fbpx

الثورة والحِلّ من الالتزام السياسي

0 177

الالتزام من أهم القواعد في الحياة، لأن حياة المرء مجموعة من العلاقات مع الاخرين أو مع الجماعة أو مع السلطة لذا فإن هذه العلاقات لابد أن تُنظّم بما يُحقّق استقرار ونماء الجماعة عبر مجموعة من الالتزامات، المادية، المعنوية، القانونية، السياسيّة، الاقتصادية والتجارية.

وتُعتبر الفلسفة السياسية إحدى فروع العلوم الاجتماعيّة التي تُعنَى بدراسة المفاهيم والقضايا المتعلِّقة بالسياسة وتحديد الممارسات المتعلِّقة بالسلطة والمواطن والعلاقة بينهما، وكيفية توظيف السلطة العامة في سبيل الحفاظ على الحياة البشرية والارتقاء بها، ومن مظاهر هذه العلاقة “الالتزام السياسيّ تجاه القانون”، ومن الإشكاليّات السياسية التي انبثقت عنن نظريّة الالتزام السياسي جدليّة سبب الالتزام السياسي بين القانون والاخلاق، فانقسمت الآراء حول ذلك بين ثلاث تيارات وهي:

الأول يقول: بأن الالتزام “إلزامي” بمعنى أن الانتماء إلى الجماعة السياسية هو سبب الالتزام وبالتالي ليس لإرادة الاتباع محل اعتبار في معرض تطبيق القانون.

الثاني: يقول بأن الالتزام بالقانون “طوعيّ” لأن الطوعيّة تقوم على “القبول والمنفعة والعدالة”، والموافقة الفرديّة هي الركيزة الأساسيّة لنشوء المجتمعات السياسيّة وانضمام الأفراد إليها.

التيّار الثالث: يتبنى عدم وجود ما يسمى الالتزام السياسي أصلاً وهم “الأناركيّون” أي الفوضويّون الذين يرفضون أشكال التراتبية في السلطة كافة ويدعون إلى انحلال الدول بحجة أنها غير ضرورية.

ومن ذلك نخلُص إلى نتيجة مفادها أن العلاقة بين الالتزام السياسي والالتزام القانوني علاقة وجوديّة “وجود أو عدم” ما يقتضي بيان مفهوم الالتزام القانوني باعتباره مظهر الالتزام السياسي، وبيان مكانة الالتزام السياسي في ظلّ الثورة حتى يمكننا معرفة أسباب وحدود الالتزام “السياسي الثوري” بمخرجات ومقررات التفاهمات والمفاوضات بين المعارضة والنظام، أو بين المجتمع الدولي وبينهما أي “النظام والمعارضة”، وعلاقات والتزامات الدول الفاعلة في الملف السوري فيما بينها.

الالتزام القانوني: هو عبارة عن رابطة قانونية أو مالية بين شخصين أو أكثر يستطيع بمقتضاها شخص ما أن يلزم الآخر بالقيام بالعمل أو بالامتناع عنه أو بإعطاء شيء، وقد استقر الفقه والعرف القانوني على أن مصادر الالتزام خمس هي “العقد، والتصرف الانفرادي”، والقانون، والفعل الضار، وشبه العقد أو ما يُسمّى “الفعل النافع”، وتطبيقاته هي “الإثراء بلا سبب والفضالة ودفع غير المستحق”.

وانطلاقاً من أن الالتزام السياسي عند المواطن الفاعل الذي ينضوي تحت عقيدة سياسية، ومن أنه لا يمكن فصل الالتزام السياسي عن العمل السياسي، وهذا المواطن الملتزم عليه أن يكون مستعداً لمجابهة الموت ليصبح التزامه التزاماً فعلياً، فإن مشاركة المواطن في العمل السياسي هي سبب الإلزام القانوني باعتبار أن المشاركة مع الجماعة السياسيّة تقتضي تحمّل مسؤولية نتائج هذه المشاركة سواء كانت “سياسيّة، قانونيّة، تنظيميّة وغيرها من المخرجات” باعتبارها قرار الجماعة وتعبير عن إرادتها، وهذا ما يُعبّر عنه بمبدأ المواطنة والذي يُعتبر من أهم المبادئ الدستوريّة في الدول المستقِّرة سياسيّا كمصدر الحقوق والواجبات، ويقابله في الثورات “المشاركة في الأطر التنظيّميّة” لسلسلة القيادة الثوريّة.

وفي ظلّ غياب “الأطر التنظيميّة الشاملة للثورة” واقتصار الأطر على تنظيم المجموعات الثورية ضمن سلسلة متوازيّة قد تلتقي بالأهداف وربّما بالأليات ولكنها تختلف في البنى التنظيميّة التي يغلب عليه الاستقلال والانغلاق على الذات، وعلى الرغم من ان جميعها تستند إلى شرعنة وجودها وأفعالها على “المشروعيّة الثوريّة” ما خلق مجموعة من العلاقات والالتزامات فيما بينها تدور بين الالتزام “العقدي” مجازاً الذي يُعبّر عنه مواثيق “الاندماج والتوحّد” أو مواثيق التحالف والشراكة، وبين مجموعة التصرّفات “الفضوليّة”، ومجموعة أخرى هي “الإثراء بلا سبب”. وهي مجموعة التصرّفات التي تصدر عن أي طرف من هذه الأطراف “سياسيّة أو عسكريّة أو ثوريّة” خارج إطار المشروعيّة الثوريّة أو الاتفاقيّات والمواثيق المتبادلة بينها.

الإثراء بلا سبب من الناحيّة: هو حصول أي شخص ولو كان غير مميّز على كسب بلا سبب مشروع على حساب شخص آخر، يقوم على ثلاثة أركان “إثراء المستفيد – إفقار صاحب الحق – انعدام السبب القانوني” لذا يلتزم المُثري على حساب الغير في حدود ما كسبه تعويض من لحقه ضرر بسبب هذا الكسب، ويبقى هذا الالتزام قائماً ولو زال كسبه فيما بعد، وعلى هذا، فالإثراء بلا سبب يعدُّ واقعة قانونية تشكل مصدراً من مصادر الالتزام، ومن أهمّ تطبيقاته القانونيّة “الفضالة”.

الفضولي هو كل: “من يتصرف بحق الغير بدون إذن شرعي”، ويترتب على “الفضولي” مجموعة من الالتزامات منها: رد ما استولى عليه بسبب الفضالة وتقديم حساب عما قام به، وتمكين صاحب الحقّ من مباشرته بنفسه، وببذل العناية على ما يقوم به حتى لا يلحق أضرار بصاحب الحقّ.

وتصرفات الفضولي تنعقد ولكن تبقى موقوفة على إجازة صاحب الحق، إذا لم يوافق صاحب على تصرف الفضولي بطل تصرفه.

وعود على بدء وبما أن الالتزام القانوني هو أساس الالتزام السياسي، وأن سبب الالتزام السياسي هو الانتماء للجماعة السياسيّة، والمشاركة في صنع القرار أو إصدار التشريعات والقوانين التي تُعبِّر عن إرادة الجماعة، وحيث أن المعارضة السوريّة بكافة أطيافها، والفصائل العسكريّة الثوريّة، والحكومات القائمة ومؤسسات المعارضة الرئيسيّة والفرعيّة تقوم على أسس تنظيميّة مختلفة، وترسم وتتبنى خطط عمل لنفسها تقوم على الاستقلال “المالي والتنظيمي والإداري” عن بعضها بعضاً، ما يجعل تصرفاتها تدور بين “الإثراء بلا سبب” و”الفضالة” بالنسبة للغير فيما إذا أدّت إلى الإضرار بأي ثائرٍ ولو كان منفرِداً أو أي مجموعة ثوريّة مهما كانت حجمها، وتبقى آثار هذه التصرّفات رهناّ بإجازة أصحاب الحقوق وهم أولياء الدم والعِرض والمال الذي سفكه وانتهكه ونهبه النظام المجرم وحلفائه، فإن أجازوها سرَت مفاعيلها، وإن رفضوها بَطُلَت هذه المفاعيل. وهذا الحكم ينسحب على الدول التي تدخّلت في الشأن السوري والتي بنت تدخّلها على أساس “تحقيق مطالب الشعب السوري” في الحرّية والكرامة الإنسانية، فإن هي تجاوزت هذه المطالب وسعت لتحقيق مصالحها على حساب الشعب السوري فحكمها حكم الفضوليّ، وتبقى تصرفاتها رهنا بإجازة هذا الشعب الأمر يوجب عليها الانصياع لإرادته فإن أجاز مضت وإن لم يُجِزْ توقّفت وعوّضته عمّا لحقه من ضرر.

لذا فإنه وبعد خروج المظاهرات التي تنادي بإسقاط النظام ورفض أية حلول تصالحيّة معه هي التعبير الحقيقي لإرادة “قوى الثورة” وباعتبارها مجموعة سياسية في العرف السياسي فإنَّ رفضها لكل المفاوضات المؤديّة إلى إعادة إنتاج النظام أو تأهيل بشار أسد يعتبر قراراً ملزِماً للجميع، ويرفع الغطاء عن كل “الفضوليّين” الذين ساروا في هذه المسارات، ويجعل أثر تصرفاتهم ملزماً لهم فقط ولا قيمة له عند أولياء الدم وأصحاب الحقوق.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني