fbpx

مستقبل سوريا بين تقسيم الكيانات وتحديات التعايش السياسي

0 249

مستقبل سوريا يبدو معقداً ومحفوفاً بالتحديات، حيث تتنوع الأطراف المتورطة والمصالح المتعارضة في الصراع الدائر منذ سنوات. مناطق السيطرة المتعددة والتقسيمات الإقليمية تجعل من الصعب تخيل مساراً موحداً للبلاد نحو الاستقرار والسلام. تظهر المعطيات ادناه أن المستقبل المحتمل لسوريا يتمثل في كيانات متنازعة على السلطة، يستند وجودها على تدخلات ومصالح دولية وإقليمية. في هذا السياق، يثير البحث عن حلول مبتكرة وتفاهمات داخلية لإيجاد مسار نحو مستقبل مستقر ومزدهر للبلاد.

في عام 2016، توصلت المجموعة الدولية المعنية بالأزمة السورية في فيينا إلى مسودة اتفاق تم ترجمتها في قرار مجلس الأمن رقم 2254، وأسفرت هذه المبادرة عن ثلاث عمليات أساسية:

العملية الأولى: تتضمن وقف الأعمال العدائية ووقف التصعيد، ما أدى إلى إنشاء بيئة أمنية تخلو من التهديدات الإرهابية. وتم تحديد مناطق آمنة لحماية المدنيين وتلبية متطلبات الأمن الوطني لتركيا في الشمال وإسرائيل في الجنوب، ووجود قواعد أمريكية في سوريا للتوازن العسكري أمام التدخلات الروسية والإيرانية.

العملية الثانية: تتعلق بالمباحثات السياسية وهيكلة العملية التفاوضية، بما في ذلك إنشاء اللجنة الدستورية لصياغة دستور سوريا، ولكن تعثرت وتم إهمالها.

العملية الثالثة: تتمثل في جهود إدخال المساعدات الإنسانية، حيث هيكلت من خلال مؤتمرات دولية سنوية في بروكسل اعتماداً على قرار مجلس الأمن الدولي، مما أدى إلى تحويل الوضع السياسي للاستفادة منه في جوانب متعددة، بما في ذلك قضايا المعتقلين والنازحين واللاجئين في الدول المجاورة لسوريا.

اليوم نتائج التجميد السياسي وإهمال المباحثات السياسية وتضييق قنوات الدعم والمساعدات أسفرت عن تعثر العملية السياسية وتعقيد الأوضاع الدولية، مع زيادة التوتر بين القوى الروسية والأمريكية في ملفات مثل أوكرانيا وغزة. هذه الظروف تؤدي إلى استمرار الواقع الحالي في المناطق المقسمة أمنياً في سوريا، والذي يتضح في الخريطة المرفقة.

يُنظر إلى مناطق شمال غرب سوريا على أنها مسرح لصراعات متعددة، حيث تسيطر عليها قوتان عسكريتان (هيئة تحرير الشام، منظمات راديكالية) هذه المنطقة تشهد تواجداً قوياً لجماعات العقيدة السلفية الجهادية السنية، وتحظى بدعم إقليمي ودولي متعدد، وهو يُعزز الصراعات الدينية والمذهبية في هذه المنطقة. هذه المنطقة محاصرة من قبل النظام السوري والمليشيات الإيرانية وحزب الله والقوات الروسية، ما يضعها في وضع حرج ويجعلها محل اهتمام إقليمي ودولي.

مستقبل هذه المنطقة يتوقف على التوازن بين القوى الإقليمية والدولية، وتأثير التدخلات الخارجية والصراعات المذهبية في المنطقة قد يكون حاسماً لمستقبلها، وقد يؤدي إلى تصاعد الصراع وزيادة التوترات.

المنطقة الثانية، تسيطر عليها الفصائل العسكرية التابعة للجيش الوطني المدعوم من تركيا، والتي تعمل تحت إشراف أنقرة. يمثل الجانب السياسي لهذه المنطقة الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، الذي كان يمثل المعارضة سابقاً، ولكنه فقد الكثير من حجمه وتأثيره. حالياً، يتمثل دوره في إدارة الشؤون السياسية في منطقة الحدود بين سوريا وتركيا، وهذه المجموعة تمثلها المجموعة التي ترأسها الحكومة المؤقتة، بالإضافة إلى التمثيل السياسي. مستقبل هذه المنطقة يتوقف على مدى توافقها مع متطلبات السياسة الأمنية لتركيا وحماية مصالح أمنها القومي. وتتنافس الفصائل المسلحة في هذه المنطقة على الموارد دون وجود هيكلية حقيقية لإقامة منطقة آمنة “عمران”، وهذا يتماشى مع سياسات تركيا، التي ترفض وجود مناطق ذاتية على حدودها تحكمها ميليشياتPYD/PKK في شمال شرق سوريا.

شمال شرق سوريا هي منطقة تسيطر عليها قوات (YPG)، التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي. تسعى هذه القوات إلى إنشاء إدارة ذاتية مشابهة لتلك في شمال العراق، ولكن هناك اختلافات جغرافية وسكانية وسياسية بين منطقة شمال شرق سوريا وتجربة كردستان العراق.

وجدت هذه المنطقة فرصة من احتياجات السياسات الغربية لمكافحة الإرهاب ولوجود قوات عسكرية في الشرق الأوسط، ما أدى إلى توازن عسكري استراتيجي مع روسيا وإيران.

مستقبل هذه المنطقة يتعرض لضغوط متنامية من تركيا، التي قامت بدخول عسكري عملياً إلى الأراضي السورية في تل أبيض ورأس العين. تبقى هذه المنطقة رهينة لأي تسوية سياسية تتم بالتعاون مع روسيا من خلال حكومة دمشق. بالتالي، يبدو أن مستقبل المنطقة الكردية محصوراً في مناطق المالكية وعامودا.

منطقة التنف تعتبر الظهير العسكري لحماية قاعدة الرطبة في العراق، وهي أيضاً منطقة استراتيجية لحماية الأمن الإسرائيلي في هضبة الجولان. تعتبر هذه المنطقة قاعدة متأهبة في البادية السورية، مستعدة لصد أي هجوم من خلايا تنظيم الدولة.

مستقبل هذه المنطقة يشمل الاستعداد لعدة خيارات عسكرية، منها تشكيل شريط عازل بين التنف وهضبة الجولان، مروراً بالسويداء، بهدف قطع الطريق أمام عمليات تهريب المخدرات ولمنع عملية التطبيع بين دول الخليج والنظام السوري. هذا يأتي نتيجة لسياسات إيران في سوريا، ولفك الحصار عن دمشق، وتعزيز التقارب بين دول الخليج وإيران.

مناطق النظام والحكومة السورية تعاني من مزيد من الحصار الاقتصادي ومنع عمليات التطبيع. في السويداء، تسعى المحافظة إلى تخفيف عزلتها المعيشية من خلال إنشاء خط إنساني من الأردن، وهذا قد يتقاطع مع إمكانية إنشاء منطقة عازلة لمنع تهريب المخدرات الكبتاغون.

أما على الساحل السوري، فقد فقدت المنطقة مواردها نتيجة للحرب التي يقودها نظام الأسد. في حلب، تعد المنطقة معرضة للبيع من خلال السيطرة الإيرانية وحلم تركيا في استثمار إعادة الإعمار. هناك أيضاً منطقة قادرة على استيعاب اللاجئين، ولكن هذا يتوقف على الاتفاق السياسي، ما يجعلها مهملة.

أما في حمص، فقد تم تغيير بنيتها لتصبح خط عبور آمن لحزب الله في مناطق سوريا التي تعود بالنفع على النظام السوري.

من المعطيات المذكورة أعلاه، يبدو أن مستقبل سوريا مقسم إلى كيانات تقوم على مناطق تجميد الصراع، وهي لا تستطيع التعايش أو البقاء بدون إزاحة الكيان الثاني. هذا يعود إلى أن هذه الكيانات تعتمد على مصالح المجموعات الدولية والإقليمية، وليس على أساس احتياجات وإرادة الشعب السوري.

بالتالي، لا يمكن تطبيق نموذج دول البلقان في سوريا، حيث يتعارض ذلك مع مصالح الغالبية السورية ومصالح الدول العربية ومصالح الجمهورية التركية. بالإضافة إلى ذلك، فإن القوى الدولية لا يمكنها فرض كيان شبيه بالكيان الإسرائيلي في الشرق الأوسط مرة أخرى بسبب الثمن الباهظ الذي سيتم دفعه لحفظ أمن هذا الكيان.

الخلاصة:

مستقبل سوريا مقسم بين العديد من الأطراف المتنافسة وأهمها الروس والأمريكيين، مع استمرار التوترات والصراعات. يظل الحل السياسي الشامل هو الطريق الأمثل لتحقيق السلام والاستقرار، بمشاركة جميع الأطراف وتوفير الحماية الإنسانية والمساعدة في إعادة إعمار البلاد، بالرغم من أن قدرات السوريين محدودة ومشتتة، فإن الحل الوحيد يكمن في استعادة القرار السوري من خلال تفاهم السوريين أنفسهم.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني