فَشل ذَريع لنظام الأسد بالتوظيف السياسي للزلزال
صحيح أنّ الزلازل تُخلّف دماراً وضحايا ولكنّها أيضا تكشف الجُناة..
ليس صُدفةً ألا تفارق الضحكات وجه المجرم بشار الأسد في زيارته لحلب، التي من المفترض أنها أتت بظروف كارثية ولتفقد الكارثة ومواساة ضحاياها، أتى المجرم كمن يرقص على أشلاء قتلاه.
ومن المعروف أن بنية الفساد والإفساد التي أنشأها الأسد الأب بعد وثوبه للسلطة طالت فيما طالته البنية العمرانية السورية عبر إنشاء الأبنية المخالفة التي لا تتمتّع بأي من درجات السلامة، واستمر ذلك في عهد الابن.
وما ميّز عهد الأسد الابن منذ انطلاق الثورة السورية هو دَكّ المدن والأحياء والبلدات الثائرة بمختلف أنواع الأسلحة الثقيلة، وزاد الطين بلّة استدعاؤه للمحتل الروسي الذي اعترف بنفسه أنه جرّب أكثر من ثلاثمئة سلاح تدميري جديد بأجساد السوريين وأبنيتهم، سقطت كل تلك الصواريخ الفتّاكة على أبنية مُشادة أساساً غير مطابقة لأدنى معايير السلامة، فانهار من تَعرّض للقصف المباشر على الفور، والأبنية المجاورة أصابها الضرر كثيراً وكان مسلسل انهيارات المباني بشكل تلقائي أمراً مألوفاً ويذهب جرّاء ذلك ضحايا مدنيون، لم تلتفت ما تُسمّى بمؤسسات النظام لإصلاح المباني المتضررة أو تامين بدائل أخرى، بل ومنع النظام وداعموه عملية إعادة الإعمار التي ألزم بها المجتمع الدولي نفسه عبر عدم الولوج لأولى مراحل الحل السياسي وهو الشرط المسبق والمعلن للبدء بإعادة الإعمار.
ذهب الأسد المجرم إلى حلب ليلتقط صور السيلفي ويتفقد الأبنية التي دمرتها البراميل المتفجرة التي ألقتها طائراته، ويُقدّمها للعالم على أنها الكوارث التي خلّفها الزلزال.
هل كانت ضحكاته المبتذلة تعكس خدمة الأقدار له لإدراكه أنّ فرصةً غير متوقعة وقد حدثت وعليه استثمارها؟ وهل كان يُمني النفس حينها أنه سيجلس مختالاً فخوراً وينتقي العروض لتعويمه سياسياً، ومن باب المساعدات الإنسانية؟ هل كان مازال يعتقد أن الغرب يُدرك أنّ مخاطر بقائه أقلّ بكثير من مخاطر انهياره وما على المتخوفين من سقوطه سوى إمداده بالطاقة الضرورية لبقاء نظامه.
وتكون ضرورة إيصال المساعدات الإنسانية مدخلاً شرعياً لرفع العقوبات الدولية عنه.
لاشكّ أنّ نظام الأسد يعيش في عالمه الخاص، مفصول عن الواقع الدولي ومازال يَعتقد أنّه ممكن توظيفه غربياً للنيل من إيران تارة أو من روسيا تارةً أخرى أو من كليهما معاً، وأنّه ماهر باللعب على التناقضات الروسية – الإيرانية من جهة والتناقضات الغربية معهما معاً من جهة أخرى.
كانت الأيام الأولى للزلزال سعيدة لنظام الأسد حيث أدرك أنّ المانحين الدوليين والأمم المتحدة بحاجة لموافقته على إدخال المساعدات للمنكوبين السوريين في الشمال الغربي الخارج عن سيطرته، وأنّ لا نيّة لتجاهل شرعيته القانونية ولو عن طريق معبر باب الهوى الذي تَمرّ منه المساعدات بقرارات أممية يتم تجديدها دورياً، وقدّم نفسه كرئيس لسورية متعهداً بإيصال المساعدات عن طريقه لكل المناطق السورية بما فيها مناطق المعارضة.
وبالطبع كان يتوقع حصاداً سياسياً إقليمياً ودولياً، ويبدو أنّ قيادة نظام الملالي أرادت إجهاض أيّ مُحاولة أو مراوغة من الأسد باستباق زيارته لحلب بيومين حيث وصلها شخصيتان مهمتان من الحرس الثوري الإيراني والمسؤولان عن قيادة الميليشيات في الهلال الشيعي وهما قائد فيلق القدس إسماعيل قاآني ورئيس أركان الحشد الشعبي (الشيعي) العراقي عبد العزيز المحمداوي المعروف بأبو فدك، في رسالة هامة ورمزية لتلك المدينة المنكوبة بالزلزال بأنّ حلب ستبقى تحت السيطرة الإيرانية وأن لا جدوى لمن مازال يُفكّر بانتزاع الأسد من الحظيرة الإيرانية. وأنّ اجتماع الثلاثة بحلب ماهو إلاّ لثلاثة من قادة الميليشيا في هلال الولي الفقيه.
لم يَرقَ الاتصال الهاتفي للرئيس المصري مع الأسد الذي تناول مجاملات ومواساة بهكذا ظروف الى اختراق سياسي وكذلك اتصال الملك البحريني، ولم تشكل زيارة وزير الخارجية الإماراتي إلى دمشق أي إضافة جديدة، بل حتى غلب عليها طابع المساعدات الإنسانية وكذلك زيارة وزير خارجية المملكة الأردنية الهاشمية، لأنّ الاتصالات بين هذين البلدين العربيين ونظام الأسد لم تنقطع أصلاً.
وعندما وافق النظام السوري (وبشكل غير متوقع) على الطلب الدولي بفتح معبرين إضافيين من المعابر الرابطة مع تركيا في الشمال السوري وهما معبري الراعي وباب السلامة لم يلقَ ذلك الفعل إطراءً أو مُباركة غربية بل كانت التعليقات تَصبّ في خانة أنّ موافقة النظام السوري تأخّرت كثيراً وأنّ ذلك أعاق وصول المساعدات الدولية للمحتاجين من السوريين في الشمال والمنكوبين من الزلزال الأخير.
وكانت عين الأسد تَرقب أو تَتَرقّب الإشارات من أطراف ثلاثة هي، المملكة العربية السعودية والاتحاد الاوربي (مجتمعاً أو عبر دول محوريّة بعينها) والولايات المتحدة الأمريكية.
أدّت المملكة العربية السعودية واجبها الإنساني والأخلاقي وأرسلت مساعدات للسوريين في مناطق النظام والمعارضة وعبر المنظمات الإنسانية المختصة ودون أي اتصال سياسي يشير أو يؤسس للبناء عليه بما يرضي نظام الأسد.
وكان الاتحاد الأوربي حازماً بفتح قناة مصرفية تُؤمّن تحويل الأموال لشراء المستلزمات التي تخص معالجة آثار الزلزال المدمر فقط ودون أي تنسيق سياسي بل وتضييقه وحصره بالمجال الإغاثي.
عين الأسد كانت تَرقب ردّة الفعل الامريكية بالذات، واستبشر بقرار وزارة الخزانة الأمريكية بتجميد بعض العقوبات المتعلقة بوصول المساعدات الإغاثية لمدة 180 يوماً ودون أي اتصال سياسي مع النظام بل بإجراءات إدارية من جانب واحد وذلك لإجهاض البروباغاندا التي برع النظام بحياكتها حول تأثير الحصار على عمليات الإنقاذ والإغاثة وبالتأكيد كان يأمل بإسقاط جزئي لبعض مواد قانون قيصر، تكون سابقة لخرقه فيما بعد، ولم يحصل ذلك، وقد أدّى قرار وزارة الخزانة الامريكية إلى اعتراض مُشرّعين كِبار عليه في الكونغرس واعتباره مُجاملة للأسد وحذّروا الإدارة الأمريكية من أي خُطوة لاحقة طالما أنّ القانون يُعفي كُلّ ما يتعلق بالغذاء والدواء وغيرها من المستلزمات التي لا تَصبّ في دعم الجهد العسكري لميليشيا النظام مُعفاة من العقوبات أصلاً.
وعلى المستوى الداخلي في مناطق سيطرة النظام، كَشفت الكارثة عَورات النظام التي لا تنتهي، من عدم اهتمامه بالمدنيين أو امتلاكه لأدنى درجات المسؤولية تجاههم أو المعدات والأدوات اللوجستية الضرورية لمواجهة تلك الحالات، بل وحتى في اللاذقية وجبلة التي تَضمّ الحواضن الصلبة له، أظهرت الكارثة إضافة لما حصل بحلب تعفيش للمنازل المنكوبة عبر عصابات الشبيحة التي تَصدّت للإنقاذ في إعادة لسيناريو التعفيش الذي كان قائماً في المناطق التي يحتلها النظام من المدن والقرى والبلدات الثائرة، في مشهد يبين مدى الانحطاط الأخلاقي المريع حتى على من يَدّعون حمايتهم، ولم تُخفِ ذلك وسائل الإعلام الرسمية أو مِنصّات التواصل الاجتماعي المرتبطة به بل وبدأت تُظهر بشكل مُتزايد منظر الشبيحة وهم يقومون ببيع المواد الإغاثية التي تم إرسالها من الخارج للمنكوبين وبتحدّي سافر لمشاعر المنكوبين المحتاجين لتلك المساعدات، وبالأساس كانت كل أنشطة الاستجابة الطارئة لمساعدة المدنيين الذين فقدوا بيوتهم هو من فعاليات أهلية مدنية ولم تساهم مؤسسات النظام بأي جهد إغاثي حقيقي، حيث يَستلم الشبيحة المساعدات الخارجية باليد اليمنى ويبيعونها لذويهم باليد اليسرى.
ويمكننا القول: إن النظام فشل فشلاً ذريعاً بالتوظيف السياسي للكارثة داخلياً وخارجياً وبات يُدرك أنّه لم يَعد مكاناً له في مستقبل سورية ومصيره مرتبط بمصير بوتين في حربه على أوكرانيا أو (و) بمصير نظام الملالي الذي انتهت وظيفته الإقليمية أيضاً.