
أهمية مشاركة المرأة السورية في الشأن العام وتمكينها سياسياً
مفهوم التمكين يهدف إلى تمكين أفراد المجتمع في اكتساب المعرفة الأساسية في مجال المشاركة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ونحن هنا نناقش تمكين المرأة السورية بصورة عامة، وتمكينها سياسياً بصورة خاصة.
في هذه المساحة، نسلّط الضوء على مفهوم تمكين المرأة السياسي، الذي يهدف إلى تعزيز اندماج المرأة في العملية السياسية بشكل إيجابي وفاعل من خلال مدّ النساء بالثقافة السياسية. كما أن التمكين السياسي داعم للتمكين الاقتصادي والاجتماعي، فهو يصبّ بشكل مباشر في تغيير القوانين، ويدفع المرأة إلى المشاركة السياسية خارج الإطار التقليدي كزوجة وكأم، لكونه عائقاً أساسيّاً حيال ممارستها السياسية.
لقد ارتبط الإصلاح السياسي بعملية التحفيز العميق والشامل لمختلف القوانين، كإصلاح قانون الانتخاب والإعلام، وتوسيع التمثيل السياسي للمرأة من خلال بناء المنظومة القيمية للديمقراطية وعملية التحديث السياسي.
كما أن للأحزاب دوراً أساسيّاً في تفعيل المشاركة السياسية للمرأة، مما يجعلها تمتلك القوة والإمكانيات والقدرة لتكون عنصراً فاعلاً. فالمرأة السورية عند تمكينها سياسيّاً تكون خطت خطوة حاسمة في العملية السياسية. فمنذ بداية النزاع السوري كانت المرأة تدفع باتجاه الوصول إلى حل سياسي، وتعزيز مشاركتها في المجتمع سياسيّاً، وإن خضوعها لدورات التمكين السياسي يعطيها حافزاً للمشاركة في الأحزاب، والتفكير في الوصول إلى البرلمان ومراكز صنع القرار. وإنّ دورها أساسي وضروري في المشاركة بالحياة السياسية وتحوّل نوعي في الحياة العامة أينما تكون.
خلال سنوات الصراع في سوريا، لعبت المرأة السورية أدواراً متعددة في ميدان الثورة والسياسة، منها ما كان مباشراً، ومنها ما كان في الميدان، ومنها ما امتد داخل أروقة التجمعات. إنّ التحديات التي واجهت المرأة السورية خلال الحرب، من خلال فقدها الزوج سواء نتيجة اعتقاله أو موته كانت تحديات كبيرة، فقد أصبحت المعيل الوحيد لأطفالها، والظلم الذي وقع عليها من جراء مفاهيم المجتمع وتقاليده، كلّ هذه معطيات جعلت النساء السوريات منذ بداية الصراع يشاركن في الثورة، فانخرطت النساء في الأجسام السياسية التي تخدم أهداف الثورة، وتطالب بحقوق السوريات، وقد استفدن من خلال الأصوات الأممية التي دعت إلى الاهتمام بتمثيل المرأة في الحياة السياسية.
لكن كان هناك تحديات واجهتها المرأة السورية، منها أنهنّ لسن فاعلات في صنع القرار، غالباً ما يكون وجودهنّ لملء فراغ أو إكمال عدد، رغم نشاط النساء في العمليات والهيئات السياسية، لكن لم يصلن إلى الأدوار القيادية العليا لأيّة لجنة. كما أن قلّة الوعي بدور المرأة الحقيقي في المجتمع السوري، وخاصة السياسي، يجعل وجود المرأة ضرورة تمثيلية لنسبة مئوية، وليس لاقتناع حقيقي بأهمية وجودها.
رغم كل هذه التحديات، استمرت المرأة بالمحاولة، وحصلت على تمثيل ما يقارب 30 بالمئة في اللجنة الدستورية، لكن نسبة التمثيل في مجلس الشعب ومجالس الإدارة المحلية تتراوح بين 3 إلى 10 بالمئة على أحسن تقدير.
بناءً على هذا، يجب زيادة دور المرأة في الحياة السياسية وبناء السلام، لأنهنّ بقين في المكان بالمنتصف، فلا حصلن على حقوق كاملة، ولا على اعتراف بأدوارهنّ الرئيسية، ولا هنّ قادرات على الاستمرار بدعم الرجال الذين تغاضوا عن ذلك. لا يمكن تخيّل مستقبل لمجتمع بتمثيل نصفه فقط.
إنّ تهميش دور المرأة سيترتب عليه شرخ ومشاكل تخص كل السوريين.
وكي نخرج من هذه الأزمة، علينا أن نؤكد الإصلاح وانفتاح المجتمع بكل فئاته، وأهمية تمثيل المرأة في الحياة السياسية. لذلك، على المؤسسات النسوية أن تطوّر تنظيماتها وأداءها، ويجب على الأحزاب والتشكيلات السياسية استيعاب نساء مؤهلات ذوات ثقل سياسي وشعبي في داخل سوريا ومناطق اللجوء والمخيمات، وصياغة دور حقيقي وتواصل مع النساء السوريات في الخارج.
علينا تعزيز برامج مشاركة المرأة في عملية السلام السياسي في سوريا، وتمكين المرأة من تحقيق تطلعاتها وتعزيز قدراتها على حمل المشاركة الفعالة، من خلال تعارف النساء السوريات في الداخل والخارج، لبناء مجتمع متوازن في جميع جوانب الحياة، وإيجاد مكان أفضل للمرأة السورية في الحياة السياسية التي تؤثر على مختلف جوانب الحياة. عسى أن تجد نساؤنا حياة أفضل ومستوى جيداً، وتتقاسم أعباء الحياة مع الرجال، والمشاركة في صنع القرار، لأنهنّ يؤثرن ويتأثرن بهذه القرارات.