منظمات المرأة السورية العاملة في تركيا.. بين النسوية وحقوق المرأة
مصطلح النسوية حديث على الأوساط السورية.. تبنته فئات كثيرة، دفاعاً عن المرأة وحقوقها، واختلف على تعريفه وتوصيفه بدقة، وتعرض للانتقاد والهجوم، وأثار الكثير من الجدل بين رافض ومؤيد، بينما دافعت عنه الكثير من المنظمات والحركات النسائية واعتبرته السبيل للوصول إلى المساواة والعدالة للمرأة..
وتقع المساواة بين الجنسين في صميم قيم حقوق الإنسان والأمم المتحدة. وتعتبر المساواة وعدم التمييز مبادئ أساسية لميثاق الأمم المتحدة الذي اعتمده قادة العالم في العام 1945.
وقد أجريت أبحاث ودراسات كثيرة حول النسوية، “النسوية السورية”، مركز حرمون للدراسات، تموز 2021، “مشاركة المرأة السورية في العمل السياسي”، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، 16 أيار 2018، والعديد من المقالات..
السيدة خولة دنيا، استشارية ومدربة في مجال النوع الاجتماعي، ترى أن “النسوية كمفهوم يتم إطلاقه على مجموع الحركات الاجتماعية والمدارس الفكرية التي عملت وما تزال تعمل على فهم وتفسير وتغيير الوعي الاجتماعي والسياسي ليكون أكثر عدلاً ويتجاوز التمييز القائم على النوع الاجتماعي، بهدف تحقيق المساواة بين الجنسين”.
د. غادة حمدون صيدلانية، وناشطة إعلامية ومهتمة بقضايا الأسرة والمرأة، ترى “أنها مجموعة من الحركات الاجتماعية والسياسية والأيديولوجيات نشأت في الغرب منذ القرن التاسع عشر وكانت تهدف إلى تأسيس المساواة السياسية والاقتصادية والشخصية والاجتماعية بين الجنسين”.
وتعتقد أن “الحركات النسوية تؤمن أن المجتمعات تعطي الأولوية للذكور، وأن النساء يعاملن بشكلٍ غير عادل في هذه المجتمعات”.
السيدة كبرياء ساعور، باحثة اجتماعية وناشطة في مجال حقوق المرأة، تعتقد أن “مصطلح النسوية جدلي وله أكثر من معنى، التعريف الدقيق للنسوية هو الحصول على المساواة في حقوق النساء على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي والسياسي”.
السيدة أمل سلامات، باحثة اجتماعية، وناشطة في مجال حقوق المرأة، ترى أن “النسوية مصطلح جديد على الأوساط السورية، والسوريون يتعرفون على هذا المصطلح عن قرب، ويحاولون فهمه ومعرفة مدى ملاءمته للواقع وللسياق السوري. وتعتقد أن النسوية هي المساواة الكاملة والتامة بين الرجل والمرأة، وأعتقد الوصول إلى هذا التعريف حالياً، سيكون إنجازاً كبيراً بحد ذاته على المستوى العربي عموماً والسوري خصوصاً”.
يبين الاستطلاع التالي آراء بعض النساء حول تعريف هذا المصطلح:
46.2% من النساء اللواتي شاركت في الاستطلاع، يعتقدن أن النسوية حركة تطالب بحقوق المرأة بشكل عام.
بينما 40.4% يعتقدن أنها تطالب بالمساواة التامة بين الرجل والمرأة.
و13.5% يعتقدن أنها مصطلح موازٍ للذكورية.
طالبت الحركات النسوية بالمساواة بين الرجل والمرأة على الصعد كافةً وإلغاء الأدوار النمطية للمرأة والرجل، ونعلم جميعاً أن المجتمع الأبوي يفرض أدواراً نمطية على الرجل أيضاً، فهو، مثلاً، يحمّله مسؤولية الإنفاق على الأسرة والقيام بأعباء الزواج كاملة، وتغيير هذه الأدوار قد لا يوافق الكثير من النساء من حيث إلغاء المهر مثلاً في عقد الزواج، أو تحمّل المرأة لهذه الأعباء، وقد تحصل ردود فعل مختلفة عند تطبيق هذا الإجراء..
السيدة خولة دنيا ترى أن “هذا الطرح تقليدي وسائد حول عمل المرأة وهل تستطيع النساء تحمل مسؤوليات الانفاق على الأسرة وعلى أنفسهن أم لا؟.
يجب ألا ننطلق من هذه النقطة، فالأساس هو تحقيق المساواة بكل المجالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، والخطوة التالية هي تغيير القوانين والتشريعات التمييزية ضد النساء، والخطوة الثالثة هي العمل على صعيد تغيير المفاهيم الشائعة ورفع الوعي المجتمعي على صعيد النساء والرجال سوية، وهو يعني التمكين السياسي والاقتصادي كذلك.
علينا ألا نفهم أن العلاقة هنا ليست تنافسية، وإنما تكاملية بين النساء والرجال على صعيد بناء الأسرة وعل صعيد الأدوار، فعلى سبيل المثال مازال من الغريب على مجتمعاتنا أن يأخذ الرجل إجازة أبوة عند ولادة طفل جديد للأسرة، بينما هذا الأمر طبيعي وعادي في مجتمعات أخرى، وهو يتعلق بعمل المرأة وعمل الرجل سوية.
لقد تغيرت الأدوار الجندرية في مجتمعنا فعلياً منذ زمن طويل، فأغلبنا ولدنا في عائلات تعمل فيها النساء، وقد يكون الفرق هل هذا العمل مأجور أم لا؟ فكثير من أعمال النساء لا يتم الاعتراف بها لأنها لا تدر دخلاً للأسرة مثل العمل في المزرعة أو العمل المنزلي أو العمل في مصنع أو محل للعائلة، هنا نرى أن الدخل كله يعود للرجل رغم أن المرأة تعمل ولكن للأسف يتم تجاهل عملها اقتصادياً وحتى لا يتم احتسابه في الدخل الوطني للدول.
اليوم الحاجة أكبر للاعتراف بعمل المرأة واحتسابه، خاصة مع سنوات الحرب الطويلة والعائلات التي تديرها النساء، ووجود سوق كبيرة لعمل غير معترف به سواء في سوريا أم في دول اللجوء المجاورة”.
د. غادة حمدون ترى أن “تحمّل الرجل لكامل النفقات في الأسرة هو غالباً عادات وتقاليد أكثر منها تديناً، فالتشاركية في الحياة الزوجية هي من صلب ديننا وقيمه ولدينا تراث تاريخي وديني حافل بمشاركة المرأة لزوجها في معظم جوانب الحياة لذلك لن تعارض المرأة ذلك بل على العكس ستساهم بقوة في دعم الرجل فالنساء شقائق الرجال”.
السيدة أمل سلامات تعتقد أنه “لدى تطبيق النسوية في مستوياتها العليا، لن يكون هناك أساساً ما يسمى بـ “المجتمع الأبوي”، والوصول إلى ذلك بعيد جداً حالياً، فنحن كنساء ونسويات مازلنا نناضل للوصول إلى حقوقنا كالتعليم، العمل، حق اختيار الشريك.. وغيرها من الحقوق الإنسانية البديهية ضمن السلطة الذكورية والمجتمع الأبوي، لذلك سيكون هناك فوضى ورفض كبير في حال أردنا تطبيق “النسوية” في مستوى أعلى، مثل الحقوق في المساكنة، إنجاب أطفال خارج إطار العلاقات الزوجية والشرعية، الحريات الشخصية الكاملة مثل حقوق التصرف بالجسد وغيرها من الحقوق التي ترفضها مجتمعاتنا حالياً بكل قوة”.
وبينّ الاستطلاع الذي أشرنا إليه أن آراء النساء تختلف حول إلغاء الأدوار النمطية للرجل والمرأة (إلغاء المهر في عقد الزواج، وتولي مسؤولية الإنفاق على الأسرة):
74.5% من النساء اللواتي شاركن بالاستطلاع كانوا ضد إلغاء هذا الدور.
بينما 25.5% كانوا مع إلغائه.
ويبدو أن الوضع الاقتصادي يلعب دوراً مهماً في تبني رأي ما أو الوقوف ضده.
المرأة السورية مستمرة بالمطالبة بحقوقها، قبل وبعد أن يطرح مصطلح النسوية، والسؤال هنا، هل أضافت النسوية كمفهوم جديداً إلى حركة المطالبة بحقوق المرأة عموماً وما هو الجديد الذي قدمته؟..
السيدة خولة دنيا ترى أن “النسوية لا تنفصل عنها أساساً، فالنسوية كمفهوم يطلق على الحراك النسوي والنسائي، قديم ومرتبط بجميع الحقوق التي تطالب بها النساء بدءاً من حق التصويت والترشح، وصولاً إلى التعادل بالأجور لنفس العمل، ووصولاً إلى المطالبة بالمشاركة السياسية وإلغاء القوانين التمييزية… الخ”.
بينما تعتقد د. غادة حمدون عكس ذلك فتقول “لا أظن ذلك ولكن ربما اهتمت النسوية بالحقوق السياسية أكثر وتغيير الأدوار النمطية بين الجنسين”.
وترى السيدة كبرياء ساعور أن “النسوية فكر ووعي، ودراسة عميقة لأسباب التمييز بين الرجال والنساء في مختلف مجالات الحياة، سياسية، اجتماعية، اقتصادية.. والوقوف عند أسباب هذا التمييز ومعرفتها، مثلاً هناك فجوة في التعليم بين الرجال والنساء، من حيث نسب التسرب المرتفعة، التي تكون من نصيب الفتيات، ومستويات التعليم التي يحصد الرجال النسب الأعلى فيها، إضافة إلى المشاركة في العمل وفرصه، والمشاركة السياسية، النسوية تحاول أن تدرك الأسباب الاجتماعية والتاريخية التي أدت لهذا التمييز، فهناك أسباب عديدة تشكّلت تاريخياً، وهناك أسباب اقتصادية”.
السيدة أمل سلامات أيضاً تعتقد أن “كل جديد يضيف، وكل جديد يغير، في الواقع لا أستطيع الحكم فيما إذا كانت الإضافة إيجابية أم سلبية (أقصد النتائج)، ولكن لابد من الانفتاح على هكذا مصطلحات وتطويعها بطريقة ما للاستفادة منها في إحداث التغيير في المجتمعات، وخاصة في ظل النضال المحموم حالياً لكسر الصورة النمطية للمرأة والدفع بها لتكون صاحبة قرار ومشاركة فاعلة في الشأن العام”.
منذ اندلاع الاحتجاجات في سورية في آذار 2011، طالب الشعب السوري عموماً بالحرية والمواطنة ودولة القانون التي تكفل للمواطن مهما كان جنسه، الحصول على حقوقه كاملة، وبذلك تحصل المرأة على حقوقها، كمواطن في هذه الدولة، ويقر الجميع بذلك، لكن هناك من يعتقد أن هذا الشكل من الدولة قد لا يفي بالغرض وتبقى حقوق المرأة منقوصة..
ويبين الاستطلاع ذاته آراء النساء في دولة المواطنة من حيث حصول المواطن على حقوقه بصرف النظر عن جنسه:
74.5% من المشاركات بالاستطلاع يرين أن دولة القانون والمواطنة كفيلة بحصول المواطن على حقوقه كاملة.
أما 25.5% يعتقدن أنها غير كافية لذلك.
السيدة خولة دنيا تقول: “للأسف لا يكفي، فحتى في هذه الدولة، هناك تمييز سلبي تجاه النساء وتجاه الفئات الهشة والضعيفة في المجتمع، لذلك كانت هناك مطالبة بإجراء تمييز إيجابي مؤقت أو ما يطلق عليه بالكوتا، والمطالبة بتطبيقه حتى يصبح المجتمع مؤهلاً لتقبل وجود النساء في المواقع كافة…”
وتعتقد د. غادة حمدون أن “القانون لا يكفي لأن العادات والتقاليد أقوى منه في المجتمعات الشرقية، لذلك لابد من نشر الوعي عبر حركات حقوق المرأة، والنسوية هي إحدى هذه الحركات وأكثرها نشاطاً كونها مدعومة من الدول الغربية”.
السيدة كبرياء ساعور ترى أن “دولة المواطنة لا تكفي لحصول المرأة على حقوقها والوصول إلى العدالة للنساء والمساواة في حقوقهن، يجب أن يكون هناك قوانين تركز على أوضاع الفئات المظلومة والمهمشة في المجتمع، وأسباب وصول هذه الفئات إلى هذه الحالة، النساء لديهن ظروف مختلفة وتجارب متنوعة، وخصوصاً تجارب النساء في الظلم والاضطهاد، فهي مختلفة ومتنوعة بشكل هائل، مثلاً النساء في الأرياف يختلفن عن النساء في المدن… وبالتالي وظيفة هذه القوانين أن تركز على جميع المشاكل وطبيعتها المختلفة تبعاً لاختلاف الظروف المتنوعة من بيئة اجتماعية وسكن وعمل وغيره… يجب أن تؤكد هذه القوانين على المساواة والعدالة، فمثلاً في الدستور السوري جميع المواطنين متساوون، لكن قانون الأحوال الشخصية يتناقض تماماً مع الدستور ويمنح الرجل حقوقاً متميزة مثل الطلاق والإرث والولاية، لذلك من الأهمية بمكان التركيز على حقوق النساء حتى نصل إلى مساواة حقيقية”.
بينما ترى السيدة أمل سلامات أن “تطبيق النسوية والقبول بها جزء من الوصول لدولة المواطنة، حيث لا تمييز على أساس الجنس الإنسان في هذه الدولة مواطن فقط”.
تبين نتيجة الاستطلاع أن نسبة:
54.9% من المشاركات بالاستطلاع يعتقدن أن إقامة دولة المواطنة تكفي لحصول المرأة على حقوقها.
بينما 43.1% من المشاركات يعتقدن أنها لا تكفي.
و2% يعتقدن أن دعوات حقوق المرأة ضرورية دائماً.
نتيجة جدة مصطلح النسوية على مجتمعات كثيرة ومنها مجتمعنا السوري، ظهرت مصطلحات ألحقت بالنسوية من قبيل (النسوية الإسلامية، الراديكالية…) وقد يكون السبب رغبة أصحاب الأيديولوجيات المختلفة تطويع هذا المفهوم بما يخدم أيديولوجياتهم، أو خوفهم من عدم إمكانية السيطرة على الفئات التي تتبنى هذا المفهوم..
السيدة خولة دنيا تعتقد أنها “ليست مصطلحات بقدر ما هي تصنيفات وتعريفات تولدت من خصوصية المجتمعات، فعلى سبيل المثال في أمريكا ظهرت ضمن الموجات النسوية الثالثة ويطلق عليها “النسوية التقاطعية”، والمقصود بها أن النساء السوداوات يعانين من تمييز مزدوج أولاً لأنهن نساء وثانياً لأنهن سوداوات.. وتفرع عن هذا المفهوم أشكال مختلفة من التقاطعية حسب وضع النساء في كل بلد.
وبالنسبة للنسوية الإسلامية فهي محاولة توفيق بين خصوصية بلداننا الإسلامية والأخذ من الإسلام ما هو في صالح المرأة والتأكيد عليه دون الاتهام بالخروج على الدين.
ولقد نشأت النسوية الإسلامية في بلدان لديها إرث أعرق من العمل النسوي مثل إيران شرقاً والمغرب غرباً وما بينهما في تونس ومصر وغيرها وصولاً حتى لأمريكا بسبب وجود عدد كبير من المسلمين فيها”..
السيدة غادة حمدون ترى أن “هذه الحركات غالباً نشأت في الدول ذات الطابع القومي أو الديني وانطلقت من منظور قومي اجتماعي وديني بحيث استخدمت الأخلاق المجتمعية وقيمها المستمدة من الدين لتلقى قبولاً أكثر”.
وفي النهاية، ورغم كل ما تسبب به مصطلح النسوية من جدل، فإن حقوق المرأة تبقى الأساس في دعوات الحرية والخلاص من الاستبدادات كافة على اختلاف أنواعها، والوصول إلى هذه الحقوق كفيل بنهضة الأفراد والأسرة أولاً والنهوض تالياً بالمجتمعات ورقيها.
تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR صحفيون من أجل حقوق الإنسان”