fbpx

العدالة الانتقالية في سوريا الجديدة: من الألم إلى الأمل

0 30

حين تُشرق شمس العدالة على أنقاض الطغيان:

في الثامن من كانون الأول/ديسمبر 2024، طُويت صفحةٌ حالكة السواد من تاريخ سوريا، بإسقاط نظامٍ استبدادي جثم على صدور السوريين لعقود. ومع بدء المرحلة الانتقالية، تنبع الحاجة إلى مسارٍ وطني شامل يداوي جراح الماضي، ويؤسس لمستقبلٍ قائم على الحقيقة والمحاسبة والمصالحة. العدالة الانتقالية ليست ترفاً قانونياً، بل ضرورة إنسانية ووطنية لضمان عدم تكرار المأساة، واستعادة الثقة بين المواطن والدولة.

رؤية وطنية شاملة للعدالة الانتقالية:

قدّمت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تصوراً متكاملاً يواكب متطلبات المرحلة الراهنة، مستندةً إلى خبرة 14 عاماً في توثيق الانتهاكات الممنهجة، وإلى قاعدة بيانات تحتوي على ملايين الوقائع. تشكل هذه الرؤية خارطة طريق نحو تعافٍ شامل، تتكامل فيها المساءلة، وكشف الحقيقة، وجبر الضرر، وإصلاح المؤسسات.

بناء المؤسسة: تشكيل هيئة وطنية مستقلة للعدالة الانتقالية:

  • إعداد قانون تأسيسي يضمن الاستقلال التام للهيئة عن السلطة التنفيذية.
  • تضم الهيئة شخصيات مستقلة تمثل أطياف المجتمع السوري، وتتمتع بالنزاهة والكفاءة.
  • تعمل في إطار قضائي مستقل، وتتعاون مع محكمة خاصة بمحاكمة مرتكبي جرائم الحرب.

الركن الأول: المحاسبة الجنائية – لا عدالة دون محاسبة:

وثّقت الشبكة أكثر من 16,200 متورط في جرائم ضد الإنسانية، بينهم:

  • 6,724 من القوات الرسمية.
  • 9,476 من القوات الرديفة والمليشيات.

يشدد التقرير على محاسبة القيادات العليا، وتشكيل محاكم مختلطة وطنية – دولية، لضمان مهنية وحيادية المحاكمات، مع تفعيل الولاية القضائية العالمية.

الركن الثاني: الحقيقة والمصالحة – الاعتراف أول طريق الغفران:

  • تشكيل لجان مستقلة لكشف الحقيقة تتبنى مقاربة محورها الضحية.
  • توثيق روايات الضحايا والجناة على حد سواء لصياغة ذاكرة وطنية جامعة.
  • تفعيل لجان مصالحة محلية تجمع بين وجهاء العشائر، ورجال الدين، وقادة المجتمع المدني.

الركن الثالث: جبر الضرر والتعويض – الكرامة قبل المال:

  • تعويض مادي ومعنوي شامل: إعادة الحقوق، دعم الصحة والتعليم، تمويل مشاريع سكنية.
  • تخليد الذكرى: إنشاء متاحف ونُصب تذكارية، أيام وطنية، إدماج الثورة في المناهج الدراسية.
  • الاعتراف الرسمي بضحايا الاستبداد، وتقديم الاعتذارات العلنية.

الركن الرابع: إصلاح المؤسسات – لا ديمقراطية في ظل أجهزة قمعية:

إصلاح القضاء:

  • إلغاء المحاكم الاستثنائية.
  • تعزيز استقلال القضاء وضمان الشفافية في التعيينات.

إصلاح الأمن:

  • إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية وضبط صلاحياتها.
  • تعزيز ثقافة احترام الحقوق وضمان الرقابة والمساءلة.

إصلاح الجيش:

  • نزع سلاح الفصائل ودمجها في جيش وطني موحد.
  • إعادة تشكيل المؤسسة العسكرية على أساس الولاء للوطن لا للنظام.

سوريا العدالة لا تعود إلى الوراء:

ليست العدالة الانتقالية محكمةً تُقام، أو برنامج تعويض يُطلق فحسب؛ إنها روح وطن قرر أن يُبعث من تحت الركام ليُولد من جديد. تحتاج سوريا إلى تآزر كل مكوناتها – من الضحايا إلى مؤسسات الدولة – لتُبنى من جديد على أسس الحق والكرامة. قد يكون الطريق طويلاً، لكن أولى خطواته تبدأ بكلمة حق، وحقيقة موثقة، وعدالة مُنجزة.

اليوم، سوريا أمام فرصة تاريخية لا تتكرر – فرصة للصفح المشروط بالاعتراف، وللبدء من الصفر دون أن ننسى. فليس المطلوب أن ندفن الذاكرة، بل أن نحفظها لتبقى شاهد عدل في محكمة التاريخ.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني