
الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات الدكتور رضوان زيادة لـ نينار برس: قدرة سورية متواضعة على التحوّل الديمقراطي لغياب ثقافة التعددية السياسية وانعدام الموارد الاقتصادية
الوضع السياسي في سورية بعد سقوط نظام الاستبداد الأسدي يحتاج إلى دراسات معمّقة على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية من أجل فهم ركائز التحوّل الديمقراطي في البلاد. وهذا ما دفع صحيفة نينار برس إلى طرح أسئلتها بهذا الخصوص على الباحث الدكتور رضوان زيادة والذي يشغل منصب المدير التنفيذي للمركز السوري للدراسات السياسية والاستراتيجية في واشنطن إضافة إلى منصبه كمدير لمركز دمشق لحقوق الإنسان.
السؤال الأول
عُرف عنكم انخراطكم في الدفاع عن الثورة السورية منذ انطلاقتها. هذه الثورة التي قال عنها الرئيس الانتقالي أحمد الشرع إن مرحلتها انتهت وبدأت مرحلة بناء الدولة الجديدة.
كيف تقرأ الوضع في سورية بعد مرور أكثر من أربعة أشهر على سقوط النظام على المستويات السياسية والاقتصادية؟
تحدّيد علاقة القوى العسكرية/المدنية
يقول الدكتور رضوان زيادة في إجابته على سؤالنا الأول:
سقوط النظام بهذه السرعة لم يكن متوقعاً على مستوى إدارة العمليات العسكرية أو حتى المخابرات الدولية. لذلك كان هناك مفاجأة في وصول “الجولاني” الذي أصبح “الشرع” إلى قصر الشعب في مدّة أقل من أحد عشر يوماً. ربما هذا الاضطراب وعدم التوقّع كان بشكلٍ أو آخر لم تكن هناك خطّة للمرحلة الانتقالية، لكن إذا قارنا الوضع في سورية مع دول أخرى شهدت نفس الانتقال السياسي مثل ليبيا والسودان التي كانت قوى عسكرية، نجد إن الوضع في سورية أفضل بكثير.
ويضيف الدكتور زيادة:
استطاع الشرع خلال مؤتمر “النصر” أن يحدّد العلاقة بين القوى العسكرية والقوى المدنية عندما جرى تحديد القوى العسكرية مهمتها في إطار وزارة الدفاع، وبدأنا نتحدّث عن خطوات المرحلة الانتقالية بما يتعلّق بتشكيل الحكومة وعقد المؤتمر الوطني والإعلان الدستوري. هذه الخطوات كلها تتعلّق بالانتقال السياسي، لم تكن تتمّ لولم يستطع الشرع بذكاء تحديد العلاقة المدنية/العسكرية في وقتٍ مبكرٍ من عملية الانتقال السياسي.
ويوضح الدكتور زيادة أكثر فيقول:
هذا لا يعني إن الأمور في عملية الانتقال السياسي تتمّ بسلاسة وكما يقود إلى تحوّل ديمقراطي كما ذكرت في مقالي “فلسفة الشرعية الثورية”: إن سورية التي كان لديها مؤسسات على مستوى الجيش لم تكن مؤسساتٍ وإنّما هي مؤسسات على مستوى الانحياز الطائفي (الأمن والجيش)، وغيرها من مؤسسات. إضافة إلى غياب ثقافة التعددية السياسية، وانعدام الموارد الاقتصادية، كلّ ذلك يمنع تشكّل طبقة وسطى قادرة على حمل مرحلة الانتقال السياسي، لذلك يمكن أن يكون لدينا توقعات متواضعة على قدرة سورية على التحوّل الديمقراطي بشكلٍ رئيسي.
السؤال الثاني
يبدو إن تفكيك بنية الاستبداد بكل أنساقها تحتاج شروطاً مثل وجود بنية وطنية تكرّس قيم المواطنة والحريات، وتحتاج حاملاً اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً. هل يمكننا القول بوجود هكذا حوامل؟ أم إن شروط بناء دولة مواطنة وحرّيات لا تزال غير ناضجة؟
خطّة التحوّل الديمقراطي
التحوّل الديمقراطي كما قال مارتن ليبيست: حجم نجاح التحوّل الديمقراطي يرتبط بحجم التوقّع المستقبلي. وتقارير الأمم المتحدة تقول إن 90% من السوريين ه8م تحت خطّ الفقر، ولذلك من الصعب تماماً وأنا أتحدث عن طبقة وسطى قادرة على عملية الانتقال السياسي، أن هذا مصدر الصعوبة الرئيسية، إضافة إلى عوامل أخرى من مثل العقوبات الدولية، وبالتالي المجتمع الدولي ليس فقط عاملاً خارجياً، وإنما هو أيضاً عاملاً داخلياً يحدّد تقريباً قدرة المجتمع السوري على النمو والتعافي بعد كل سنوات الحرب هذه.
ويشرح الدكتور زيادة رؤيته أكثر فيقول:
يعني نظام الأسد ترك سورية أرضاً يباباً على مستوى الموارد المالية وعلى مستوى القدرات البشرية، تركها مفككة اجتماعياً وسياسياً، ولذلك كل هذه التحديات تحدّد مؤشرات بشكلٍ أو بآخر في التعامل مع إرث الاستبداد الماضي.
خطّة التحوّل الديمقراطي التي أنجزت عام 2014 وشارك فيها أكثر من 300 خبير ومعارض قدّمنا من خلالها رؤية للتحوّل الديمقراطي ضمن تلك الفترة، حيث شارك فيها محامون ونشطاء حقوق إنسان، وقادة قوى مدنية وسياسية وعسكرية تحت اسم “بيت الخبرة السوري”. شكّلنا ست فرق عمل خاصة بالإصلاح السياسي والدستوري والاقتصادي والعدالة الانتقالية، إعادة بناء الجيش وإصلاح السلطة القضائية. هذه المقترحات هي التي شكّلت خطّة التحوّل الديمقراطي التي تتألف من 300 صفحة.
ويضيف الدكتور زيادة:
قدّمنا هذه الخطّة للقوى السياسية وللإدارة السياسية الجديدة بهدف إنجاح عملية التحوّل الديمقراطي.
السؤال الثالث
باعتباركم تمتلكون رؤية سياسية استراتيجية حول بنية النظام الدولي. من هي القوى الإقليمية والدولية ذات المصلحة أن تكون هناك دولة سورية جديدة ومستقرّة سياسياً واقتصادياً وأمنيّاً؟ هل هناك موقف أمريكي منحاز لسورية جديدة ومستقرّة؟ ما مفهوم الأمريكيين لهذا الاستقرار؟
تصوّر إدارة ترامب سلبي
يجيب الدكتور رضوان زيادة وهو الحاصل على شهادة الدكتوراه في المفاوضات وحلّ النزاعات من جامعة نوفا الجنوبية في فلوريدا على سؤالنا فيقول:
ما يتعلّق بالموقف الأمريكي أعتقد إن موقف إدارة ترامب ما زال على تصورها السلبي بما يتعلّق بهذه الإدارة السورية الجديدة، ولذلك يجب أن يكون هناك تأثير بشكلٍ غير مباشر على هذه الإدارة لتغيير موقفها مما يحدث في سورية، وتخفيف بل وإلغاء العقوبات بهدف فتح الاستثمارات في سورية، والقدرة على إعادة التنمية والتعّافي في سورية، مما يمكّن سورية من تشكيل مؤتمر إعادة الإعمار، الذي يسمح للشركات الكبرى بالقدوم إلى سورية والبدء بإعادة الإعمار.
السؤال الرابع
سورية دولة منهكة بكلّ المقاييس. هل تتوقعون انعقاد مؤتمر دولي حول إعادة إعمار سورية؟ ما أولويات إعادة الإعمار حسب رؤيتكم؟
رفع العقوبات الغربية أولاً
يقول الدكتور رضوان زيادة وهو باحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في جوابه على سؤالنا الرابع والأخير:
انسحاب الولايات المتحدة من القوّة الناعمة من خلال إلغاء الرئيس الأمريكي لما يسمّى “الوكالة الأمريكية للتنمية” يدفع إلى الاعتماد بشكلٍ رئيسي على الدول الخليجية والأوربية للمساهمة في إعادة الإعمار في سورية. ولكن نريد بشكل رئيس رفع العقوبات عن سورية، ومن خلال رفعها تستطيع سورية أن تدعو بالاعتماد على أحد شركائها الأوربيين، ربما فرنسا، لمؤتمر إعادة الإعمار بما يمكّن من بثّ الحياة في هذا البلد المنهك.
الدكتور رضوان زيادة
باحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في واشنطن، عمل مديرا تنفيذيا للمركز السوري للدراسات السياسية والاستراتيجية في واشنطن ومديرا لمركز دمشق لدراسات حقوق الإنسان، كما عمل باحثاً زائراً ومحاضراً في عدد من الجامعات الأمريكية كهارفارد وكولومبيا وجورجتاون وجورج واشنطن ونيويورك وليهاي وجامعة ماربورغ في ألمانيا.
حصل على شهادة الدكتوراة في المفاوضات وحل النزاعات من جامعة نوفا الجنوبية في فلوريدا
كما حصل على ماجستير إدارة الأعمال من كلية وليام وماري في فيرجينيا في الولايات المتحدة، كما حصل على العديد من الشهادات العلمية منها شهادة الماجستير في العلوم السياسية من جامعة جورجتاون، ودبلوم في القانون الدولي لحقوق الإنسان من الجامعة الأمريكية في واشنطن، ودبلوم في حل النزاعات المسلحة من جامعة قبرص، ودبلوم آخر في الاقتصاد والتنمية من جامعة جون هوبكنز في واشنطن.
نشر أكثر من 30 كتابا باللغتين العربية والإنكليزية، كما نشرت مقالاته في العديد من المجلات والصحف العربية والأجنبية.