قول في الحذاء والقدم
ما قصة العلاقة بين القدم والحذاء من جهة، والتذلل والإذلال من جهة ثانية؟ بل ربما يكون مفهوم الإذعان هو المفهوم الأليق بهذه الحال. ولهذا يمكن القول إن تقبيل القدم أو الحذاء والخشوع، والتصريح بأن ما يصيبنا من مأساة فداءً لصرماية السيد لهو ذروة التعبير عن الإذعان.
لنترك فرويد وتحليله المتعلق بعلاقة الحذاء بمهبل المرأة. ونغض الطرف عن تقبيل قدم الطفل دلالة على قداسة الطفل ومحبته، وتقبيل الحبيبة من أخمص قدميها حتى قمة رأسها مروراً بكل تفاصيل جسدها، ونحصر اهتمامنا بالدلالة الرمزية للقدم والحذاء في الخطاب، فالحذاء ما يوضع في القدم لوطء الأرض. ومن مرادفاته النعل والصرماية والوطية الخ. وكالعادة فإن نوع الحذاء ومادة صنعه وشكله ولونه، كل ذلك، صار له دلالة على القيمة الجمالية من جهة، وقيمة صاحبه الاجتماعية.
ووصف الإنسان بالحذاء تقليل من شأنه، إذ إنه في هذا الحال يداس به، وإذا توسلت شخصاً بقولك: أبوس قدمك أو رجلك فهذا يعني بأن حاجتك المرجوة منه كبيرة ومهمة ومصيرية إلى الحد الذي تحملك على بوس القدم. أما إذا قلت لشخص تحبه كسر لك شيئاً عزيزاً: بأن هذا الشيء فداء لحذائك، فهذا دليل على قيمته العالية عندك التي ترخص أمامه الأشياء كلها. أما إذا اعتذرت من شخص ما بقولك: نقبل حذاءك وقدمك طلباً لمغفرة وخوفاً من تبعات عدم المغفرة، فإنك قد بلغت الدرجة السفلى من الإذعان المعبر عن إهدار الكرامة. فيما لو أنك ضربت شخصاً بالحذاء، فإنك قررت أن تهينه بأعلى درجات الإهانة. وفي كل الأحوال فرمزية الحذاء تنطوي على النزعتين المازوشية والسادية، فإذا تذلل شخص لشخص باستخدام رمزية الحذاء دون أن يحمله أحد على ذلك فهو شخص مازوشي. أما إذا حمل قوي ضعيفاً على التذلل والخنوع والإذعان عبر رمزية الحذاء فهذه سادية صريحة. البسطاء والفقراء اللبنانيين الذين يعتذرون سيد عبر رمزية حذائه، مشهد معبر عن سادية الفاشية المتأخرة والمتخلفة جداً، صحيح بأن كل فاشية متخلفة، لكن لم تشهد الفاشيات إذلالاً لجمهورها الغاضب كما هي صورة السادية في حمل الناس على الاعتذار من “صرماية” السيد.
أما المشهد المقرف لممثلين وكتبة سوريين وهم يقبلون الحذاء العسكري للتعبير عن ولائهم لآلة التدمير والقتل فهو دليل على كائن هو خليط من الشعور بالدونية والمازوشية والانتهازية والولاء الخلو من الكرامة الإنسانية. مشهد كهذا يطرح علينا موضوع الكرامة الإنسانية وثقافة الكرامة الإنسانية والحفاظ على كرامة الإنسان. ففي جميع الأديان هناك إجماع على أن الإله قد خلق الإنسان على صورته، وفي جميع الفلسفات إقرار بقيمة الإنسان وكرامته، ومفهوم الاحترام يعني الحفاظ على كرامة الآخر وعكسه الإهانة. وفي الثقافات الشعبية مكانة خاصة للإنسان. وعندي أن المعركة الثقافية التي علينا أن نخوضها هي معركة الدفاع عن الإنسان وعيشه في أعلى درجات الكرامة. بل إن الإحساس بالكرامة إحساس بالسعادة البشرية.
فلا سياسة ولا أمان ولا ثقافة ولا فردية ولا حياة أبد مع سلطة الحذاء العسكرتاري وأقبية التحقيق والتعذيب والقتل وسرّاق الحق، لا حياة في عالم يمجد الحذاء.