بإصلاح العلاقة سريعاً مع نظام الأسد وفَكّ العزلة عنه عربياً باستقباله في جدة من قبل ولي العهد كرئيس دولة شرعي وإعادته الى جامعة العرب فإنها قد تكون بذلك اختارت الدخول للملف السوري من بوابة النظام السوري مع الإمارات أيضاً.
ولأنّ المملكة والإمارات ترغبان بعلاقة إستراتيجية مع تركيا الجديدة فإنهما لن تُقدما على أي خُطوة من شأنها إغضاب الرئيس التركي والحزب الحاكم والذي خاض حملته الانتخابية تحت شعار محاربة الإرهاب و يعلم الجميع ماذا ومن يقصد الاتراك بكلمة الإرهاب، وخاصةً أنّ حزب الشعوب الديمقراطية (الممثل الأكبر لأكراد تركيا) قد دعم مرشح المعارضة على حساب الرئيس أردوغان، فليس من الحصافة السياسية أن تُقْدم الرياض وأبو ظبي على أي تعامل مع قوات قسد أو ممثلها السياسي جماعة مسد وهو من أحمر الخطوط الحمراء التركية، وهو دعم لا طائل منه، أو لا يؤدي لأي نتيجة كما قال موقع المونيتور خصوص مسعى لدمج فوات سورية الديمقراطية مع جيش الاسد وهو مسعى حاول الروس بكل ثقلهم فيما مضى وخلال عدة سنوات على تحقيق أي تقدم ملموس به، وفشلوا في ذلك.
ومن المُرجّح بروز دور سعودي مُقبل في الملف السوري عبر البوابة الإنسانية بدعم حكومة النظام مباشرةً تحت هذا الباب في إعادة للتجربة السابقة بعد الزلزال، ودعم إنساني مماثل لمناطق سيطرة المعارضة الواقعة تحت النفوذ التركي، وحتى من الممكن دعم الموقف التركي بقضايا حساسة له بالملف السوري كموضوع إعادة اللاجئين مثلاً وضرورة امتثال النظام لمتطلبات الحل السياسي كما تقول تركيا دائماً.
حتى إنه وخلافاً لما أورده موقع المونيتور الأمريكي بأنّ الوساطة السعودية الإماراتية قد حازت على موافقة ضمنية أمريكية، لا أعتقد ذلك فأساس وجود السيطرة الأمريكية على منطقة شرق الفرات قائم على وجود ذراع أرضي لها هو قسد فكيف تُوافق على ذوبان قسد في ميليشيا الأسد، وهي كذلك كمن يحاول الانتحار وتقويض أسباب وجوده.
لا وساطة سعودية إماراتية بين قسد والأسد لأن مصلحة الرياض وأبو ظبي الإستراتيجية هي مع أنقرة وليس مسد وقسد والأسد.