fbpx

الانتخابات الرئاسية التركية.. تحدّيات متجدّدة

0 53

في يوم الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية التركية، الأحد، 28 مايو، لن نبالغ في القول أنّ تركيا أمام مخاطر انقلاب جديد، يقوده بالوكالة أصحاب الياقات البيضاء، الديمقراطيون، بعد أن بات من الصعب على القيادة العسكرية تنفيذ أوامره في أعقاب ما تعرّضت له هيئة الأركان من إجراءات تأميم نتيجة لمحاولة 2016 الفاشلة، وكان للمعارض العتيق، حامل الرقم القياسي في تحقيق الهزائم الانتخابية، والساعي دوما إلى السلطة، السيد كليجدار أوغلو – ومجموعة الأحزاب التي تحالفت معه بحثا عن مكاسب خاصة لقياداتها، وعلى خلفيات ايدولوجية، طائفية وعنصرية، بعيدا عن منطق الدولة – شرف تصدّر المهمّة!.

خمسة انقلابات عسكرية رئيسية نفّذها الجيش التركي منذ قيام الجمهورية بقيادة مصطفى كمال أتاتورك 1923-1938؛ أولها سنة 1960 وخامسها سنة 2016، وهو المحاولة الانقلابية التي أفشلتها إرادة الشعب، وبسببها نجحت حكومة العدالة والتنمية في فرض تعديلات جوهرية على دور الجيش الانقلابي، ووضعه تحت سلطة الدستور، وفي إطار مهمّة حماية حدود البلاد ومصالح المواطنين.

يمكن تعقّب بصمة الجيش التركي في مجمل الأحداث التي جرت منذ بداية تاريخ الجمهورية التركية، وكان تدخّله المباشر، السلمي أو الدموي، دائما على خلفية مصالح وسياسات السيطرة الإقليمية والهيمنة العالمية للولايات المتّحدة الأمريكية بالدرجة الأولى، وكان أيضا بسبب هواجس ما قد يشكّله ترسّخ النظام الديمقراطي من وضع قيادة الجيش تحت سلطة القانون والدستور المدني، وقد تدخّل دائما لتغيير حكومات مدنية مُنتخبة، تحت ذرائع حماية النظام العلماني، أو مواجهة التمدّد السوفياتي والإسلامي، بعد أن بات الخطر البديل للشيوعية في حقبة ما بعد الحرب الباردة، وحيدة القرن الأمريكية!.

حصل الانقلاب العسكري الأوّل ضد حكومة رئيس الوزراء عدنان مندريس يوم 27 أيار 1960، وعُدّ أول انقلاب عسكري ضد حكومة منتخبة في تاريخ الجمهورية التركية، وأيضا شرارة البداية لعدد من الانقلابات والوصايات العسكرية.

كان مندريس نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري الذي أسّسه أتاتورك، لكن في 12 أيلول 1945 قرر ديوان الحزب إبعاده، لمخاطر دفاعه عن الديمقراطية، فقرر الأخير إنشاء الحزب الديمقراطي، وعندما فاز الحزب بالانتخابات التالية، تولّى زعيمه عدنان مندريس مع حزبه حُكْمَ البلاد في14 أيار 1950، وقد أنهى تاريخ حكم الحزب الواحد، حزب الشعب الجمهوري الأتاتوركي لتركيا.

العنوان العريض للصراع اليوم بين العلمانية والإسلامية؛ وقد كانت جميع الانقلابات العسكرية تحت ذريعة حماية علمانية الدولة التي لم تكن في الواقع سوى اليافطة التي تغطّي مصالح وسياسات الولايات المتّحدة، والطغمة العسكرية المسيطرة، وحرصهم على منع ترسّخ مؤسسات الدولة الديمقراطية الوطنية.

الأبرز في شعارات العلمانيين الطائفيين اليوم، الذين يقودهم زعيم حزب أتاتورك التاريخي، كليجدار أوغلو، هو العداء للمُهجّرين السوريين، تحت ذرائع ما قد يسببه وجودهم من تهديد لمصالح تركيا، رغم معرفة القاصي والداني بطبيعة الظروف القسرية التي اضطرّتهم للهرب من وطنهم، ورغم اعتراف الجميع بما قدّمه السوريون لتقدّم الاقتصادي التركي، على صعيد رأس المال واليد العاملة الماهرة.

– يتذرّع قادة الانقلاب الديمقراطي الذين يقودهم عملياً البنتاغون وأجهزة الاستخبارات الأمريكية بأنّ وجود السوريين يهدد الأمن القومي التركي، ويتجاهل هؤلاء أنّ الذي يهدد الأمن القومي التركي، والذي تخوض الدولة التركية ضدّه حروب مستمرّة طيلة عقود، هو حزب العمال الكردستاني التركي، وواجهته السياسية، حزب الشعوب الديمقراطية الذي يشكّل أهمّ حلفاء كليجدار أوغلو!.

– يتحجّج قادة الانقلاب العلمانيون أنّ سياسات وقوانين التيّار الإسلامي الذي يقوده حزب أردوغان يتعارض مع الحريات العلمانية التي وضعها مؤسس الدولة، رغم أنّها تتوافق مع قوانين الحرية والديمقراطية التي تحميها قوانين أوروبا الديمقراطية العلمانية، التي لا يخفون أملهم بشراكة حكوماتها، واتحادها، والتنعّم بمليارات ما ستقدمهم في حال فوزهم!.

يدّعون أن القوانين والفكر الإسلامي تخلق الكراهية والانقسامات، ويتجاهلون تصريحات ومبادئ الفاشي العنصري أوميت أوزداغ، أبرز شركاء السيد كليجدار أوغلو الديموقراطي!.

مع اتفاق الأطراف المتنافسة على ضرورة عودة السوريين لبلادهم، يبرز خطاب عدائي وشديد العنصرية من المعارضة التركية ومرشحها كليجدار أوغلو الذي تحالف مع أسوأ الأحزاب العنصرية التركية (حزب الظفر) ورئيسه أوميت اوزداغ، والهدف الرئيسي لهذا التحالف هو طرد السوريين بالقوة من تركيا خلال فترة محددة! هو لسان حال المعارضة العلمانية، الذي يؤكّد على الترحيل القسري، بغضّ النظر عن عدم توفّر ظروف آمنة، بينما تقول الحكومة بأنّها ستعمل على توفير ظروف آمنة لعودة من أراد من السوريين، ولن يجبروا أحدا على العودة!.

فمَن هو العنصري، والحاقد، الذي يتناقض سلوكه مع جميع القوانين والانظمة التي تشكّل قاعدة النظام الديمقراطي التركي والاوروبي؟.

على أيّة حال، لقد فضحت سياسات الولايات المتحدّة المعادية لأهداف الإصلاح والتغيير الديمقراطي في مواجهة استحقاقات ديمقراطية وطنية في سوربا والإقليم ربيع 2011، اللعبة الأمريكية، وقد باتت مكشوفة ولا تنطلي إلّا على السذّج والمرتزقة، طالما تقوم المصالح الأمريكية وما تفرضه من خطط وسياسات، خاصّة في منطقة ضفتي الخليج العربي ومحيطهما الجيوسياسي، على التناقض مع أهداف وصيرورات وقوى مقوّمات مشروع الدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة، وطالما تجد سياسات الولايات المتّحدة مأجورين ومرتزقة داخل سلطات الأنظمة و المعارضات السياسية، لن تحظى دول المنطقة بالاستقرار الذي ناضلت شعوبها وقواها الديمقراطية الوطنية والقومية لتحقيقها بعد الحرب العالمية الثانية، ومراحل الاستقلال السياسي!.

نجاح المعارضة الحالية، التي يقودها كليجدار أوغلو، بمجموعة من الطائفيين والقوميين العنصريين، المرتهنين لسياسات الولايات المتّحدة وشركائها الأوروبيين والإقليميين، على حساب مصالح الدولة التركية، لن يعزّز الاقتصاد التركي على المدى الطويل، ولن يرسّخ مؤسسات الدولة الديمقراطية، ويقيم علاقات المصالح والاحترام المتبادل مع دول الإقليم، التي تتحمّل انظمتها المدعومة أمريكيّا المسؤولية الأولى عمّا حصل من حروب وتفتيت وتهديد للأمن القومي الوطني والإقليمي.

يترقّب السوريون الموجودون في تركيا وخارجها النتائج باهتمام كبير، ربما يفوق اهتمام الأتراك أنفسهم، فمصير السوريين هناك، ومستقبل العملية السياسية هنا، وطبيعة العلاقات المستقبلية السورية التركية، يرتبط مباشرة بنتائج الانتخابات، وطبيعة سلطة النظام التركي الجديد.

من نافل القول أنّ وجود نظام وطني ديمقراطي في تركيا هي مسألة تمسّ مصالح الدولة السورية، وترتبط بطبيعة التحديّات التي تواجهها، على جميع الصُعد والمستويات.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني