لماذا تهاجم إيران الإمارات الآن؟ الأسباب والرسائل
لو كانت المسيرات الحوثية التي استهدفت أبو ظبي يوم الإثنين 17 كانون الثاني 2022 قد استهدفت المملكة العربية السعودية، لكان الخبر عادياً نظراً لاستهداف الحوثي المستمر لأراضي المملكة، لكنه أخذ كل تلك الأهمية لأنه ضرب أبو ظبي.
لماذا تستهدف إيران أبو ظبي؟
استبقت دول الخليج العربي استلام الرئيس الامريكي جو بايدن لمقاليد السلطة في البيت الأبيض في 20 كانون ثاني 2021 بعقد قمة العلا التاريخية في 5 كانون الثاني 2021، وأنجزت المصالحة التاريخية مع قطر، ولم يتأخر الرئيس بايدن كثيراً في رفع الحوثي عن لوائح الإرهاب الامريكية بعد أن وضع الرئيس السابق دونالد ترامب جماعة الحوثي على تلك اللوائح وهو يضب أغراضه للخروج من البيت الأبيض.
كان يقين زعماء دول مجلس التعاون أن الرئيس الامريكي الديمقراطي سيسعى سعياً حثيثاً للتوصل لاتفاق نووي جديد مع إيران، وإن أي اتفاق أمريكي – إيراني يعقبه تمدد أو تنمر إيراني في الإقليم، لذلك سعى زعماء دول مجلس التعاون إلى تعزيز المصالحة فيما بينهم.
أيضاً حصلت المصالحة القطرية – المصرية أسرع بكثير مما كان متوقعاً، أعقبه كسر الجليد الذي خلفه الربيع العربي بين كل من تركيا مع مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات.
توجت تلك المرحلة بالزيارة التاريخية للشيخ محمد بن زايد إلى أنقرة، أعقبتها تصريحات للرئيس التركي بعزمه على زيارة كل من مصر والسعودية في شباط القادم.
لم ينته العام إلا وكان الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي قد زار دول مجلس التعاون كلها، وأعقب ذلك عقد القمة الثانية والأربعين لدول مجلس التعاون الخليجي (وعام 2021 هو العام الوحيد الذي شهد عقد قمتين خليجيتين) تعبيراً عن التلاحم الخليجي وتنقية كل العلاقات من الشوائب والاستعداد لمواجهة المشروع الإقليمي الإيراني صفاً واحداً ودون الاعتماد على الولايات المتحدة التي استجابت لرفض إيران التفاوض في فيبنا على أي ملف غير النووي كالملف الإقليمي والصاروخي مع الطائرات المسيرة.
شهدت نهاية العام الماضي تحولات خطيرة لا تخدم مشروع الهيمنة الإقليمي الإيراني في المنطقة.
عدا عن المصالحات التي تمت بين بعض الدول العربية بينياً تمت مصالحة مع تركيا، ولم تؤد جولات المباحثات الأربعة بين السعودية وإيران التي جرت في بغداد لأي تقدم، بل يمكن اعتبار أن مزيداً من الصراع في ملفات المنطقة المشتركة بين البلدين قد ازدادت حدة، كقطع العلاقات مع لبنان الذي يسيطر على قراره السياسي حزب الله.
وشهدت المعركة ضد ميليشيا الحوثي الطائفية تحولاً نوعياً تجلى بامتصاص هجومها على مأرب وشبوة ثم دحره، وتم تحرر شبوة واستعادة زمام المبادرة على الأرض رافق ذلك قتل حسن إيرلو قائد ميليشيا الحرس الثوري الإيراني في اليمن وقائد المعارك على الجبهات.
أيضاً كانت خسارة حلفاء إيران بما يسمى الإطار التنسيقي الشيعي وهو الوجه السياسي لميليشيات الحشد الشعبي، خسارة تاريخية مدوية أمام منافسهم الصدر ودعم السنة والأكراد له بتشكيل حكومة عراقية تستبعد تلك الميليشيات، وهو ما شكل شرخاً في البيت الشيعي العراقي وهو أهم روافع السيطرة الإيرانية على العراق.
يمكن قراءة مشهد الصراع الآن على أن دول مجلس التعاون الخليجي الستة وقد يضاف لها مصر والأردن وتصبح 6+2 في مواجهة المحور الإيراني الذي بدأ بتطبيق صفقة الربع قرن مع الصين، وأن الرئيس الإيراني سيوقع قريباً صفقة ربع قرن مشابهة مع روسيا، مع احتمال قوي للوصول لتفاهم نووي مؤقت بنهاية مفاوضات فيينا.
أما عن أسباب الامتعاض الإيراني من دولة الإمارات فيمكن أن نعدد الأسباب التالية:
1- ساهمت خطة التحالف العربي العسكرية الجديدة بإنزال أفدح الخسائر بالميليشيا الحوثية وكان ذلك بفضل الضربات الجوية السعودية، وكان لألوية العمالقة الجنوبية المدعومة إماراتياً، التي تم سحبها من الحديدة واشتركت في المعارك على جبهتي مأرب وشبوة، أكبر الأثر في إحداث تحول نوعي على الأرض، حيث استطاعت تلك الألوية تحرير محافظة شبوة كاملة خلال أسبوع، وتم نقل قوات منها إلى جبهتي مأرب والحديدة، وتم تغيير سير المعارك على الأرض، إذاً فالقوات الحوثية في حالة تراجع وانهيار من مأرب وإذا استمر الانخراط الإماراتي في المعركة فإنه قد يؤدي لنتائج وخيمة لميليشيا الحوثي، وبالتالي يمكن أن تكون الرسالة الإيرانية بهذا الاتجاه.
2- نعلم جميعا أن الحرب الرمادية بين إسرائيل وإيران مستعرة منذ 2018، وتأخذ تلك الحرب أشكالاً مختلفة، منها الهجومات السيبرانية والهاكرز والاغتيالات داخل إيران أو سرقة ملفات الأرشيف النووي أو الضربات التي تتم داخل الأراضي السورية أو في البحار.
إلا أنه منذ بداية العام الجاري، سجلت هجمات سيبرانية وهاكرز وأعمال تفجيرات داخل المدن الإيرانية تعادل ما تم تسجيله في عامي 2020 و2021، حيث تستهدف إسرائيل المنشآت النووية والدفاعات الجوية وبعض المراكز الأمنية، والأهم الآن أنها تسعى لتأزيم العلاقة المتوترة أصلاً بين الطبقة الوسطى الإيرانية ونظام الملالي، بحيث تستهدف إسرائيل محطات الوقود ومحطات الكهرباء والقطارات والمنشآت الصناعية الحرفية، بشكل فاقم من ازدياد التذمر الشعبي تجاه السلطات لعدم تمكنها من الحد منها أو التصدي لها ولم يعد يجدي نفعاً إلقاء اللوم على ماس كهربائي أو إهمال بشري، وفي اليومين الماضيين حدث ارتباك شديد بين مختلف وزارات الدولة، بحيث أعلنت وزارة الدفاع أن الانفجارات التي تتم والتخريب الذي ينشأ عنها ماهي إلا نتيجة المناورات التي يجريها الحرس الثوري الإيراني، فيما أعلن وزير الداخلية أن سبب تلك الانفجارات العواصف الرعدية والبرق المتولد عن الجو الشتوي العاصف.
كان من نتائج التطبيع الإسرائيلي – الإماراتي أن الوجود الأمني والاستخباري الإسرائيلي تزايد في دولة الإمارات وهو قريب جداً من إيران، وتعتقد إيران أن تلك المراكز الأمنية الإسرائيلية ومثلها الموجودة في أذربيجان تقوم بقيادة الحرب الداخلية التي تتعرض لها إيران، ويمكن أن تكون الرسالة الإيرانية لـ (أبو ظبي) أن إسرائيل لا تستطيع حمايتكم وعليكم تقليص ذلك التعاون معها.
3- يمكن أن تكون غاية إيران إحداث شرخ في العلاقة بين السعودية والإمارات وبالتالي التأثير على التلاحم الخليجي بمواجهتها، وإبعاد الإمارات عن التنسيق مع المملكة في ملف الحرب اليمنية بشكل خاص والتنسيق بمواجهة المشروع الإيراني بشكل عام.
4- تعلم إيران أن الإمارات اشترت مؤخراً من فرنسا صفقة طائرات رافال، ومنظومة دفاع جوي كورية جنوبية (باتريوت كوري) ولها علاقات عسكرية متنامية مع الصين، أيضاً المملكة تطور طائرات مسيرة وصواريخ بالستية مع الصين، وتلوح في الأفق صفقة شراء مسيرات تركية أثناء زيارة الرئيس التركي للرياض.
مؤدى الرسالة، أن الأمن الخليجي لا يمكن أن يتم إلا برضى إيران وبالتفاوض معها وقبولها كما هي الآن، موجودة في العواصم العربية الأربعة، وإنشاء منظومة أمن إقليمية تتسيدها إيران.
يرى بعض المراقبين أن إيران تجد نفسها محاصرة من الجهات الأربع، غرباً من سلطة عراقية جديدة لم تعتد عليها منذ 2003، وشمالاً من أذربيجان المتعاونة مع إسرائيل وتركيا، وشرقاً من طالبان، وجنوباً من دول مجلس التعاون الخليجي والحضور الإسرائيلي في المنطقة، سواء في الإمارات والبحرين أو بوجودها ضمن القيادة العسكرية المركزية الأمريكية (السنتكوم)، لذلك ما على المحاصر إلا الهروب للأمام.