fbpx

موعد مع الموت.. إحياء ذكرى كارثة تشيرنوبل

0 105

صمتت المدافع .. أطفأت الدبابات محركاتها.. ارتاح الفضاء من الضجيج.. جثمت الطائرات على مدارجها.. صفت صفحة السماء.. انتهت الحرب الكبرى.. عمّ الهدوء.. صخب الأطفال، وزغردت النسوة، وغردت الطيور.. إنّ العالم يولد من جديد…

اجتمع المنتصرون واقتسموا تركة الخاسرين، وفكروا بتصحيح خطأ عصبة الأمم، فانبثقت هيئة الأمم المتحدة لإحلال السلام، وتجنيب الأجيال المقبلة ويلات النزاعات المسلحة، وشكلت الجمعية العامة، ومجلس الأمن الدولي، وأمّنَت الدول الكبرى المنتصرة عسكرياً هيمنتها على الآخرين فاحتفظت بالعضوية الدائمة، وحق الاعتراض/الفيتو على قرارات مجلس الأمن الدولي لتحرك العالم بعصا قوة غير منظورة للمنتصرين أنفسهم…

أقرت هيئة الأمم المتحدة الشرعة الدولية (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهدين الدوليين الخاصين بالحقوق المدنية والسياسية، وبالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية) وما تلاها من اتفاقيات ومعاهدات لضمان حقوق المرأة، والطفل، والمهاجرين…، وانقسم العالم كتلتين أدخلتا العالم بحرب باردة، وسباق تسلّح يبشّر بموت زؤام، وأنشأتا ترسانات أسلحة فتّاكة، وعقدتا معاهدات للحدّ منها، خاصة التسلح النووي، والبقاء على الحد الأدنى الذي إن يستخدم سيفجّر الكرة الأرضية بمن فيها وما عليها لتصبح هباءً منثوراً.

ومع ارتفاع الصوت بالحفاظ على السلم الدولي انتشرت المفاعلات النووية خدمة للإنسانية، لكنّها حملت في أحشائها جنين الموت والدمار لتذكّر الجميع أن أيّ خطأ مهما صغر سيكون كارثة حقيقية…

واستيقظ العالم صبيحة 26 نيسان/أبريل 1986 على كارثة تشيرنوبل بسبب خطأ في التشغيل ـ كما أعلن ـ ليفتح العيون على جسامة ما حصل، حيث تشير الإحصاءات إلى (4 آلاف حالة وفاة، وبعضهم رفعها إلى 193 ألف) بسبب الإشعاعات الناتجة عن الحادثة. وأشارت الرواية الرسمية إلى (31 حالة وفاة ومجموع الخسائر 134، و2000 مصاب) بينما قدرت الخسائر المادية بـ (3 مليارات دولار أمريكي)، وصرحت وزارة الصحة الأوكرانية أن (2,3 مليون) مازالوا يعانون حتى الآن بأشكال متفاوتة من الكارثة، و(1,4 مليون هكتار من الأرض الزراعية في أوكرانيا وروسيا البيضاء تعرضت لإشعاعات بمقادير متفاوتة.

ولهول هذه الكارثة، وليتذكّر العالم مخاطرها الجمّة إذا ما أخطأ إنسان ما، أقرّت الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة يوم 26 نيسان/أبريل يوماً عالمياً لإحياء ذكرى الكارثة المؤلمة لتشيرنوبل.

هذه الحادثة لم تكن الأولى، لكنّها الأكبر، ولن تكون الوحيدة مستقبلاً طالما أنّ الإنسان معرض للخطأ، فالأجيال معرضة لخطر الموت في الاستخدامات السلمية للقوة النووية، فكيف إذا ما استخدمت هذه القوة للردع في النزاعات المسلحة، وما أكثرها بفضل الدول الكبرى التي تثيرها وتديرها، ولنا في الشرق الأوسط، وأفريقيا، وأمريكا اللاتينية وشرق أوروبا أمثلة. وتقف أحياناً بشكل فاضح وجليّ مع المعتدي المحتل ضد المعتدى عليه، وسلبه حقّه، وآخرها في غزّة التي ستبقى صرخة ألم في وجه العالم المتفرج على ما يحصل من دمار وإبادة جماعية دون أن يصحو لها ضمير…

لقد آن الأوان لتعديل ميثاق الأمم المتحدة ونظام مجلس الأمن الدولي لتتعادل الأمم كبيرها وصغيرها في التمثيل؛ إنْ أراد العالم أن يوقف العنف حقاً، ويجنّب الأجيال مخاطر النزاعات المسلحة، ويحافظ على حياة الإنسان، ويصون كرامته الإنسانية، ويعمل جاداً على تحقيق الأمن والسلم الدوليين.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني